اوكرانيا ممر اجباري الى "يالطا" جديدة | أخبار اليوم

اوكرانيا ممر اجباري الى "يالطا" جديدة

داود رمّال | الأحد 27 فبراير 2022

هذا هو الدور المضلل الذي قام به الاعلام الغربي وفي مقدمه "بلومبيرغ"

داود رمال- "اخبار اليوم"

بعيدا من مسألة "حشر لبنان انفه" في الصراع الدائر على الارض الاوكرانية، وبيان وزارة الخارجية اللبنانية الذي اقل ما يوصف بأنه "متسرّع" ويطيح بلازمة "النأي بالنفس" المنصوص عنها في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الحالية، فان المتابع لتطورات وارهاصات ما يجري راهنا في اوكرانيا لا بد وان يرصد معطيات من الواجب الاضاءة عليها في عملية تبيان الحقائق والمكائد.


في نهاية عام 2021 وبداية عام 2022 تصدرت حملة اعلامية دولية غير مسبوقة بتقنيتها وتجهيزاتها، وسائل الاعلام الغربية والعربية، والهدف منها إقناع المجتمع الدولي بأن الاتحاد الروسي يستعد لغزو أراضي أوكرانيا.


قامت هذه الحملة الاعلامية على كسر كل المعايير الصحافية، وذلك عبر نشر معلومات مضللة وأخبار كاذبة من أجل اقناع الرأي العام العالمي بنوايا موسكو "العدوانية" اتجاه أوكرانيا.


في الوقت نفسه اعتمدت وسائل الاعلام هذه، سياسية تجاهل التفسيرات العقلانية للمسؤولين الروس، والتأكيدات المتكررة بإلتزام موسكو بتسوية دبلوماسية سلمية للأزمة في أوكرانيا على أساس إتفاقية "مينسك"، والتي بموجبها من حق الدول إعادة نشر قواتها المسلحة على أراضيها، وكذلك كانت تصريحات روسية حول الطبيعة الدفاعية للتدريبات العسكرية التي يتم إجراؤها بالتعاون مع القوات المسلحة لجمهورية بيلاروسيا.


في المقابل تم تجاهل مخاوف موسكو، لجهة مساعدة الغرب أوكرانيا في الامدادات العسكرية واللوجستية الفنية وارسال مدربين عسكريين، لإجراء مناورات واسعة وخطيرة في المدن الأوكرانية الحدودية مع روسيا.


في الواقع قادت وسائل الإعلام الغربية حرب اعلامية من ضمن حملة سياسية منظمة، حيث عمدت في أخبارها وبرامجها الفضائية السياسية ونشراتها الإخبارية وعلى مدار الساعة الى تكرار معلومات غير موثوقة بطريقة منسقة، بهدف تشويه مطالب روسيا العادلة بضمانات أمنية، في مقابل تبرير التطلعات الجيوسياسية الغربية وتوسعها العسكري على الأراضي الاوكرانية.


عملياً، الحملة تُقاد عبر وسائل الإعلام الغربية الأكثر شهرة وفي مقدّمتهم وكالة "بلومبيرغ" للأنباء، المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمؤسسات السياسية الأميركية. ففي الآونة الأخيرة، عمدت الوكالة ولمرتين متتاليتين الى نشر أخبار "غير مؤكدة" وحتى "مفبركة ومزيّفة"، وهذه الأخبار انتشرت على نطاق واسع. وعلى سبيل المثال، قبل حفل افتتاح الالعاب الاولمبية الـ22 في العاصمة الصينية بكين ، نشرت الوكالة المذكورة نقلا عن "مصدر ديبلوماسي صيني طلب عدم ذكر اسمه"، ان بكين وفي خلال "محادثاتها الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلبت منه عدم الاقدام على غزو أوكرانيا في خلال هذه الألعاب". هذا الخبر المفبرك ردت عليه سفارة جمهورية الصين الشعبية في موسكو، معتبرة انه "استفزازا صريحا وكذبة واضحة"، وبالتزامن تم نفي الخبر من الجانب الروسي عبر السكرتير الإعلامي لرئيس روسيا ديميتري بيسكوف والمتحدّثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا.


وفي 5 شباط/ فبراير 2022، نشرت وكالة "بلومبيرغ" خبرا مزيفا وتحت عنوان عريض "روسيا تغزو أوكرانيا"، هذا العنوان تم تداوله على نطاق واسع كخبر عاجل أحدث بلبلة كبيرة على المستوى السياسي والاقتصادي واحدث خضة في الاسواق العالمية لا سيما سوق الطاقة، مما دفع بالمحررين في الوكالة المذكورة الى اصدار بيان يوضحون فيه أن الخبر عن الغزو الروسي المبلّغ عنه كان "خطأ". فيما لاحظ صحافيون وخبراء مستقلون، ان الاخبار المزيفة يتم التعامل معها بجدية، ومن المتوقع انها ستؤدي الى انهيار اقتصادات العديد من البلدان، بالاضافة الى تأثيرات جيوسياسية خطيرة على العالم بأسره. ومن المؤكد ان الاخبار المزيفة التي تبثها وسائل الإعلام الغربية يتم إستخدامهم في أسوأ بروباغندا سوداء ولا يمكن تفسير انتشارها إلا للتلاعب بالرأي العام العالمي وتظليله.
وكان لافتا موقف المسؤولين الغربيين في سياق حملة التضليل الضخمة ضد روسيا، فإنهم يتجنبون، ولا يزالون، إعطاءها تقييما مناسبا وحقيقيا، وهذا السلوك يؤكد بشكل مباشر مشاركتهم في إنتشار هذه الاخبار المزيفة. وفي الموازاة، كان المكتب الصحافي للبيت الأبيض يعلن مرارا عن رغبته في تقديم اكبر قدر ممكن من الأدلة. وفي كل مرة كانت تؤكد السكريتيرة الاعلامية للرئيس الاميركي جينيفر بساكي أن "هناك قيودا، ولا نستطيع كشف العمل الإستخباري، وان ما تم ذكره من ادلة حتى حينه هو المعلومات التي رفعت عنها السرية".


وبينما كان البيت الأبيض ووسائل الإعلام الغربية يوهمون العالم "بالتهديد الروسي"، كانت القوات الأمريكية تواصل إنتشارها في أوروبا الشرقية. ففي بولندا وعلى بعد 90 كيلومترا فقط من الحدود مع أوكرانيا، حطت أولى طائرات النقل العسكرية الأميركية، حيث تم نشر 1700 جندي أمريكي مع معداتهم العسكرية. وفي رومانيا وألمانيا يتمركز ألفي جندي آخرين. علما انه في وقت سابق وضعت الولايات المتحدة 8500 جندي في أوروبا في حالة تأهب قصوى.
اما في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأدرياتيكي، كان حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينهي مناورة واسعة وضخمة سميت بـ "ضربة نبتون – 22" بمشاركة كل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا واليونان، حيث قدمت الولايات المتحدة الاميركية مجموعتها القتالية للمناورات، بقيادة حاملة الطائرات "هاري ترومان" وذلك بحسب البنتاغون، كل هذا من أجل دعم الحلفاء واحتواء التهديد الروسي، على حد زعمهم.
في غضون ذلك، ادت الحفريات التي أجريت على أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك الى الكشف عن جرائم رهيبة، اذ تم انتشال جثث مئات المدنيين من عدة مقابر جماعية أنشأتها السلطات الأوكرانية في النصف الثاني من عام 2014 في هذه المنطقة وبالقرب من بلدات "سابوفكا" و"كراسنودون" و"بيرفومايسك" و"فيدنو" و"سلافيانوسربسك"، حيث تم العثور على خمسة مقابر جماعية في الأشهر الأولى من النزاع. وخلال ثلاثة أشهر من عمل المجموعة المختصة في عمليات اقتفاء الاثر والبحث عن الرفاة، تم انتشال 267 جثة. ومن خلال الفحص الأولي للجثث مع بقايا الملابس تبين انهم مدنيون، قتلوا بين صيف وخريف العام 2014 نتيجة العدوان الأوكراني. وتم تحديد هوية البعض منهم ، وسلمت بعض الجثث إلى أهاليهم لإعادة دفنهم. لكن هذه ليست آخر الاكتشافات المرعبة.
استنادا الى هذه المعطيات، يمكننا الحديث عن مؤامرة من قبل سلطات الدول الغربية ووسائل الإعلام التابعة لها، من أجل تصعيد التوتر المصطنع حول أوكرانيا من خلال بثّ كمية هائلة ومنسقة من المعلومات الكاذبة خدمة للمصالح الجيوسياسية على وجه الخصوص، وذلك من أجل صرف الانتباه عن خطتهم العدوانية، وعمليات الابادة الجماعية التي كانت تمارس بحق السكان من اصول روسية والتي غابت كليا عن اي اضاءة اعلامية او سياسية.
ما يجري في اوكرانيا هو لعب غربي او ما يسمى حلف (الناتو) بخطوط اكثر من حمراء، استغلها القيصر الروسي بذكائه الحاد واوصلهم من خلال ما يجري راهنا على الارض الاوكرانية الى مرحلة سقوط الاحادية القطبية، بحيث بعد اوكرانيا صرنا امام عالم متعدد الاقطاب سيدفع الاميركي وحلفاءه للجلوس الى طاولة بندها الوحيد الاتفاق على "يالطا" جديدة، اليد الطولى في صوغها لروسيا والصين وحلفائهما.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة