تحدّيات اقتصادية جوهرية يواجهها لبنان خلال عام 2022 | أخبار اليوم

تحدّيات اقتصادية جوهرية يواجهها لبنان خلال عام 2022

| الخميس 06 يناير 2022

صندوق النقد والكابيتال كونترول والموازنة التقشّفية والكهرباء


 "النهار"- موريس متى

رغم أنّ تأليف الحكومة في لبنان خلال عام 2021 وما شكّل من خرق نسبي بعد مراوحة دامت ثلاثة عشر شهراً، فإن تحديّاتٍ كثيرة قائمة في ظلّ الضبابيّة السياسية والثُغَر البنيوية والاختلالات المالية، في الوقت الذي يواجه فيه لبنان تحدّيات اقتصادية ومالية كبيرة في عام 2022.

يشير معدّل التوقعات الى تسجيل الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي في لبنان انكماشاً بنسبة 11% في عام 2021، بعد تراجعه بنسبة 25% في عام 2020. ذاك أن الاستهلاك الحقيقي لا يزال واهناً بسبب الانخفاض الكبير لمداخيل الأسَر، كما يشهد لبنان غياباً شبه تامٍ للاستثمار الذي سجّل رصيده أضعف مستوى له منذ نهاية الحرب الأهلية. أمّا الإنفاق العام، فلم يستطع التعويض عن قلّة الإنفاق الخاصّ، بسبب متطلّبات التقشّف الشديد التي فرضها على القطاع العام وهن المالية العامة. بالفعل، رأت مؤسّسة التصنيف العالمية "موديز" في تحليلها الائتماني السنوي عن لبنان أنّ تأليف الحكومة بعد 13 شهراً من المراوحة يُعدّ بمثابة خطوة واحدة فقط باتّجاه وقف انهيار البلد، وإعادة هيكلة الدين العام، وإرساء نموّ أكثر استدامة يفعّل الإنتاجية. وأشارت "موديز" إلى أنّ قرارها عدم تحديد أيّ نظرة مستقبلية لتصنيفها للبنان يعود إلى الاحتمال الكبير بأن يحقق الدائنون خسائر فادحة، إضافة إلى كون التصنيف “C” هو الأدنى في سلّم التصنيف لديها وبالتالي لا يمكن أن ينخفض أكثر. ولرفع تصنيف لبنان، يجب أن تنصبّ محرّكات ديناميكيات الدين العام نحو تأمين استدامة الدين في المستقبل. علماً بأن هذه المحرّكات تتضمّن العودة إلى النموّ الاقتصادي، وإمكانية الاستدانة والقدرة على تسجيل فوائض أولية ملحوظة ومستدامة.

العديد من التحدّيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية يواجهها لبنان في عام 2022 ومنها ما يتمحور حول التوصّل الى اتفاق مع #صندوق النقد الدولي، وإقرار قانون الكابيتال كونترول، وإقرار موازنة متقشّفة لعام 2022، ورفع الدولار الجمركي، بالإضافة الى الحدّ من تفلّت الدولار في السوق السوداء وزيادة التغذية الكهربائية عن طريق استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر بالتوازي مع رفع التعرفة المحلية، وغيرها من التحدّيات.

في هذا السياق يفنّد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات أبرز التحدّيات الاقتصادية التي تواجه لبنان هذا العام معتبراً أن التحدي الأول يتعلق بإبرام اتفاق متكامل مع صندوق النقد يُعدّ حدثاً تاريخياً إن حصل. من هنا، أهمية التوصّل الى أرضية مشتركة مع الصندوق. إن التوصّل الى برنامج مع الصندوق يؤمّن انخراط الصندوق في مراقبة تطبيق الإصلاحات الهيكلية والمالية وتنفيذها على خير وجه، ما يؤثر إيجاباً على انخراط الدول المانحة، ويمهّد الطريق أمام انعكاس النمط السائد على الصعيد الاقتصادي ووضع حدّ للضغوط الماكرو-اقتصادية والاجتماعية الضخمة التي ترزح تحتها البلاد منذ عامين. وبعد أن توصّل الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي الى رقم موحّد للخسائر في القطاع المالي ألا وهو 69 مليار دولار، فإن التحدّي الأبرز يكمن في كيفية توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، في سياق خطة تعافٍ كاملة متكاملة، علماً بأن اللجنة بدأت تنكبّ على تقصّي التوزيع العادل والمنصف على كافة العملاء الاقتصاديين.
أما إقرار قانون للكابيتال كونترول في البرلمان فهو خطوة ضرورية وملحّة وإن متأخرة، وتشكّل شرطاً أساسياً لأيّ مسار إصلاحي، إذ لا يمكن للاقتصاد اللبناني أن يعود الى نموّه الحقيقي ويستعيد عافيته وينهض من جديد دون قانون للكابيتال كونترول يطبّع النشاط المالي والمصرفي عموماً. بغضّ النظر عمّا هي أفضل صيغ الكابيتال كونترول، من المستغرب أنه برغم الإجماع على الحاجة الماسّة والآنية إليه، لم يقرّ هذا القانون بعد بأيّ من نسخه المتعدّدة التي أحيلت الى البرلمان على مدى السنتين الفائتتين. على كلّ حال، إن إقرار قانون للكابيتال كونترول هو ضرورة لأيّ خطة تعافٍ، وهو في صلب مطالب صندوق النقد الدولي كشرط أساسي لإبرام اتفاق مع لبنان.

كذلك يجب إقرار موازنة متقشّفة لعام 2022 في أسرع وقت بحيث تكون مبنيّة على تقشف في الإنفاق وزيادة في الإيرادات عن طريق تعزيز نسب الاقتطاع وتحفيز التحصيل الضريبي بحيث لا تتعدّى نسبة العجز المالي الإجمالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتناسب مع متطلبات المؤسسات المرجعية العالمية ولا سيّما صندوق النقد الدولي.

رابعاً، إن رفع الدولار الجمركي من السعر الرسمي الحالي الى ما يقارب منصّة صيرفة يحدّ من الاستيراد وبالتالي العجز التجاري الذي بلغ زهاء 40% من الناتج المحلي السنة الماضية مع خفض موازٍ للعجز في ميزان المدفوعات مع ما يحمله ذلك من إيجابيات على مخزون الموجودات الخارجية الصافية، فضلاً عن توفير الدعم للقطاعات المنتجة في لبنان كقطاعي الزراعة والصناعة. أمّا على صعيد المالية العامة فإن رفع الدولار الجمركي الى حدود سعر صيرفة يزيد الإيرادات الجمركية من 2,600 مليار ليرة الى 14,000 مليار ليرة، وهو يوازي مجموع الإيرادات العامّة للدولة اللبنانية، وبالتالي يحدّ من عملية تنقيد العجز العام من قبل مصرف لبنان ويحدّ من ذبذبة سعر صرف الدولار في السوق الموازية.

أمّا التحدي الخامس بحسب بركات فهو الحدّ من تفلّت الدولار في السوق السوداء. إن تدهور سعر صرف الدولار في السوق السوداء بلغ 265% في عام 2020 و226% في عام 2021، مع ما استتبع ذلك من ارتفاع في نسبة الضخّم في أسعار الاستهلاك تجاوز مستوى تراكمياً بحدود 500% في العامين المنصرمين. من هنا أهمّية احتواء التفلّت في سعر صرف الدولار عن طريق الحدّ من العوامل التي تقف وراء هذا التدهور، أبرزها الحدّ من خلق النقد بالليرة من قبل مصرف لبنان، علماً بأن الكتلة النقدية تجاوزت 45 ألف مليار ليرة مع نهاية عام 2021، وتحفيز حركة الأموال الوافدة بالدولار وتعزيز ميزان المدفوعات والحدّ من عمليات المضاربة في السوق السوداء، فضلاً عن تحفيز مفاعيل التعميم 161 الذي يجيز السحوبات بالدولار من المصارف اللبنانية.

أخيراً، في ما يتعلق بقطاع الكهرباء، فإن تحدّيات عام 2022 تتمحور حول استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، مع ما يتطلب ذلك من تمويل خارجي كالبنك الدولي ورفع التعرفة المحلية. إن شركة كهرباء لبنان تعاني من ضائقة مالية كبرى في ظلّ كلفة إنتاج تتجاوز 27 سنتاً للكيلوواط ساعة فيما التعرفة الحالية تقلّ عن نصف سنت للكيلوواط ساعة. المطلوب هو رفع التعرفة الى ما يقارب الكلفة مع إبقاء الدعم النسبي لشريحة الاستهلاك المتدنّي، جعل الجباية آنية مع إعادة جدولة المتأخرات وتحفيز إجراءات الجباية في ظلّ تشكيل هيئة ناظمة للقطاع عموماً.

لا بدّ من الإشارة أيضاً الى أن الأزمة مع بلدان الخليج تؤدّي حتماً الى تفاقم الضغوط الاقتصادية وتقف حاجزاً دون الجهود الإصلاحية للحكومة الجديدة نظراً للعلاقات التاريخية الراسخة للبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي. والجدير ذكره أنّ الصادرات اللبنانية إلى بلدان الخليج تقدّر بنحو مليار دولار أي نحو 30% من مجموع الصادرات اللبنانية، بينما تقدّر تحويلات العاملين السنوية من هذه البلدان بنحو 3 مليارات دولار ما يمثّل نحو نصف مجموع تحويلات العاملين اللبنانيين التي تصدر عن جالية تعدادها 380 ألف لبناني في بلدان الخليج، فيما لا يقلّ عدد السيّاح القادمين سنوياً من بلدان الخليج إلى لبنان عن 200 ألف سائح. وعلى أمل التوصّل إلى حلّ لهذه الأزمة الديبلوماسية، ممّا لا شكّ فيه أنّها ستترك بصمة لافتة على بلد يعاني أصلاً من أزمات مستفحلة وبحاجة ماسّة إلى مخارج للتخفيف من الضغوط الاقتصادية الجمّة التي يرزح تحتها شعب بأكمله.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار