المبادرة الفرنسية - السعودية: الاستقرار بتوازنات الطائف! | أخبار اليوم

المبادرة الفرنسية - السعودية: الاستقرار بتوازنات الطائف!

| الإثنين 06 ديسمبر 2021

الأزمة الهائجة والتهور اللبناني

"اللواء"

إذا سارت الأمور، وفقاً لما هو مرسوم لها، فإن الشهر الأخير من السنة، وبعد تعطل غير سياسي لمجريات عملية إعادة التوازن للوضع الداخلي في لبنان، عبر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، من المرجح  بقوة أن يشهد محطة جديدة من محطات التغلب على الأزمة «الثورية» (نسبة إلى الثور) الهائجة منذ ما قبل 17 ت1 (2019)، والتي كادت أو أكلت «الأخضر واليابس» من مقوّمات هذا البلد، لدرجة أصبح فيه البحث عن الكهرباء بمثابة سفر إلى المريخ، وكذلك، كان انقطاع المياه علامة من علامات الجفاف ليس المائي وحسب، بل انعدام المسؤولية الإدارية والخلقية لدى القيِّمين على مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان، حيث تسجل المياه انقطاعات موحشة، في عز ك1، وهو الشهر الذي تهطل فيه المياه من السماء إيذاناً ببدء فصل الشتاء..


إذا سارت الأمور، على نحو ماضٍ في المعالجة، فإن جلسة مجلس النواب غداً في الأونيسكو، قد تشهد ولادة الصيغة الكفيلة بالاستجابة لمطلب «الثنائي الشيعي» ومعه ضمناً تيّار «المردة»، بالكفّ عن مقاطعة جلسة مجلس الوزراء والعودة إلى الانتظام الحكومي، بعد إعادة وصل ما انقطع، بفعل تدخل الرئيس ايمانويل ماكرون، بين المملكة العربية السعودية ولبنان، عبر المكالمة بين ولي عهد المملكة الأمير محمّد بن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي تعهد بالعودة الجدية إلى سياسة النأي بالنفس، تجاه ما يجري إقليمياً، والعمل، بلا انقطاع، على الولوج إلى الاصلاحات، التي طال انتظارها، لمباشرة الدول الصديقة والشقيقة دفع المساعدات الممكنة، لإعادة التوازن إلى الوضع المالي، عبر صندوق النقد الدولي، والصناديق العربية للتنمية التي ساهمت في السنوات الماضية، في إعانة البلد على الصمود في وجه الصعوبات القاتلة والمآزق المالية التي عصفت به.
بعد استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، من ضمن ترتيبات طلبها الرئيس ماكرون من الرئيس ميقاتي، وتجاوب معها الأفرقاء الأساسيون، بما في ذلك رئيسا الجمهورية ومجلس النواب وتيار المردة، أزيلت عقبة من أمام الجهد الدبلوماسي الفرنسي، فإذا تمّ الاتفاق غداً على إحالة ملفات النواب: علي حسن خليل وغازي زعيتر (من كتلة التنمية والتحرير) ونهاد المشنوق (الذي كان من ضمن كتلة المستقبل النيابية) قبل  الانفكاك عنها، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب، والوزير السابق للأشغال يوسف فنيانوس (المردة) إلى المجلس الأعلى  لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب وفقاً للمادة 80 من الدستور، فإن عقبة كأداء ثانية، ستزال لتعود الحكومة إلى الاجتماع، إذ إن القرار هناك في مجلس الوزراء مجتمعاً.
تطبيع العلاقات بين القيادة السعودية والرئيس ميقاتي، باعتباره رئيساً للحكومة التي أناط بها الدستور إدارة الدولة كسلطة تنفيذية، وبرئيسها الذي ينطق باسمها، ويعبّر عن سياستها.
التحوُّل الفرنسي- السعودي، وما يُحكى عن مبادرة مشتركة تجاه لبنان، أخذا مجرى دبلوماسياً واضحاً.
فليس تفصيلاً بسيطاً، أن يصدر عن الديوان الملكي السعودي أن ولي العهد، بصفته الرسمية، والرئيس الفرنسي و«رئيس مجلس الوزراء اللبناني» جرى بينهم اتصال هاتفي.
المهم أن البيان ذكر أن الرئيس ميقاتي أبدى «تقدير لبنان» لما تقوم به المملكة العربية السعودية وفرنسا من جهود كبيرة للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني والتزام الحكومة اللبنانية باتخاذ كل ما من شأنه تعزيز العلاقات مع المملكة ودول مجلس التعاون، ورفض كل ما من شأنه الإساءة إلى أمنها واستقرارها».
هذا في ما خصَّ المملكة، أمَّا في ما خص لبنان، فتم الاتفاق بين الدول الثلاث على العمل المشترك لدعم الإصلاحات الشاملة والضرورية في لبنان. كما تمّ التأكيد على حرص المملكة العربية السعودية وفرنسا على أمن لبنان واستقراره..


هذا على مستوى الإعراب عن النيات. فماذا يعني هذا على الأرض:
كل شيء بدا مرتبطاً بالمجريات العملية، في ظل وضع إقليمي- دولي عنوانه العودة إلى التجاذب وعض الأصابع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على خلفية المفاوضات المعقدة، في ما خصَّ إعادة تعويم الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، بعد ما نجح صوت التصعيد على أجواء التهدئة، فأطاح بالإيجابية، وبعثت إيران ليلاً برسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها جاهزة للردّ على ضربات جوية تستهدف منشآتها النووية وغير النووية..
الإنخراط الفرنسي في محاولة التبريد، إقليمياً ودولياً، ماضٍ باتجاه ربط دول الصراع في الإقليم بعجلة مصالح في أوروبا، من دون الذهاب إلى  لعبة التصعيد العسكري والانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك.. فإذا ما أقفلت الأبواب مع الجانب الأميركي، فالجانب الفرنسي جاهز للعب دور الوسيط، سواء في ما خص النووي أو العقوبات الدولية المفروضة على إيران لأسباب متعددة، لعلَّ البعد النووي أحد أبعاد هذه المجابهة الجارية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى.


لتاريخه، تمكن ماكرون، الذي اتصل بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي طالباً المساعدة بحل عقدة قرداحي، فكان له ما طلب، والآن يمضي في اتجاه واعد.. فقد استجاب ولي العهد السعودي للطلب الفرنسي، وقرّر إنهاء القطيعة مع لبنان، على مستويات عدّة، أبرزها، إعادة احياء الاتصالات مع الرئيس ميقاتي، إذ إن الاتصال الهاتفي بحضور ماكرون، هو الأوّل من نوعه بين الأمير محمّد والرئيس ميقاتي قبل ان يُشكّل الحكومة الحالية، التي لم يبدِ الجانب السعودي حماسا، لا لرئاسة ميقاتي لها، ولا لتشكيلها في الظروف المعروفة..
ومن شأن الخطوة هذه أن يستقبها خطوات أخرى عودة السفيرين اللبناني إلى الرياض والسعودي إلى بيروت، فضلا عن اطمئنان اللبنانيين في المملكة إلى يومهم وغدهم، فضلا عن إعادة فتح أسواق الخليج امام الزراعات والصناعات اللبنانية.
والأهم في ما خص لبنان الخروج من سياسة «التنتيع» والتعالي،  و«البطولات الوهمية». فتجربة الأسابيع المؤلمة الماضية، فتحت الباب على مصراعيه حول ضرورة إعادة قراءة متأنية لحقائق تاريخية وجغرافية ومصلحية، لجهة قوة المنافع والمصالح بالنسبة لبلد صغير على خط الزلازل الإقليمية والدولية منذ نشأة إسرائيل قبل سبعين عاماً ونيفاً إلى أيامنا هذه..
العودة إلى الطائف، وفقاً  للمفهوم الذي يعنيه الخطاب السعودي، هي العودة إلى الاحتضان العربي، من زاوية مسؤولية الانتماء، ومسؤولية الإلتزام بالسياسة التي تحمي مصالح البلد وأهله..
إن المبادرة الفرنسية السعودية علامة واضحة على أنه من غير المسموح دفع البلد إلى «الارتطام الكبير»، فهل حان الوقت ليرعويَ سياسيون، ويعودون على خطوط التهور وآفاته القاتلة!

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار