كيف يقرأ "حزب الله" خلفيات رسالة العرض الخليجي؟ | أخبار اليوم

كيف يقرأ "حزب الله" خلفيات رسالة العرض الخليجي؟

| الثلاثاء 25 يناير 2022

تجهيز كلّ الموادّ الضرورية للردّ المنطوي ولا ريب على كلمة فصل تتمثّل بـ"لا" كبيرة


 "النهار"- ابراهيم بيرم

لا ريب في أن "حزب الله" سيأخذ وقته الكافي قبل أن يعلي صوته مجاهراً برفض مضامين الرسالة الخليجية التي وصلت الى بيروت خلال الساعات الماضية عبر وزير الخارجية الكويتي، والتي هي عبارة عن عشرة بنود أو شروط، وأتت تحت عنوان "خريطة الطريق لإعادة الثقة بين #لبنان والمنظومة الخليجية".

فالحزب اعتاد، كما صار معلوماً أمام أيّ طارئ من هذا النوع يكون هو محوره والمعنيّ به مباشرة، سلوك الآتي:

‒ أن يترك فرصة زمنية معقولة لـ"استنزافه" أولاً، ومن ثمّ استيعاب مفاعيله وتداعياته المحتملة، مع درس متعمّق لكلّ الاحتمالات المواكبة، المرئيّة منها والمستترة.

‒ تجهيز كلّ الموادّ الضرورية للردّ المنطوي ولا ريب على كلمة فصل تتمثّل بـ"لا" كبيرة.
يقرّ الحزب في كواليسه بأنه لم يُفاجأ بورورد ما يعتبره "وثيقة استسلام وميثاق إذعان" يفرضه في العادة المنتصر على المهزوم أو الذي صار على وشك أن يرفع الراية البيضاء استسلاماً.

فهو منذ فترة قد اعتنق تحليلاً جوهره أن مسار التعاطي الخليجي معه قد أوصله الى استنتاج فحواه أن المنظومة الخليجية ترى أن "لحظتها المناسبة" لمحاصرة الحالات المناوئة لها قد أزفت.

فالاقتصاد اللبناني في حال تداعٍ آيل الى انهيار أكيد. والانقسام الداخلي في ذروته، وهو استطراداً في حال غير مسبوقة من انفجار التناقضات الداخلية وتحوّلها صراعات يومية مفتوحة. وفضلاً عن ذلك، تستشعر تلك المنظومة أن "القلعة الداخلية" التي كانت الى الأمس القريب بمثابة الحصن الذي يلوذ به الحزب قد أصابها نوع من التصدّعات على نحو بدأ الحزب معه وكأنه يقف وحيداً في عراء التجاذبات.

وأكثر من ذلك تستشعر الدول الخليجية أن جبهة خصوم الحزب وأعدائه المجاهرين في الداخل آخذة بالاتساع، وخصومه كسروا حاجز الرهبة و باتوا أكثر جرأة من ذي قبل على الدخول في اشتباكات سياسية معه وأكثر جرأة على مجابهته قياساً بالسابق.

في القرءاة الأولية الضمنية للحزب، إن الرسالة العاجلة والقاسية التي وصلته للتوّ عبر البريد الكويتي، هي بمثابة الاحتدام الأعلى لمسار مكاسرة تصاعدي اعتمدته هذه المنظومة سياسياً وإعلامياً منذ الأيام الأولى للحرب اليمنية، وهو بلغ حدّ التماهي مع المنطق الأميركي ‒ الغربي في إطلاق النعوت والأوصاف على الحزب خصوصاً لجهة وصفه والتعامل معه على أنه "منظمة إرهابية".

في الأعوام الأولى كان في إمكان الحزب أن يتعامل مع الأمر بقدر كبير من اللامبالاة مع هذه الحملات الخليجية، لكن حدث في الأسابيع الأخيرة ما أظهر للحزب أن الأمور "تعدّت طاقته وقدرته على الاحتمال والاعتصام بقلعة الصمت والصبر، فكان الردّ الكلامي الأكثر دويّاً الذي ورد على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، وبعد أيام قليلة كان ردّ الفعل العملاني المتجسّد في رعايته الواضحة والمباشرة لمؤتمر "لقاء المعارضة في الجزيرة العربية" الذي انعقد تحت أضواء إعلامية ساطعة في إحدى القاعات التابعة لأحد مجمّعات الحزب في الضاحية الجنوبية، وهو ما أعاد الى الذاكرة أيام مهرجانات المعارضات العربية في بيروت إبان حقبة الوجود الفلسطيني والسوري، إن من حيث الحشد أو من حيث نوعية المتكلمين ونوع المواقف التصاعدية التي أطلقوها.

ربما دار حينها في خلد أركان الحزب أن هذا الردّ من شأنه أن يشكّل "عنصر توازن وردع" خصوصاً أن الطرف الآخر آثر الصمت لأيام معدودة. بيد أن المفاجأة أتت خلال الساعات الماضية عبر المبادرة الخليجية المنطوية على عنوان مضمر هو: أنكم تناشدوننا مدّ يد الدعم والإسناد، فهذا سقف شروطنا، فهل في مقدوركم الاحتمال والردّ الإيجابي؟ الأمر متروك لكم وفرصتكم أيام قليلة.

وفي تقدير من هم على صلة بالحزب استنتاج ملخّصه: "إنه جهد العاجزين، الذين يضعون لبنان بين احتمالين أحلاهما مرّ فإما التجاوب المستحيل مع هذه الشروط التعجيزية وإما عليكم المواجهة بعضكم مع بعض". وفي التقديرات عينها أن المطلوب في طوايا سطور الرسالة "موّالان" على لبنان أن "يغنّيهما"، الأول تسليم السلاح تحت عنوان إنفاذ القرار 1559 الدولي، والثاني أن يمتنع الحزب عن أيّ اعتراض يتّصل بشأن تصرّفات المنظومة الخليجية مهما كانت طبيعتها تحت عنوان "وقف الاعتداء والأذى اللفظي".

وفي سردية الردّ الأولي لمصادر الحزب، أن الأمر الأول أي تطبيق القرار 1559، مطروح منذ عام 2004 أي منذ أن صدر ذلك القرار بتدبير فرنسي ورعاية أميركية بعلم خليجي، وكانت إحدى أبرز ترجماته العملانية حرب عام 2006 الإسرائيلية على لبنان الى أحداث دراماتيكية وضعت كلها البلاد على شفا حفرة من احتراب أهلي ونتائج كارثية معروفة.

أما الحديث عن عدم الإيذاء اللفظي فهو ضمناً ترجمة لرغبة مزمنة عند البعض تقضي بإلغاء الهويّة التاريخية للبنان التي نهضت على أساس حرّية الرأي المكفولة.

وبالإجمال، وبصرف النظر عمّا ستؤول إليه المناقشات اللبنانية الرسمية المتوقعة حيال ما حمله الوزير الكويتي، فإن الحزب يدرج "العرض الخليجي" بأنه تطبيق لسياسة العصا والجزرة، فهو في جانب منه يدرج في خانة التهويل بالإجراءات العقابية أي العصا الغليظة، ومن جانب آخر ثمّة وعود بمنافع شتى تعود على اللبنانيين بالنفع العميم إن تبنّوا كلّ ما ورد في متن الرسالة وهي الجزرة.

وطبعاً فإن الحزب يستشعر أن ثمّة من يريد من خلال هذا العرض أن يسري اعتقاد يوحي بأن لبنان حالياً هو أمام فرصته الذهبية للخروج من عين العاصفة والمأزق، خصوصاً أن الأمور في المنطقة تتّجه صوب تسويات وترتيبات كبرى عميقة بمواصفات تختلف عن ذي قبل. وهذا ما ترى مصادر قريبة من الحزب أنه "عملية غشّ وتزييف للوقائع"، فالمحور الذي وضع نفسه في مواجهة مفتوحة مع محور الممانعة هو الذي يعاني الأزمات والخيبات.

وفي كلّ الأحوال، فإن الحزب يبدو كأنه يتصرّف بأن مفعول العرض قد انتهى منذ أن عُرض بهذه الطريقة. والسؤال عنده بات: ماذا في جعبة المنظومة الخليجية من مفاجآت معدّة لما بعد الرسالة؟ لأن باعثي العرض لن يكتفوا به بل ربّما مارسوا مزيداً من الضغوط قبل عرض آخر.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار