في زمن الانكفاء العربي: السُنَّة غير متحمسين للانتخابات | أخبار اليوم

في زمن الانكفاء العربي: السُنَّة غير متحمسين للانتخابات

| الإثنين 14 فبراير 2022

السُنَّة في لبنان لن تحرّكهم دعوة الرؤساء إلى عدم المقاطعة

خلدون الشريف - المدن
على الرغم من دعوة الرئيسيْن نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة إلى عدم مقاطعة الانتخابات النيابية، ومن تحوّل دار الفتوى إلى نقطة استقطاب لكل داعٍ إلى عدم المقاطعة، ومن تصدي مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف الدريان للتخفيف من وطأة انسحاب الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل عن المسرح السياسي، ولو إلى حين، تبدو الحماسة السنيَّة للانتخابات بعيدة المنال. ففي المدن والأقضية التي يشكّل السُنَّة غالبية فيها، ما زال الاندفاع إلى الترشح، كما حماسة المرشحين، شديدي الانخفاض، وكأن تلك المدن والنواحي غير معنية بانتخابات ستُجرى، إذا ما قُيّض لها، في ظل غياب عربي غير مسبوق يفاقم أزمة البلاد الحادة. 

المسار المبتدئ عام 2000
لا شك أنّ تيار المستقبل شكّل منذ انتخابات العام 2000، رافعة سنيَّة مترامية الأطراف، ومع استشهاد الرئيس رفيق الحريري وخوض انتخابات العام 2005 وانكفاء الرئيس عمر كرامي طرابلسيًا عن خوض الاستحقاق، والتوافق من ضمن الاتفاق الرباعي على توزيع مقاعد صيدا بين النائبيْن بهية الحريري وأسامة سعد، تحوّل تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري إلى التيار الأساس الممثل للسُنَّة، من جرود أكروم في عكار إلى العرقوب جنوبًا، مرورًا بالمدن الساحلية في طرابلس وبيروت وصيدا. وقدّ تكرس هذا الواقع في انتخابات العام 2009 بوضوح تام، مع عدم تمكّن كلّ من الرئيس عمر كرامي والنائب أسامة سعد من الفوز بمقاعد نيابية.

بعد أزمة الرئيس الحريري مع المملكة العربية السعودية في العام 2017 وإعلانه استقالته من على شاشة "العربية"، بات واضحًا لدى سُنَّة لبنان أنّ أمورًا ما لا تسير في الاتجاه الصحيح ولا الصحي مع الحريري نفسه، إلاّ أنّ غياب البديل أو البدائل دفعهم إلى التمسك بسعدٍ كزعيم أول للطائفة. 

الانتفاضة والانفجار
في انتخابات العام 2018، سُجل خرقٌ طرابلسيٌ محدود تمثّل بمعركة خاضها الرئيس نجيب ميقاتي لمواجهة الحريري بالمباشر، معركة قُدِرَ لها أن تنجلي على حصول ميقاتي على ثلاث مقاعد غير سنيَّة إضافة إلى مقعده، ولكن من دون تمدّد إلى قضاء المنية الضنية أو إلى محافظة عكار. إنّها مواجهة ما لبث أن وضعت رحاها مع تشكيل الحريري الحكومة الأولى بعد الانتخابات، وتمثيل ميقاتي بوزير فيها هو الدكتور عادل أفيوني. 

ومع تشكيل نادي رؤساء الحكومات السابقين من جهة، وبروز اللقاء التشاوري المتمثّل بستة نواب لا ينضوون تحت مظلة المستقبل من جهة ثانية، ظلت موازين القوى تميل إلى تيار المستقبل على رغم انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 واستقالة الحريري تحت ضغط الشارع الثائر. بل تعززت هذه الموازين مع وصول حسان دياب الى رئاسة الحكومة، الذي جوبه بمقاطعة سنيَّة دامت أشهراً قبل أن يخرقها انفجار مرفأ بيروت المشؤوم بعدما استُدعي الأخير إلى التحقيق. 

بعد انفجار المرفأ واستقالة حكومة دياب، عاش لبنان أزمة تأليف جديدة. فلم ينجح نادي الرؤساء ولا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إيصال تكليف الدكتور مصطفى أديب رئاسة الحكومة إلى خواتيمه، وحاول الحريري من بعده التأليف ولم ينجح أيضاً، إلى أن رست العملية على ميقاتي الذي ألّف حكومته مسنودًا من النادي والنخبة الحاكمة ومن المجتمع العربي، مصر وإلى حدٍ ما الأردن، مقابل رفض خليجي واضح تعزز مع الحملات المستمرة على الحكومة. وقد بلغت تلك الحملات سحب للسفراء وصولًا إلى الورقة الكويتية، التي عبّرت بشكل دقيق عن رغبات دول الخليج، وتحديدًا السعودية والإمارات والكويت. 

ما بعد الاعتكاف
غاب الحريري عن الساحة ثم عاد كي ينسحب من المشهد السياسي والانتخابي ولو بشكل مؤقت ومن دون تأمين البديل. بل منع نواب التيار الأم من الترشح تحت اسم المستقبل. وبالفعل، بدأت الساحة السنيَّة تتحضر لمرحلة ما بعد اعتكاف الحريري حيث أعلن عدد من نواب المستقبل رغبتهم بخوض الانتخابات، على أن يعلنوا مواقفهم تباعًا بعد الرابع عشر من شباط .

و على الرغم من أن الترشيحات على المستوى الوطني لا ترقى الى الإعلام عنها ولا عن العدد الخجول من المرشحين وأسمائهم، غير أن الغياب السني بات فاضحًا من دون شك. فلم يظهر على مسرح الأحداث إلا بهاء الحريري في توقيت لم يخدمه قط، فعادة ما يتعاطف الناس مع الضعيف أو المستضعف. وجاء الشقيق الأكبر في لحظة استضعاف للأصغر، فلم يحظ بعطف إطلاقًا. ولكن راهن عليه بعض ممن اعتادوا التحرك على إيقاع المال السياسي. 

يصعب التكهن اليوم بمآل الجمود على الساحة السنيَّة ترشحًا واقتراعًا، وليست المسألة إحباطًا سنِّيًا بالمعنى العملي، فالسُنَّة في لبنان، كما في كل محيطهم، شعروا بالإحباط منذ عقد ونيف، وذلك مع سقوط العراق بين الفكيْن الأميركي والإيراني. وقد ازداد الوضع تعقيداً مع تحقيق حزب الله تقدمًا مطردًا على الساحتيْن اللبنانية والسورية وصولًا إلى اليمن. ومع انكفاء دول الخليج عن التطلع قدمًا لدعم أي قوة سنيَّة صاعدة. وهذا وضع مرشح للاستمرار حتى موعد الانتخابات النيابية، إذا ما جرت، إلا إذا سُجل خرق كبير كتسوية إقليمية كبرى برعاية دولية- أميركية بشكلٍ خاص، في خطوة من شأنها أن تدفع السعودية إلى العودة إلى المشرق العربي، شرط أن تتحقق بضع من الشروط الخليجية في اليمن وسوريا ولبنان. 

عودة الوجهاء المحليين
السُنَّة في لبنان لن تحرّكهم دعوة الرؤساء إلى عدم المقاطعة، فالمعروض أمامهم غير مقنع إلى اللحظة، أمّا الثورة ضد النخبة الحاكمة فباتت متموضعة في الساحة المسيحية بشكل أساسي، وبالتالي ستملأ القوى الأكثر تنظيمًا الفراغ الراهن. والأكثر تنظيمًا لن يكون القوى المتطرفة لغياب تنظيمها أصلًا، ولأن السُنَّة بمجملهم غير متطرفين، ستملأ الفراغ الحاصل قوى تمتلك التقنيات الانتخابية من ماكينة وإعلام وحضور بما لا يرقى إلى وجود مشروع وطني جامع. وهذا يعني أنّه، إذا ما حصلت الانتخابات، ستعود الوجاهات المحلية إلى البروز، إضافة إلى القوى حليفة حزب الله، من أحزاب وجمعيات وشخصيات تعزز حضور الحزب وحلفائه في البرلمان الجديد. وربما يكون هذا هو المطلوب لتحميل الحزب مسؤولية حكم لبنان بالمباشر، بعدما كان غير مسؤول عن الحكم فيه. واليوم يبقى السؤال: هل ستجري الانتخابات ضمن هذا الإطار؟ التوصل إلى اتفاق نووي جديد وتقريب المسافات لترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة عاملان حاسمان في تحديد هذا المسار من دون شك. 

أمّا في حال جرت الانتخابات فعلاً، فتُطرح تساؤلات حول قدرة نتائجها على تعديل موازين القوى الراهن من جهة، والتسوية السياسية الدستورية الاجتماعية المقبلة، وما ينطوي عليها من عملية إعادة توزيع للسلطة والنفوذ، من جهة ثانية. ونظراً لاهتراء الدولة اليوم، تتمحور التساؤلات حول ما إذا يُستحسن أن تأتي التسوية المذكورة بعد فراغ كبير وانهيار عظيم، أو عبر مؤسسات حكومية غير فاعلة بغض النظر عن موازين القوى فيها.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار