ماكرون بتفويض أميركي سيعمل لحلّ قضيّة لبنان... مع إيران! | أخبار اليوم

ماكرون بتفويض أميركي سيعمل لحلّ قضيّة لبنان... مع إيران!

| السبت 12 فبراير 2022

جوهر التوافق هو الإعداد لصيغة لبنانيّة جديدة

تنطلق من الصيغ التي حكمت لبنان منذ تأسيسه ثمّ استقلاله عام 1943

 "النهار"- سركيس نعوم

تفيد معلومات جهات فرنسية مُتابعة من قرب للأوضاع اللبنانية أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون اتّخذ قراراً، بالاتفاق مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، بالعمل معاً في لبنان من أجل إخراجه من الجحيم التي وضعته فيها طوائفه ومذاهبه وأحزابه من جهة وطموحات إقليميّة متناقضة أراد أصحابها استخدامه من أجل تحقيقها من جهة أخرى. هذا فضلاً عن القوى الدوليّة المتناقضة المصالح والعاجزة عن مساعدة لبنان إذا امتنعت شعوبه عن مساعدة نفسها والمشغولة بقضايا إقليميّة معقّدة أهمّ لها منه والمُعتقدة أن حلّ هذه القضايا لا بدّ أن ينعكس عليه إيجاباً بغضّ النظر عمّا إن كان ذلك في مصلحته أم لا. تُفيد المعلومات نفسها أنّ القيادة العليا في طهران تجاوبت مع قرار ماكرون أو بالأحرى رغبته في التعاون لحلّ المشكلة ولا سيّما بعدما خرجت الدولتان نتيجة متابعتيهما المستقلّتين للأوضاع في لبنان باستنتاج يفيد أنّه لا يستطيع أن يستمرّ في الهبوط نحو الجحيم من جرّاء الانقسامات المتعدّدة بين شعوبه وأحياناً اللامسؤوليّة التي يتعاطى بها بعضها مع بعض، كما مع القضايا الخلافيّة التي تكاد تدفن لبنان "تحت تاسع أرض" كما يُقال. أمّا الطريق الوحيدة للتغيير نحو الأفضل في لبنان فهي بتأمين ظروف توافق لبناني كبير يشمل طوائفه وأحزابه ومذاهبه كلّها ولا يستثني المجتمع المدني رغم تحوّله مجتمعات متنافسة على قيادة التغيير أو على وراثة المنظومة السياسية الشاملة الغارقة في الفساد.

جوهر التوافق هو الإعداد لصيغة لبنانيّة جديدة تنطلق من الصيغ التي حكمت لبنان منذ تأسيسه ثمّ استقلاله عام 1943 وآخرها اتفاق الطائف. وهي قد تكون "نيو طائف" أي طائفاً جديداً يأخذ في الاعتبار المتغيّرات الداخليّة الكثيرة التي حصلت في لبنان منذ بدء تطبيقه عام 1989 حتّى الآن، كما المتغيّرات الإقليميّة. وأبرزها على الإطلاق انتقال الثقل الإقليمي في لبنان من عربي سوري متحالف مع إيران الإسلامية ومن عربي خليجي ذي علاقات جيّدة مع سوريا الأسد إلى ثقل إيراني صرف. أسباب هذا الانتقال معروفة فهي تبدأ بنجاح "حزب الله" الذي أسّسته إيران أو شاركت في تأسيسه عام 1982، وبتحريره بعد 22 سنة من احتلال إسرائيلي شمل أجزاءً مهمّة من جنوبه وبقاعه الغربي، ثمّ بتصدّيه لعدوان إسرائيلي واسع عام 2006 ونجاحه في منعه من تحقيق أهدافه، وأخيراً بتحوّله جيشاً كبير العدد يمتلك خبرة عسكريّة نظاميّة و"عصاباتيّة" وترسانة عسكريّة تقليديّة وحديثة، وقد شارك بقوّة في حرب سوريا وأسهم بصمود رئيسها بشار الأسد ثلاث سنوات أتى بعدها الجيش الروسي ليتابع حماية النظام ومساعدته على القضاء على أعدائه وجلّهم من التنظيمات الإسلاميّة التكفيريّة.
يبدو أن إيران نجحت أخيراً في الإمساك بلبنان وفي دفع عرب الخليج إلى العمل لإخراجها منه ولكن ليس بقوّتهم العسكريّة بل بحجب المساعدات التي يحتاج إليها اللبنانيون الآن بعد انفراط دولتهم وفشلها واستمرار "حزب الله" في تثبيت نفوذه ونفوذ إيران فيها.

طبعاً لا تعرف الجهات الفرنسية المتابعة من قرب أوضاع لبنان ماذا سيكون مضمون "النيو طائف" ولا سيّما على صعيد إعادة تقسيم السلطة بين طوائفه والمذاهب رغم أنّ كثيرين يتحدّثون علناً عن "مثالثة" محتملة بين المسيحيّين والسنّة والشيعة. لكنّها ترجّح في حال كهذه أن تطالب جهات لبنانية أهمّها المسيحيّون أن تتضمّن الصيغة الجديدة لامركزيّة موسّعة جدّاً إدارية ومالية، علماً بأن مؤيّدي "الاتحادية" والفيديرالية صاروا أكثر جرأة في طرحها حلّاً للأزمة اللبنانية. الجدير ذكره هنا أنّ البحث في كلّ هذه الأمور جارٍ، وأنّ باريس وطهران تعملان عليها، وأنّ انتهاء مفاوضات فيينا إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي وقّعته معها المجموعة الدولية 5+1 من شأنه تزخيم التحرّك من أجل إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية.

في أيّ حال، تعتقد الجهات الفرنسيّة نفسها أنّ لبنان الحالي لم يعد يستطيع الاستمرار. وقرار ماكرون هو تغييره نحو الأحسن، لكنّ النجاح في ذلك لا يمكن أن يكون سريعاً، إذ يحتاج إلى "إشارة خضراء" للإعداد لتنفيذه، هي أوّلاً إجراء الانتخابات النيابية اللبنانية في موعدها أي 15 أيار المقبل، وهي ثانياً إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها أيضاً أي قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي للجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل، علماً بأن الانتخابات الرئاسيّة الفرنسية المقرّرة بعد الاستحقاقين اللبنانيّين المذكورين أي في السنة المقبلة قد تكون "الإشارة الخضراء" الثالثة التي يحتاج إليها ماكرون من أجل بدئه وشريكته إيران العمل الفعلي والجادّ لإعادة تأسيس دولة لبنان وفق صيغة وطنيّة جديدة مع ابتعاد "الجهات اللبنانية المعطّلة" عن السلطة في حينه. طبعاً لن يقتصر العمل الفرنسي – الإيراني على التأسيس "السياسي والدولتي" للبنان الجديد، بل سيكمن أيضاً في الإسهام بإعادة بناء مرافقه المُنهارة من اقتصادية ومالية ونقدية وسياسيّة وكهربائيّة وطاقاتيّة.

هل يمشي المسيحيّون والسنّة في المبادرة الفرنسية – الإيرانيّة؟ تعتقد الجهات الفرنسية المتابعة نفسها أنّ المسيحيّين سيمشون فيها، وأن السنّة لن يمانعوا بحثها ثمّ الموافقة عليها سواء كما هي أو بعد تعديلها بالتوافق، وسيفعل الشيعة الشيء نفسه. أمّا الدروز فلا سبب لأن يعارضوا ولا سيّما إذا رُوعُوا في عدد من القضايا، ذلك أنهم لن يكونوا قادرين على وضع "فيتو".

لكنّ السؤال المهم الذي يُطرح هنا: ماذا سيكون موقف أميركا من التعاون الفرنسي – الإيراني المشروح أعلاه؟ تؤكد المعلومات المتوافرة عند الجهات الفرنسية أن لدى فرنسا ماكرون تفويضاً من أميركا وأوروبا كلها للسير على هذه الطريق والاستعداد للمشاركة في إعادة بناء لبنان ولا سيّما بعد نجاح مفاوضات فيينا (إذا نجحت). لكن رغم ذلك كلّه لا يعرف أحد إن كان ماكرون سينجح.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار