الاستثمارات في لبنان تغرّد خارج نطاق الأزمات الأمنية والاقتصادية... | أخبار اليوم

الاستثمارات في لبنان تغرّد خارج نطاق الأزمات الأمنية والاقتصادية...

| الجمعة 03 مايو 2024

الاستثمارات في لبنان تغرّد خارج نطاق الأزمات الأمنية والاقتصادية...

الحبتور يجدّد "بيعته" للبنان بمشروع إعلامي يوفر 300 فرصة عمل


"النهار"- سلوى بعلبكي

يسود لدى غالبية اللبنانيين شعور بأن البلاد سقطت في القعر الإقتصادي القاتل، وما عاد ممكناً العودة إلى السطح الآمن لاعتبارات ومعطيات عدة لا تخدم أحلام ورؤى حمَلة الأمل.

بَيد أن الإندفاعة الإستثمارية المستجدة من رجال أعمال لبنانيين وعرب، على محدوديتها، أمكنها أن تمسح بعض التشاؤم السائد، وتعزز الثقة بقدرة لبنان على النهوض مجددا، واستقطاب رؤوس أموال واستثمارات جديدة، تعود به إلى المسار الإقتصادي السليم، وتغذي مقومات النهوض بما تحتاجه، لاستعادة المبادرة والخروج من النفق المظلم.

ليس جديدا القول إن استمرار الدولة بتجاهل دورها ووظيفتها، وعدم دخولها ساحة الإصلاح الجدي وتغيير سلوكها المالي والنقدي، شكّل عائقا مربكا أمام استعادة المستثمرين اللبنانيين والعرب للمبادرة، وعودتهم مجددا إلى رحاب السوق اللبنانية الزاخرة برغم معاناتها بالفرص الإستثمارية المغرية. لكن المعوقات المنبثقة من تفكك أوصال النظام المالي، ودخول المصارف إلى العناية الفائقة، لم يمنعا عودة بعض رؤوس الأموال وعدد من رجال الاعمال إلى المباشرة بدراسة الجدوى الإقتصادية لمشاريع عدة، وبدء الإستحصال على التراخيص والأذونات الرسمية للشروع في التنفيذ.

تتنوع المشاريع العتيدة بين استثمارات صناعية وأخرى سياحية، وبعضها الآخر ذو طابع تجاري. لكن اللافت أخيرا، كان إعلان "مجموعة الحبتور" عن توسع استثماراتها في لبنان، عبر إطلاق قناة تلفزيونية، وبناء مدينة إنتاج وستوديوات تصوير ضخمة، بالقرب من مدينة بيروت، على أرض تبلغ مساحتها نحو 100 ألف متر مربع، على أن "تصبح مركزا رئيسيا لإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، بما يعزز جاذبية البلاد كوجهة مفضلة لصنّاع الأفلام الدوليين".

ليست "مجموعة الحبتور" بمفردها مَن استعادت الثقة بالسوق اللبنانية، برغم التجربة المؤلمة التي مرَّت بها، والخسائر الفادحة التي تكبدتها سابقا، أسوة بجميع اللبنانيين، ولا تزال تعاني معهم من حجز أموالها في المصارف اللبنانية، بل تسجل الإستثمارات الجديدة نموا يزيد قليلا عن الخجول إنما واعد، أهمها في قطاع صناعة الأدوية والسياحة والمواد الغذائية.

معظم هذه الإستثمارات الجديدة تأتي من رجال اعمال لبنانيين، أو مغتربين جدد غادروا البلاد عند بداية الأزمة وعملوا في الخارج ما سمح لهم باكتشاف آفاق وأسواق جديدة من جهة، وبناء قناعة عن سهولة مزاولة الأعمال في لبنان وقوة عائداتها نسبيا مع المغتربات.

عودة هؤلاء إلى الإستثمار على البر اللبناني، ومعهم رجال أعمال عرب، ليس لما سبق فحسب، بل لعوامل وحوافز مغرية عدة في بنية سوق الإستثمار اللبناني لعل اهمها المسألة الضريبية المعقولة نسبيا، والكلفة المتدنية لليد العاملة اللبنانية والأجنبية فيه بسبب الإنهيار النقدي، واستمرار حرية التحويل المالي من لبنان وإليه، اضافة إلى توافر طاقات شابة وفتية من حمَلة الشهادات العليا بكثرة، وميزات عدة تخدم المشاريع الموعودة وتقوّي فرص نجاحها.

حجم الاستثمارت وعددها

انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام 2020، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر استثمارات الحبتور في لبنان وغيرها من الاستثمارات الاجنبية، فقرر على اثره خلف الحبتور اقفال فندق متروبوليتان. وكان قبل قرار اقفال الفندق، اتخذ قرارا بإقفال مدينة الملاهي "الحبتور لاند" التي استثمر فيها نحو 10 ملايين دولار في منطقة الجمهور، وكذلك أوقف شركة دبي للتأمين فرع لبنان.

ولكن "من الخزي أن يموت اللبنانيون بسبب عدم توافر النفط والدواء وتوقف السياحة وغير ذلك الكثير"، وفق ما يقول رجل الاعمال الاماراتي خلف الحبتور، فقرر مطلع العام 2023 إعادة افتتاح "هيلتون بيروت متروبوليتان بالاس-الحبتور"، انطلاقا من حرصه على "دعم الاقتصاد اللبناني وتوفير فرص عمل للشباب والشابات اللبنانيين ودفع عجلة التنمية في البلاد"، وفق ما أعلن على مواقع التواصل الاجتماعي.

اليوم يجدد الحبتور البيعة للبنان، معلنا عن اختياره إياه لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة في بيروت، في خطوة نوعية اضافة إلى إنشاء مدينة ستوديوات تليق بمعايير الجودة العالمية. واختياره للبنان "تحديدا دون غيره من الدول كمقر لقناتنا التلفزيونية الجديدة، يهدف الى خلق فرص عمل للشعب اللبناني وتشغيل الشباب والشابات، والمساهمة في تعزيز الظروف الاقتصادية والاجتماعية لأهلنا في لبنان. وهذا واجبي تجاه أهلي هناك، حتى وإن لم أحقق أرباحاً أو استفادة مالية مجزية".

والمشروع الاستثماري الجديد وفق ما قال الحبتور سيوفر أكثر من 300 فرصة عمل، وعوائد إيجابية على الإقتصاد ومجال الإعلام والإنتاج الفني، فهو يؤمن بشدة بالشباب اللبناني المبدع المُحبّ للحياة والإيجابية "وأرغب بدعمهم وعوائلهم وتعزيز المشهد الإعلامي والاقتصادي في لبنان. فصمود الشعب اللبناني هو مصدر إلهام حقيقي لي، وبإذن الله ستكون قناتنا منبرا لنشر الأمل والسعادة والإيجابية من جديد"، مؤكدا أنه "تم التواصل مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي "وعدنا بتقديم الدعم والتسهيلات لإتمام مشروعنا الاستثماري على أكمل وجه".

لكن المشروع الجديد لم يمر عبر المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات "ايدال" حتى الآن على رغم القانون الرقم 360 الهادف الى تشجيع الإستثمارات في لبنان حدد مجموعة من القطاعات الأساسية التي تتمتع بمقومات للنمو بالاستناد إلى قدرتها على جذب الإستثمارات وتأثيرها على النمو الإجتماعي والإقتصادي. وتشمل تلك القطاعات الصناعة والزراعة والصناعات الغذائية والسياحة والمعلومات والاتصالات والتكنولوجيا والإعلام.

ومعلوم أن "إيدال" انشئت عام 1994 بهدف ترويج لبنان كوجهة استثمارية حيوية وجذب الاستثمارات إليه وتسهيل أعمالها والحفاظ عليها، إذ تقدم "ايدال" اعفاءات ضريبية (ضريبة الارباح والتوزيع) على مدى 10 أعوام وحسومات على الكثير من الرسوم والضرائب.

المستشار الاقتصادي في "ايدال" عباس رمضان أكد لـ"النهار" ان الاستثمار الجديد للحبتور لم يمر عبر "ايدال"، مشيرا الى أن مشاريعه الاستثمارية في لبنان حاليا تقتصر على فندقين ومجمع تجاري فيما حجم الاستثمارات التي صرح عنها لهذه المشاريع يقدر بنحو 70 مليون دولار، مرجحا زيادة حجم التوظيف في هذه الاستثمارات لاحقا. ولا ينفي وجود استثمارات أخرى عقارية، ولكن ليست ضمن المشاريع التي اطلقها عبر "ايدال".

وبالحديث عن وضع #الاستثمارات في لبنان حاليا، يؤكد رمضان أن "الوضع جيد، وثمة استثمارات تم توظيفها في الاعوام القليلة الماضية، ولكنها تقتصر على المستثمرين اللبنانيين مقيمين ومغتربين، من دون تسجيل استثمارات اجنبية أو خليجية في ما عدا استثمار سياحي واحد كويتي. فالعام الماضي شهد انشاء 4 مشاريع استثمارية ضخمة 3 منها في مجال صناعة الدواء. المشروع الأول الذي يعتبر الأكبر كلفته نحو 140 مليون دولار ويوفر نحو 400 فرصة عمل سيكون في منطقة زحلة. المشروع الثاني حجم الاستثمار فيه 50 مليون دولار ويوفر 220 وظيفة في منطقة الغسانية جنوب لبنان. أما المشروع الثالث في الشمال فكلفته أكثر من 15 مليون دولار ويوفر أكثر من 100 فرصة عمل"، والاخير بدأ فعليا العمل، أما مشروعا زحلة والجنوب فلا يزالان في مرحلة التشييد. وثمة مشروع سياحي باستثمار كويتي في منطقة قرنايل (جبل لبنان)، وهو عبارة عن بوتيك أوتيل وشاليهات ومسابح بحجم استثمار يبلغ 7 ملايين دولار.

وحاليا ثمة استثماران في الصناعات الغذائية: الاول مصنع للبطاطا بنحو 7.5 ملايين دولار، وآخر لتوضيب الخضر والفواكه بنحو مليوني دولار، الى مصنع لاعادة تدوير البلاستيك بنحو مليوني دولار في منطقة ضبية.

ويجري التباحث حاليا في إنشاء مشروعين في قطاع الصناعات الغذائية: الاول أصبح التفاوض في شأنه في المراحل الاخيرة ويتعلق بصناعة "الشيبس" من الذرة في البقاع بقيمة تبلغ نحو 8 ملايين دولار، ومصنع آخر يتعلق بصناعة "الباستا" ولا يزال جاريا التفاوض حوله بنحو 5 ملايين دولار، ولكن لم يتم تحديد المنطقة التي سيستثمر بها حتى الآن، والمرجح ان يكون في منطقة البقاع او الشمال.

وفي حين بلغ حجم الاستثمارات في العام 2023 200 مليون دولار، أوضح رمضان أن عدد المشاريع في العام الواحد لا يتجاوز الـ 10 مشاريع، وفي الأعوام القليلة الماضية التي تلت ازمة 2019 لم يتخط عدد المشاريع في السنة الواحدة الـ 5 مشاريع، ولكن الملاحظ ان حجم الاستثمار فيها كبير، حيث بلغت قيمة الاستثمارات هذه السنة 20 مليون دولار.

وفي التقرير الفصلي لبنك عوده، أشار الى التأثيرات غير المباشرة للحرب في الجنوب على إجمالي الاستثمار في لبنان عموما. فقد منعت الحرب المستثمرين في جميع الأراضي اللبنانية من اتخاذ قرارات استثمارية أو على أقل تقدير أدت إلى تأخير تنفيذ القرارات السابقة، إذ بات المستثمرون في حال ترقب في ظل ضبابية الوضع الأمني داخل البلاد والذي يؤثر سلبًا على الآفاق الماكرو-الاقتصادية والمالية في لبنان. والجدير ذكره أنّ حجم الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغ اليوم مستوى متدنيا أقل من 10%، وهو أحد أدنى المستويات في التاريخ المعاصر للبلاد ومن بين أقل المستويات في الأسواق الناشئة، ما يشير إلى الضعف الملحوظ في تكوين رأس المال عموما.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار