كيف يصرف ماكرون "انعطافته" في لبنان: شركات فرنسية بتمويل سعودي؟ | أخبار اليوم

كيف يصرف ماكرون "انعطافته" في لبنان: شركات فرنسية بتمويل سعودي؟

| الأربعاء 15 ديسمبر 2021

بضعة اجتماعات ومواقف لا تحوّل الأقوال الى أفعال


"النهار"- سابين عويس

بعد أيام قليلة على الإعلان الفرنسي السعودي حول لبنان عقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض ومحادثاته مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، حط الموفد الرئاسي الفرنسي المكلف تنسيق المساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان في بيروت، في إطار زيارة تمتد لثلاثة أيام وتحمل رسالة وهدفاً. واللافت أن الرسالة مزدوجة الوجهة. فدوكان الذي بدأ زيارته من السرايا الحكومية، يغيٓب رئيس الجمهورية عن جدول أعماله، تحت ذريعة قدّمها قصر بعبدا حول طابع الزيارة التقني الذي لا يستدعي لقاءً مع الرئيس، علماً بأن هذه الذريعة لم تقم عندما شكا الرئيس من تغييبه عن نتائج المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، رغم أن طابع التفاوض أيضاً تقني وبامتياز.

يأتي تغييب قصر بعبدا عن جولة المسؤول الفرنسي بعد انكفاء الرئيس الفرنسي عن الاتصال بالرئيس اللبناني، رغم تردد معلومات عن عزم ماكرون على القيام بهذه الخطوة تعويضاً عن تهميش رئيس الجمهورية وعدم إطلاعه على نتائج المحادثات الفرنسية #السعودية في شأن لبنان، والاستعاضة بالاتصال الثلاثي من قبله ومن ولي العهد السعودي برئيس الحكومة، علماً بأنه لا يمكن التقليل من رمزية زيارة السفيرة الفرنسية لقصر بعبدا والرسائل التي نقلتها لجهة ضرورة اتخاذ إجراءات إيجابية حيال المملكة.

البعد الثاني للرسالة الفرنسية يذهب في اتجاه رئيس الحكومة الذي حاز جرعة دعم جديدة وشهادة حسن سلوك من دوكان الذي نوّه بالتطوّرات الإيجابية التي لاحظها، ومنها استمرار المفاوضات مع صندوق النقد التي تسير على نحو جيد، مشدداً على ضرورة إرساء المبادئ العامة لمعالجة الأزمة اللبنانية قبل التوصّل الى اتفاق مع الصندوق. ولوحظ حرص دوكان على فتح كوة في حائط الازمة عندما دعا الى إنجاز الاتفاق مع الصندوق قبل الانتخابات النيابية، بما قد يفتح الباب حول الحوار في شأن مشاريع مؤتمر "سيدر" الذي عُقد في نيسان ٢٠١٨. وهذا يقود الى الهدف من الزيارة الطويلة للديبلوماسي الفرنسي العارف بكل دقائق وتفاصيل الملف اللبناني، والرامي الى المواكبة عن قرب لما وصلت إليه الاوضاع في البلاد، تمهيداً لإجراء تقييم للمسار الذي يجب أن تسلكه الامور من أجل ترجمة الالتزامات المشتركة فرنسياً ولبنانياً وسعودياً في ضوء البيان الفرنسي السعودي الاخير.

فزيارة دوكان اليوم تأتي بعد شهر على زيارة سابقة أعلن فيها المواقف عينها التي نقلها بيان السرايا الحكومية، أي ضرورة إنجاز المفاوضات مع الصندوق قبل الانتخابات النيابية وإنجاحها بهدف الوصول الى اتفاق على برنامج، فضلاً عن دعوته الى إجراء الإصلاحات المطلوبة. وما يلفت بين الزيارة الاولى والزيارة الحالية أن لا شيء تغيّر خلال شهر، بل على العكس، تخضع الحكومة لحال من التعطيل المتعمّد الذي يشل العمل الحكومي ويعوق اتخاذ الإجراءات والإصلاحات المطلوبة. فماذا يحمل دوكان من جديد، وماذا سيحمل في جعبته الى رئيسه لكي تكون زيارته الثانية أفعل وأفضل وأكثر إنتاجاً؟

مصادر ديبلوماسية متابعة لا تفصل زيارة دوكان عن المسار الجديد الذي رسمه ماكرون بعد زيارته الرياض، والذي شهد انعطافة مستجدة في مقاربته للملف اللبناني ولموقع ودور "حزب الله" فيه. فالرئيس الفرنسي لمس بوضوح في الرياض عدم وجود أيّ استعداد لدى القيادة السعودية للعودة الى الانخراط في الشأن اللبناني، كما لمس اقتناعاً بأن لا رغبة في تقديم أيّ مساعدات جديدة ما لم تقترن بإصلاحات شاملة لا تشعر القيادة السعودية بأنها حاصلة. وهذا ما يبرّر الكلام الاخير عن أن بضعة اجتماعات ومواقف لا تحوّل الأقوال الى أفعال.

بدا واضحاً من الحراك الفرنسي أن الاولوية تكمن في جذب الاهتمام السعودي مجدداً نحو لبنان، ولذلك غط ماكرون في اتجاه أن لبنان أولوية في جدول أعمال زيارته، وفي البيان المشترك. وتسعى باريس الى رفع القيود السعودية خصوصاً والخليجية تباعاً عن الصادرات اللبنانية وتفعيل آلية المساعدات كما وردت في البيان المشترك، علماً بأن البيان لم يكشف نوع هذه المساعدات أو حجمها أو آليات صرفها التي يُفترض أنها ستتم عبر المنظمات المدنية لا عبر المؤسسات العامة التي فقدت الثقة بها وبعملها. لكن باريس تسعى الى إطلاق آلية مالية تؤمن وصول المساعدات من خارج القنوات الرسمية.

ورغم أن محادثة بن سلمان مع ميقاتي تركت ارتياحاً لدى ماكرون الذي شعر بأنه نجح في تحقيق خرق في الحائط المأزوم بين البلدين، لم يغفل أن الخطوة السعودية أخذت في الاعتبار أنه الرئيس الغربي الاول الذي يبادر الى طلب كهذا، ولم يكن وارداً لدى المملكة وولي عهدها تحديداً الذي يسعى الى فك العزلة الغربية عنه ألّا يلبّي الطلب الفرنسي، علماً بأن التوقعات حيال ترجمة الاتصال بدعوة سعودية لميقاتي لزيارة الرياض لم تتبلور بعد، وهي لا تزال في إطار التلمس السعودي لمدى جدّية ميقاتي في التزاماته وقدرته على مواجهة "حزب الله" في تلبية الشروط السعودية الواردة في البيان.

وعلى هذا المستوى، تقول المصادر إن ماكرون مدرك أن مسألة سلاح الحزب تتجاوز قدرة لبنان أو قدرة ميقاتي تحديداً، لكنه مقتنع في المقابل بأنه يمكن الحكومة اتخاذ خطوات وإجراءات تعكس التزاماً وجدية ولا سيما في الملفات الشائكة الاساسية مثل عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد وإنجاز التسوية المتصلة بملف المحقق العدلي، وذلك من أجل اتخاذ قرارات تتصل بإطلاق الإصلاحات المطلوبة، كما يمكن إحراز تقدم على صعيد مكافحة المخدرات ومراقبة الحدود والمطار، فضلاً عن تنظيم قطاع الطاقة. ويبدو الاهتمام الفرنسي واضحاً بهذا القطاع الذي يشكل محور محادثات وزير الطاقة وليد فيّاض الموجود في باريس حالياً مع مسؤولي شركات فرنسية، وهو ما حصل أول من أمس مثلاً مع رئيس شركة "توتال إنرجي" باتريك بويانيه الذي عرض معه ملف التنقيب عن النفط ولا سيما في البلوك ٩، إضافة الى ملف تخزين الغاز السائل. وقد بحثت السفيرة الفرنسي آن غريو هذا الموضوع مع الرئيس ميشال عون.

ولا يمكن إغفال الرسائل الفرنسية لميقاتي لجهة التنسيق مثلاً مع مصر، وهو ما حصل من خلال زيارة الاخير للقاهرة ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
الى اين ستقود الانعطافة الفرنسية؟ وهل تنجح في تحقيق عودة الانخراط السعودي المرتقب في الشأن اللبناني؟

عن هذا السؤال تجيب المصادر بطرح ثلاث نقاط أو ملاحظات أساسية، أولاها أن باريس تسعى الى إعادة المملكة الى لبنان لأنها تدرك تماماً أن أي تمويل خارجي يحتاج إليه لبنان لن يكون إلا عبر المملكة. وهذا يطرح معادلة واضحة: شركات فرنسية لتنفيذ مشاريع البنى التحتية ولا سيما في إعادة بناء المرفأ وفي قطاع الطاقة والنفط بتمويل سعودي!
الملاحظة الثانية تكمن في وقف المملكة خطواتها التصعيدية. فالمملكة لم تسحب السفير السعودي وليد البخاري، وإن تكن عودته مستبعدة راهناً، إلا أنه مستمر في موقعه، مع تعيين قائم بالاعمال لتسيير الشؤون ذات الاهتمام السعودي.

الملاحظة الثالثة والأهم ربما في نظر المصادر، تكمن في ترقب التسوية أو الصفقة الإقليمية التي ستحدّد دور "حزب الله"، على قاعدة أن كل الخيارات المتعلقة بالحزب مرتبطة بخيارات المنطقة!

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار