خليفة: هذه هي التداعيات على الاطباء والمستشفيات... والمريض وحده يدفع الثمن
تفان في التعاطي مع الطفلة والعلاجات السليمة والدليل انها ما زالت على قيد الحياة
عمر الراسي - "أخبار اليوم"
قضية الطفلة ايلّا طنوس، لم تغب عن اذهان اللبنانيين منذ ست سنوات ولغاية اليوم، ومهما كانت المبالغ او الاموال، فلن تعوض الخسارة الكبيرة، ولكن في المقابل اعتبر الحكم القضائي الصادر عن محكمة الاستئناف في بيروت، برئاسة القاضي طارق بيطار، جائرا لا سيما من قبل المجتمع الطبي الذي بدأ اليوم سلسلة تحركات من اضراب الى اعتصام، وصولا الى لقاء بين المديرة العامة لوزارة العدل القاضية رلى شفيق جدايل ونقيب الأطباء البروفسور شرف أبو شرف ورئيس الدائرة القانونية في نقابة الأطباء القاضي الرئيس غالب غانم.
قررت محكمة الاستئناف "رد طلبَي فتح المحاكمة المقدّمَين من قبل الرهبنة اللبنانية المارونية من جهة والدكتورة ر. ش. والجامعة الأميركية في بيروت من جهة أخرى"، كما ردّ "الاستئنافات المقدمة من كل من الدكتور ع. م. (عصام معلوف) والرهبانية اللبنانية المارونية والدكتورة ر. ش. (رنا شرارة) والجامعة الأميركية في بيروت". وعليه، حكمت المحكمة بتصديق الحكم الابتدائي، مع تعديل قيمة التعويضات المقرّة للطفلة، بحيث تصبح 9 مليارات ليرة لبنانية "يلزم بها ويدفعها المدعى عليهم بالتكافل والتضامن في ما بينهم، إضافة إلى دخل شهري لها بمعدل أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور بتاريخ الدفع الفعلي، ولكل من الوالدين مبلغ 500 مليون ليرة".
ليست كل المضاعفات خطأ
القرار انتقده بشدة وزير الصحة الاسبق محمد جواد خليفة، شارحا عبر وكالة "أخبار اليوم" ملابسات القضية والمضاعفات الطبية.
وقال: من الشق العاطفي، مال الدنيا كلها لا يعوض على الطفلة ايلا طنوس وعلى اهلها، فحياة الانسان لا تقدر بثمن!
واضاف: اذا وضعنا القضاء والقدر والشق العاطفي، وعدم خلق مواجهة بين رأيين منفصلين جانبا، فانه الاطلاع على الوقائع! مذكرا ان الاطباء يموتون وابناؤهم ايضا يموتون امام اعينهم في مستشفيات يعملون فيها. لكن هذا لا يعني ابدا - كما اصبح سائدا لدى الرأي العام – ان وفاة اي مريض في المستشفى او حصول مضاعفات جراء عملية جراحية هو نتيجة خطأ طبي. بل ما هو متعارف عليه عالميا وطبيا ان هناك مضاعفات قد تحصل لاي عمل طبي.
وتابع: بالنسبة الى الطفلة طنوس، فهي كانت تعالج عند طبيب مشهور، وقد عالج الآلاف من الاطفال وقد ادخلها مستشفى المعونات حين رأى ضرورة لذلك، وهو مستشفى جامعي تابع لكلية الطب في الجامعة اللبنانية وتتعاون معه مؤسسات طبية اخرى.
وذكر انه عندما اتخذ القرار بنقل الطفلة الى مستشفى آخر، هناك مستشفيات اقفلت الابواب بوجهها لاسباب عدة منها حجة عدم وجود امكنة، ولكن ما حصل في الجامعة الاميركية، كان بمنتهى المسؤولية المهنية والاخلاقية، وايضا بمستوى تحمل المسؤولية. فالطفلة حين وصلت الى "الاميركية" تم استقبالها في قسم الطوارئ، وقد اشارت تقارير طبية عدة الى انها كانت تعاني من عدة مضاعفات منها يؤثر على حياتها.
انقاذ الحياة
واستطرد خليفة الى القول: هذا ما نواجهه اليوم مع مصابي كورونا، او مع اي مرض آخر وحتى مع اللقاحات، بمعنى اننا نتقبل مشاكل من اجل الفوائد، واضاف: بالتالي كان التركيز مع الطفلة على انقاذ حياتها بالدرجة الاولى بغض النظر عن عوارض او مشاكل جانبية كانت تنتج عن العلاج ، في حين ان وقف العلاج كان سيؤدي حتما الى انهاء حياتها.
وشدد خليفة على ان الفريق الطبي المعالج الذي استقبل ايلّا مشهود له، والدكتورة شرارة عملت في اهم الجامعات في الولايات المتحدة. كما ان كل الاطباء الذين تابعوا الحالة ليسوا بحاجة الى شهادة من احد بل نالوا شهاداتهم ووراءهم تاريخ طبي طويل من النجاحات وتقييم عملهم الطبي هو المعايير العالمية.
ولفت الى ان تقييم قسم العناية بالاطفال في الجامعة الاميركية، لا يتم من خلال حالة واحدة بل من خلال العمل السنوي لعدد الحالات التي ادخلت الى القسم، وكم بلغ عدد الذين خرجوا متعافين والذين حصل معهم مضاعفات، ودائما يأتي مطابقا للمؤشرات العالمية الافضل، وذلك نتيجة للعلاجات التي يتلقاها المرضى. واكد على التفاني في التعاطي مع الطفلة ايلّا والعلاجات السليمة التي اعطيت لها، والدليل انها ما زالت على قيد الحياة، لا سيما بالنظر الى الحالة التي وصلت فيها الى الجامعة الاميركية، والمضاعفات الكارثية التي كانت تعاني منها، مذكرا ان كافة الاطباء يعلمون انه حين تكون الشرايين مقفلة نتيجة التسمم او نتيجة اسباب اخرى، يمكن للمريض ان يموت بعد يومين او 3، والاستمرار في اعطاء ادوية مضادة للالتهابات لا يفيد، لكن في الجامعة الاميركية بذل الاطباء كل جهد لانقاذ حياة الطفلة.
من حق الاعلام ولكن...
وردا على سؤال، اجاب خليفة: من الطبيعي ان يشير الاعلام الى المشكلة، ولكن ليس من حقه ان يصدر احكاما مسبقة ويحضّر الرأي العام لاحاكم معينة، ويضع الضغط على القضاء وعلى كل المؤسسات بما يوحي ان هناك جريمة ارتكبها الاطباء في اهم مستشفى في لبنان... وان يحدد كيف يجب ان يحاسبوا؟!
وان اراد الاعلام ان يضيء على المشكلة فعليه التركيز على الاسباب التي دفعت الى نقل الطفلة من مستشفى جامعي الى آخر مماثل، فكيف وضعت في سيارة اسعاف، وكيف خرجت من المستشفى؟! خصوصا وانها لم تكن في مستشفى صغير في احدى قرى الاطراف وتم تحويلها الى مستشفى جامعي. وهنا دعا خليفة الى تقييم نظام نقل المرض لا سيما في حالات الخطر.
واذ شدد على ضرورة الوصول الى العدالة كونها امر ضروري، اكد خليفة اننا امام حالة معقدة لا بد من وجود لجنة اطباء يؤخذ برأيها قبل اصدار الحكم، قائلا: القضاء تسرع في الحكم، وفي هكذا حالات يجب الاستناد الى العلم وليس الى العاطفة! مشددا على انه كان يجب الاستعانة بلجنة اطباء عالميين على غرار ما يحصل في كل دول العالم. وتتألف عادة مثل هذه اللجان من 3 او 4 محلفين دوليين ليأتوا الى الميدان، ويتابعون العملية من الاف الى الياء واصدار التقرير العلمي، مكررا: لكن اصدار قرار مبني على العاطفة، هو امر مستهجن.
وفي هذا السياق، اشار خليفة الى ان العلاقة لطالما كانت وطيدة بين الاطباء والمرضى وتتحول احيانا الى صداقات فلا يجوز ان تتحول الى علاقة بين محاميي الطرفين.
تحذير
وحذر خليفة الى ان الحكم الصادر عن القاضي بيطار سيؤدي الى:
اولا: المستشفيات سترفض استقبال الحالات المعقدة، سيتوقف التعاون يبن المستشفيات تجنبا لمشاكل بغنى عنها، وهنا المريض سيكون المتضرر، بحجة ان لا اسّرة او لا يمكن تقديم اي شيء اضافي.
ثانيا: الاطباء ايضا سيرفضون الحالات المعقدة ، وهذا ما حصل في العديد من الدول الاوروبية والولايات المتحدة، حين تم سن بعض التشريعات،... وهنا ايضا يدفع المرضى الثمن.
واشار خليفة الى ان هذه الاجراءات ستدع الاطباء الى اللجوء الى عقود تأمين بملايين الدولارات تحميهم من بعض الاحكام، وهكذا سترتفع تعرفة الطبيب.
واذ شدد على اننا في هذه المرحلة بامس الحاجة الى التعاون بين الاطباء والمرضى والمستشفيات لمواجهة الازمة، قال خليفة: لا نتدخل في القضاء الذي له حيثياته ونظرته التي نحترمها، ولكن الحكم الصادر هو بمثابة اعدام افظع من المشنقة كونه ينهي الحياة المهنية لاي طبيب، كان يجب ان يدرس اكثر قبل النطق به! قائلا: الطبيب الذي يتخصص لمدة احيانا تصل الى 30 سنة يكون قد فنى عمره، من اجل خدمة الناس لا يجوز ان يتخذ بحقه احكام لها مفاعيل كارثية وسلبية على الاطباء والمستشفيات على حد سواء.
وختم خليفة مؤكدا على ان مثل هذه القضايا تستوجب وجود لجان طبية وتقارير علمية ... وان تؤخذ بالاعتبار .
للاطلاع على الاعتصام اضغط هنا