كيف غيّر حزب الله جغرافيا لبنان؟ | أخبار اليوم

كيف غيّر حزب الله جغرافيا لبنان؟

| الإثنين 21 فبراير 2022

قد غيّر معالم لبنان الجغرافيّة ببعدها السياسي وحوّل البلاد إلى جزيرة

بديع يونس - اساس ميديا
لا تقرأ كتاباً عن لبنان وخصوصيّته إلا وتلحظ في مقدّمته الإشارة إلى موقعه الجغرافي وطبيعته الثقافية التي تجعل منه "بوّابة بين الشرق والغرب". استفاد لبنان من هذه "البوّابة" على مرّ التاريخ القديم والحديث في الربط بين العالمين العربي والغربي. أمّا اليوم فيبدو أنّ تلك الخصوصية لم تعد موجودة، لا بل انقطع لبنان عن محيطه العربي وعن علاقاته مع العالم الغربي بفعل ممارسات أحد "مكوّناته الأساسية" التي اختطفت قراره الداخلي وهيمنت على علاقاته الخارجية. لم يعد لبنان "سويسرا الشرق" عربيّاً، وفَقَد مفتاح بوّابته أوروبياً وأميركياً.
 
كان آخر فصول هذه الممارسات إعلانَ زعيم حزب الله حسن نصرالله البدء بتصنيع "مسيّرات" محلّيّاً، وكأنّ الرسالة المُراد إيصالها أبعد من الإعلان نفسه. إذ تتزامن بالتوقيت مع حملة الاستنكار العربية والدولية لـ"الإرهابي الطائر" (الدرون) الذي يستهدف المنشآت المدنية في الخليج، ويدفع المدنيّون الثمن الأول والأخير لهجوماته، سواء في السعودية أو في أبوظبي (حيث مئات آلاف اللبنانيين يعملون). وبذلك يطرح نصرالله موقفاً عدوانياً جديداً في الساحتين العربية والدولية لا ينفصل عن سياق الممارسات التي ينتهجها حزب الله ومن ورائه إيران ضدّ المنطقة والعالم، محمّليْن لبنان تبعاتها "قسراً".

كان لبنان قد انقطع أوّلاً عن محيطه العربي بقرار من إيران عبر حزب الله. فالدولة اللبنانية، العضو في جامعة الدول العربية، خرجت عن القرار العربي في صراعات المنطقة، لكنّ العرب الذين كانوا يفهمون ويتفهّمون "خصوصيّة" لبنان استحدثوا له مخرجاً ديبلوماسياً عبر مبدأ "النأي بالنفس" لتخليصه من وزر قرارهم. لكن حتى هذا المبدأ لم يلتزم به وزير الخارجية اللبناني آنذاك جبران باسيل المدعوم أو التابع لحزب الله. حينها وفي الأثناء، عمد حزب الله إلى مواصلة تدخّله العسكري في صراعات المنطقة في مواجهة القرار العربي، مخالفاً قرار "النأي بالنفس" الذي وعدت به الدولة اللبنانية في المجلس العربي. واصل الحزب تهديد أمن المنطقة وزعزعة استقرار الدول وفق أجندات إيرانية معادية للشعوب العربية التي يبقى لبنان واحداً منها. في آذار 2016 قرّرت الجامعة العربية تصنيف حزب الله، المكوّن الرئيسي في الحكم السياسي والعسكري بلبنان، "منظّمة إرهابية". لم يأتِ هذا القرار من فراغ، بل بعدما حاربت ميليشيات الحزب جهاراً مع النظام السوري ضدّ الشعب المنتفض. أمّا عربيّاً، وخليجيّاً تحديداً، فلم يخطب الأمين العام لميليشيا حزب الله حسن نصرالله خطاباً إلا وهاجم فيه (ولا يزال) الدول التي يسترزق منها مئات آلاف اللبنانيين وعائلاتهم، بعدما فتحت (ولا تزال) أحضانها للّبنانيين لكسب قوتهم والعيش الكريم. على أرض الواقع، انخرط حزب الله في الصراع اليمني مع الحوثيين ضدّ السعودية والإمارات والتحالف العربي أجمع، وناقض قرارات جامعة الدول العربية في العراق وسوريا. هاجم السعودية عسكرياً من الأراضي اليمنية عبر إرساله مدرِّبين وخبراء ظهروا في أشرطة مسجّلة إلى جانب ميليشيا الحوثي التي درّبوها على إطلاق الصواريخ الباليستية التي ساعدوا في نقلها إلى الجماعة المصنّفة "إرهابية" عربيّاً. وقف "مدرِّبو" حزب الله و"خبراؤه" جنباً إلى جنب مع الحوثيين أثناء إطلاق الصواريخ بعد تجهيزها لهم وأخذ الضوء الأخضر من الإيرانيين لإطلاقها على الأراضي السعودية. وفي الكويت، تغلغل حزب الله وحاول التخطيط لهجوم قبل إحباطه وإلقاء القبض على خليّته التي عُرِفت بـ"خليّة العبدلي". أخيراً وليس آخِراً، يحتضن الحزب مجموعات سعودية وبحرينية موالية لإيران، محوِّلاً لبنان منصّة لمؤتمراتها لمهاجمة هاتين الدولتين الشقيقتين.

وعلى خط موازٍ، يعمل حزب الله على قطع علاقات لبنان مع الدول الأوروبية والأميركية. ففي أميركا اللاتينية ينشط الحزب مع كارتيلات المخدِّرات، ويلعب دوراً مع العصابات حيناً، ومع الساسة أحياناً، ضدّ حكّام معترف بهم دوليّاً، متسبّباً بأزمات سياسية من خلال دعم انقلابات لأهداف "مافياوية". وفي أوروبا، صنّفت بريطانيا وهولندا وألمانيا وبريطانيا حزب الله بجناحيْه السياسي والعسكري منظمة إرهابية، منضمّةً إلى قافلة من أكثر من 58 دولة حول العالم تصنّفه إرهابياً. علّلت هذه الدول تصنيفها له بأدلّة دامغة على ممارساته الجرميّة لأهداف ماليّة ودعماً للإرهاب الدولي.

هذا غيض من فيض على الصعيد الخارجيّ، لكنّ كلّ ذلك ما كان ليؤثّر على لبنان الرسمي لو كان براءً من حزب الله، فالحزب نفسه داخل الحكومة والدولة بـ"شكل رسمي" يسيطر على مفاصلها ويتحكّم بقراراتها داخلياً وبعلاقاتها خارجياً.

ها هو حزب الله قد غيّر معالم لبنان الجغرافيّة ببعدها السياسي، وحوّل البلاد إلى جزيرة.

داخلياً.. يعيش أبناء الجزيرة اللبنانية تحت حكم الحزب الواحد، على وقع أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وأزمات خلّفها الفساد وغياب الدولة لحساب الدويلة القائمة على كلّ المساحة الجغرافية لتلك الجزيرة.

لا ينفصل الاقتصاد عن السياسة في تلك الجزيرة كما في العالم الآخر. لكن لا يمكن إغفال أنّ الأكثر إلحاحاً في الوضع اللبناني هو فكّ قبضة حزب الله عن مقدّرات البلد حتى تستطيع أيّ حكومة الشروع في الإصلاح لإنقاذ أبناء الجزيرة من العوز والفقر والجوع والنهوض بمشروع الدولة النقيض لواقع الدويلة.

حتّى ذلك الحين ستبقى "بوّابة الشرق والغرب" جزيرة منكوبة يستحدث لها نصرالله وسائل اتّصال بالعالم عبر "مسيّرات" جاهر بتصنيعها.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار