من غير المتوقع إنتظار الحصول على تفاصيل تكشف عن ماهية التوجه الحواري
"النهار"- أحمد عياش
ليست هي المرة الأولى التي يتحدث فيها "حزب الله" عن وجود محاولات لفتح أقنية تواصل بينه وبين الولايات المتحدة، وربما لن تكون الأخيرة. فقد سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار 2000 ان أشار الى مثل هذه المحاولات مرتبطة بعروض . لكنه رفض الاستجابة لهذه المحاولات ، كما كرر ذلك بالامس رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين.
ويأتي كلام الحزب القديم الجديد عن موضوع العلاقات المستحيلة بينه وبين الاميركيين، متزامنا مع دفعة جديدة من العقوبات أدرجتها وزارة الخزانة الأميركية في حق ثلاثة أفراد وشركة لصلتهم ب"حزب الله " . وقد اعتبر وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أن هذا الإجراء يأتي تضامنا مع الشعب اللبناني الذي لا يزال أمنه وسيادته مهددين من قبل أنشطة حزب الله الفاسدة والمزعزعة للاستقرار،" وفق تعبير بلينكن . فهل هناك من صيغة توفّق بينما ما يقوله صفي الدين عن "محاولات" أميركية مستمرة للتواصل معه، وبين إستمرار الإدارة الأميركية في سياسة فرض العقوبات على الحزب؟
تمهيدا للجواب على هذا السؤال ، لا بد من التوقف عند ما صرّح به المسؤول البارز في الحزب خلال حوار نظّمه مسؤول العلاقات الإعلاميّة في الحزب الحاج محمد عفيف في منزله تلبية لدعوة "اللقاء الوطني الإعلامي" لعدد من الشخصيات الإعلامية والثقافية والأكاديمية . ومما قاله صفي الدين:"أن الأميركيين لو غادروا المنطقة برمّتها، فإن آخر بلد يمكن أن يخرجوا منه هو لبنان لخصوصية مجاورته للكيان الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "محور المقاومة حقق انتصارات وإنجازات كبرى، لكن تبقى لدى الأميركيين قدرة عالية على تعطيل الحلول، وهو ما نشهده في لبنان". وكشف أن الأميركيين حاولوا أخيراً، "مجدداً إقامة تواصل مع حزب الله وأبلغونا بذلك عبر وسطاء، لكننا نرفض ذلك."
في اعتقاد أوساط إعلامية قريبة من الحزب ، ان ما يصدر عن الأخير من معلومات ، كما فعل رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، يمكن إعتباره "دقيقا." لكن حدود الكلام عن التواصل الذي تسعى الإدارة الأميركية لإقامته مع حارة حريك، يقف عند ما يصرّح به مسؤولو الحزب. ولطالما ان الإعلان من جانب الحزب عن هذه المحاولات مقترنا بسلبية موقف الحزب منها، فمعنى ذلك، انه من غير المتوقع إنتظار الحصول على تفاصيل تكشف بوضوح عن ماهية هذا التوجه الحواري الأميركي مع التنظيم الذي تصنفه "إرهابيا."
ثمة معطى لافت، يسترعي الانتباه ، ورد على لسان صفي الدين عندما قال امام محاوريه "أن الأميركيين لو غادروا المنطقة برمّتها، فإن آخر بلد يمكن أن يخرجوا منه هو لبنان لخصوصية مجاورته للكيان الإسرائيلي." ويأـتي هذا الكلام ، مع كلام آخر في ضمن ما يسمّى "البيئة الحاضنة" للحزب ، والذي تسنى لكاتب هذه السطور ان يستمع اليه. ومفاد هذا الكلام المشار اليه:" ماذا يضرّ الحزب ان يبدأ حوارا مع الولايات المتحدة، أسوة بما تفعله طهران اليوم في فيينا توصلا الى إتفاق مع واشنطن بدايته الموضوع النووي ومنتهاه الحصول على منافع مادية تنطلق من الافراج عن الأرصدة العائدة للجمهورية الإسلامية والمجمّدة في الغرب بفعل العقوبات الأميركية؟" كما يتساءل أصحاب هذا الكلام في "البيئة الحاضنة" أيضا:" ألسنا نحن في لبنان بأمس الحاجة، كي نحصل على هدنة عبر الحوار مع الاميركيين تتيح لنا إستعادة قوتنا ، لنرى كيف ستكون عليه الأمور لاحقا؟"
ما تهم الإشارة اليه أيضا، هو ان سلبية رد "حزب الله" على محاولات التواصل الأميركي معه ، كما صرّح صفي الدين، إقترن أيضا بكلام صريح من الأخير ان الولايات المتحدة تعتبر لبنان آخر بلد يمكن ان تغادره في المنطقة "لخصوصية مجاورته للكيان الإسرائيلي." وهنا ، يبدأ الاهتمام بما تعنيه "خصوصية" الجوار بين لبنان وإسرائيل ، كما افاد مسؤول الحزب البارز. وابرز العناوين في هذه "الخصوصية" ، ملف #ترسيم الحدود البحرية التي سيفتحه مجددا ، كما ورد في "نهار" الأربعاء الموفد الأميركي آموس هوكشتاين والذي سيصل إلى لبنان مطلع شباط المقبل. وأستبق صفي الدين وصول الوسيط الأميركي بالقول ، ان المشكلة في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وبين إسرائيل هي "في غياب الإجماع حول الملف وحول الخطوط المطروحة"، معتبراً أن "ملف ترسيم الحدود يختلف عن قضية مزارع شبعا، فالأخيرة مُثبتة بأنها لبنانية، بينما لا يزال الخط 29 موضع جدل."
هل يمكن القول ، ان "حزب الله" الذي ما زال في موقفه الرسمي متشددا في العلاقات مع الولايات المتحدة، بدأ يفتح نافذة على إحتمال ان تكون هناك لغة أخرى في التخاطب مع الاميركيين، كما ألمح صفي الدين الى ذلك بقوله ان الولايات المتحدة تعتبر لبنان آخر بلد يمكن ان تغادره في المنطقة "لخصوصية مجاورته للكيان الإسرائيلي؟"
بحسب معلومات ل"النهار" ان أي موقف ل"حزب الله" بشأن ترسيم الحدود البحرية، لن يكون ممكنا، قبل ظهور نتائج مفاوضات فيينا النووية، وعلى "أي بر سترسو" العلاقات بين طهران وواشنطن.