هل فوجئ "حزب الله" جدّياً بمضامين بيان جدّة؟ وماذا يتوقع بعد؟ | أخبار اليوم

هل فوجئ "حزب الله" جدّياً بمضامين بيان جدّة؟ وماذا يتوقع بعد؟

| الأربعاء 08 ديسمبر 2021

 "النهار"- ابراهيم بيرم

منذ اللحظة الأولى لصدور البيان الفرنسي – السعودي المشترك في أعقاب زيارة الرئيس ماكرون لجدّة، وما ورد فيه من فقرات تتّصل ب#لبنان، تبدّى واضحاً أن خصوم "حزب الله" في لبنان يتداولون علناً وسرّاً كلاماً جوهره أن الحزب كان هدفاً خلال الأيام الأخيرة ودفعة واحدة لأربع ضربات توشك أن ترقى في جوهرها ومؤدّاها الى مرتبة الهزيمة الاستراتيجية:

الأولى هي استقالة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي الذي فرض نفسه عبر "صموده" لنحو شهر بدفع من الحزب وحصانة منه، "رمز ممانعة وحال اعتراض" لا يمكن تجاهلها.

الثانية، أنّ الشق اللبناني في متن البيان الفرنسي – السعودي المشترك قد أعاد الاعتبار الى مصطلحات ومفاهيم ومحطات ومواقف فعلت فعلها الصراعي والخلافي على المسرح السياسي في زمنه وتحديداً منذ صدور القرار 1559 في عام 2004، وهي كلها (المحطات والأحداث والشعارات) لم تكن إطلاقاً لمصلحة الحزب، بل هي وُضعت أصلاً لتكبيله وتقييد يديه. وكان الحزب يفترض أنّها مرحلة سوداوية قد طواها تطوّر الأحداث.

الثالثة، وهي تلك التي يردّدها الذين يصرّون على إدراج أنفسهم في خانة العداوة للحزب، وفحواها أنّ المشهد السياسي المستجدّ بعيد زيارة الرئيس ماكرون لجدّة ينبئ بعودة غير بعيدة للظلّ السياسي السعودي على الساحة اللبنانية بعد تراجع وانحسار طوعي وتدريجي منذ فترة. والمعلوم أن هؤلاء بادروا في الآونة الاخيرة الى إعلاء الصوت مراراً مناشدين القيادة السعودية عدم ترك لبنان وما يمثل فريسة لإيران ومحورها وأذرعها لأن انكفاءها عن الساحة اللبنانية قد خلّف فراغاً وأدّى الى اختلال في التوازنات والمعادلات والوقائع لن يضع حدّاً له إلّا عودة مكتملة وفاعلة للرياض إليه.

والرابعة تتمثّل في انزياح باريس من مربّع الحرص على إقامة علاقات وقنوات حوار واتصال مفتوح ومزمن بعض الشيء بينها وبين "حزب الله"، وخروجها الى مربّع الاشتباك والمناوشة مع هذا الحزب والهجوم عليه. وهو ما تجسّد في مندرجات الشق اللبناني من البيان المشترك بعد زيارة ماكرون للخليج.

ولا ريب في أنّ هذا الأمر قد أثلج صدور عديد من القوى والشخصيات اللبنانية التي لم يبارح ذاكرتها بعد مشهد العناية والحفاوة الزائدة التي منحها ماكرون لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عندما التقاه (ماكرون) إبان زيارتيه الشهيرتين لبيروت في صيف عام 2019 في قصر الصنوبر مع ممثّلي وقادة القوى السياسية الأساسية. وهو ما استُكمل لاحقاً بلقاءات فرنسية مع ممثّلي الحزب.

لكن المثير في الأمر أنّ "حزب الله" لم يتعاط مع الأمر المستجدّ بردّة فعل سلبية تنمّ عن شعور بمثل هذه الخسائر التي يعدّدها خصومه، بل لم يكلّف نفسه حتى عناء الردّ المباشر على ما يمكن أن يُعتبر هجمة على "مقدّساته السياسية" وما يمكن أن يُعدّ إعادة إحياء لمرحلة كانت صعبة عليه ولا سيّما في أعقاب الانسحاب السوري من لبنان.

لهذا الصمت المتعمّد من جانب الحزب تفسيران في رأي العالمين ببواطن الأمور عنده وهما:
¬– إمّا أن الحزب فوجئ بهذا التطوّر النوعي الذي طرأ ولم يكن يضعه أصلاً في حسابات الاحتمال والتوقع فلجأ كعادته أمام أيّ طارئ من هذا النوع إلى ولوج "شرنقة الصمت" ودرس كلّ الخيارات والاحتمالات استعداداً للانطلاق بهجوم مضادّ واستيعابي لإبطال مفاعيل "الأخطار" الزاحفة نحوه.

– وإمّا أنّه على بيّنة مسبقة وعلى علم بكلّ ما حدث وطرأ، فانتفى عنده عنصر المفاجأة ومضى قدماً وكأنّ الأمر لا يعنيه وليس مضطرّاً الى الاستنفار لجبه أمر قد يحمل ضرراً كبيراً عليه.

–¬ وإما أنّه (الحزب) استتباعاً لكلّ ما سبق، يعتبر أنّ الحدث على جسامته وبلاغته أمر هيّن لن يقدّم ولن يؤخّر في واقع سياسي يثق هو بصلابته وثباته وصعوبة التأثير فيه.

يندرج في العقل الباطني للحزب شيء من كلّ هذه الأشياء، فهو على دراية شبه تامّة بأن خطوة الرئيس الفرنسي تجاه الرياض وما نتج عنها من مفاعيل مؤجّلة ومعجّلة، إنّما هي منسّقة الى حدّ بعيد مع طهران حيث مرجعيته السياسية. فالتصوّر الذي يقيم عليه الحزب أنّ الوقائع والمعطيات الحالية تفرض على العاصمة الإيرانية "إراحة طرفي بيان جدّة" خصوصاً أنها دخلت كما هو معلوم مع الرياض في حوار لم يكتمل بعد لكن لم توصد أبوابه مذ فُتحت في بغداد قبل أكثر من شهر ونصف الشهر، واستمرار حبل هذا الحوار موصولاً، هو من مصلحتها وبناءً على حاجتها، وهي (طهران) في الوقت نفسه تريد بأيّ شكل من الأشكال الإبقاء على علاقة لها جذر وأصل مع باريس.

وفضلاً عن كل ذلك فإنّ الحزب نفسه يتلمّس عملياً أنّ باريس قد أخذت منذ زمن قرار الانفتاح عليه، خلافاً لمواقف غالبية شركائها الأوروبيين، وأنّها ما انفكّت تمضي قدماً على الخط نفسه وتحافظ على مستلزمات هذا القرار وعلى بقاء قنوات هذا الحوار فاعلة ومنتجة.

فضلاً عن ذلك فإن الحزب يتعاطى مع المشهد اللبناني من خلال مشهد إقليمي قرأه بوضوح وعمق قد ولج مرحلة تحوّلات بدأت تنطوي على عناصر جديدة ليست قليلة الشأن.

يعرف "حزب الله"، وفق مصادر على صلة بدائرة القرار فيه، أنّ فرحة عارمة قد انطلقت لتوّها لدى بعض القوى والمكوّنات التي أطربتها ولا شك إعادة الاعتبار لشعارات ومصطلحات تعود الى حقبة كان للمعادين للحزب اليد العليا فيها (بين عامي 2005 و2009) عندما كانت كلّ المؤشّرات تشي بأنّ رأس الحزب آيل الى المقصلة.

لكن الحزب في المقابل، يرى أنّ نبش هذه المصطلحات هو نوع من إرضاء الذات وتنفيس الاحتقان، ليس إلّا، لأنّه يستحيل العمل بالأدوات والشعارات نفسها في مرحلتين مختلفتين تماماً.

الى ذلك فإنّ الحزب يرى صراحة أن لا مجال إطلاقاً لإعادة الحياة وبعث الروح في قرارات لم تُنفذ في حينها بحذافيرها، لكنّه بطبيعة الحال يأخذه التوجّس من أن تكون العودة الى إحياء هذه الشعارات في هذه المرحلة جزءاً يكمل "عدّة" تُجهّز منذ أكثر من عام وهي ولا ريب ممتدّة الى يوم الانتخابات النيابية الموعودة، والهدف الأساس صار معلوماً وهو: استرداد خصوم الحزب أكثرية نيابية فقدوها وقد وضعوا نصب أعينهم قرار خوض أم المعارك لاسترداد هذا الملك السياسي المفقود الذي كان ملك يمينهم طوال أكثر من عشرة أعوام.
ومن البديهي أن الحزب يتصرّف وكأنّ هذه الانتخابات حاصلة لأن عناصر التعطيل غير متوفرة وعليه تالياً أن يواجه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار