لهذه الأسباب "انتفض" رعد على مسار التفاوض حول ترسيم الحدود | أخبار اليوم

لهذه الأسباب "انتفض" رعد على مسار التفاوض حول ترسيم الحدود

| الأربعاء 02 مارس 2022

لا يبدو الحزب مستعجلا لفضّ شراكته مع المشاركين معه في الحكومة

وهو يريدها ان تستمر ولكن ليس بأي ثمن


 "النهار"-ابراهيم بيرم

كما كان موضع تساؤل ومجال تكهن واستغراب نهج الصمت الذي مارسه "حزب الله" طوال الفترة الماضية عما بلغه ملف مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل، كان امرا مفاجئا وينطوي على دلالات ذاك الكلام الذي اطلقه قبل ساعات احد قياديي الحزب (رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" وأحد الاعضاء السبعة في محفل شورى القرار في الحزب) النائب محمد رعد، الذي حذّر بلهجة صارمة من اي تضييع محتمل لثروات لبنان النفطية المخزونة في البحر حتى وإن اقتضى أمر عدم التفريط بها ابقاءها مدفونة في باطن البحر لأعوام اخرى.

في السابق كان الحزب يبرر صمته بأمرين اثنين معلَنين. الاول انه يقف وراء موقف الدولة حيال هذا الامر السيادي، وهي ستجده حاضرا وملبّيا للنداء عند حاجتها الى قوته وتجربته العميقة.

وهو تبرير أعاد الى الاذهان مقولة الحزب غداة الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية في صيف عام 2000 والتي قال فيها انه يرهن موقفه من استكمال المواجهة مع الاحتلال بموقف الدولة نفسها، فاذا قالت بان الانسحاب كامل ولم يتبقّ لنا في ذمة الاحتلال اي ارض، ساعتئذ سيكون للحزب تصرف وتدبير وسلوك، اما اذا قالت العكس فوقتذاك لكل حادث حديث، فضلاً عن حجة ثانية هي ان الحزب لا يمكنه الدخول الى حلبة التفاوض المباشر وغير المباشر مع الاسرائيلي كونه لا يعترف به ولا بحدود كيانه.

والامر الثاني، وهو غير معلن، انه اعطى ثقته لدور رئيس الجمهورية ميشال عون في ادارة لعبة التفاوض بالوساطة الاميركية، بالمقدار نفسه من الثقة التي محضها لرئيس مجلس النواب نبيه بري عندما شرع في مفاوضة الموفدين الاميركيين، وهي مفاوضات استغرقت عشرة اعوام وانتهت الى ما صار يُعرف بـ"اتفاق الاطار".

ومعلوم ايضا ان صمت الحزب على الأمرين قد طال، وإن كان السيد حسن نصرالله قد تطرّق مرارا الى هذا الموضوع في اطلالات اعلامية عدة، لكنه تطرق عبر مدخلين. الاول التذكير بضرورة الحيلولة دون التفريط بالحقّ اللبناني او التهاون به. والثاني "اننا وإن صمتنا عن مسار التفاوضين الاولي والثاني (بري ثم عون) فاننا نترقب ونترصد لكي نبني على الشيء مقتضاه ونلهج بكلمتنا الفصل".

وبناء على هذه المقدمات اثيرت الى جانب كلام رعد حزمة تساؤلات، خصوصا ان كلام هذا القيادي الساخن والمعبّر ينطوي على امرين اثنين. الاول عدم رضا على ما يشاع عن امكان انطلاق التفاوض مما يُعرف بالخط 23 وليس من الخط 29 الذي رسمه وفد قيادة الجيش سابقا. والثاني "اننا (الحزب) ما برحنا نرصد ونترقب ولا يغرّنكم صمتنا اذ ليس معناه انه سيدوم الى الابد، ولتفويضنا لكم حدود وخطوط حمر". وثمة من يضيف الى هذين الاستنتاجين استنتاجا ثالثا جوهره ان "الفرصة التي مُنحت لكم قد اوشكت على الانتهاء ولم تكونوا عند حسن الظن والمرتجى، وعليكم ان تعيدوا النظر بأدائكم في هذا الملف، واستطرادا بالنقطة التي اشيع انكم اخترتم الانطلاق برحلة التفاوض منها".

وليس خافيا ان في طيّات هذا التفسير ثمة انتقادات توجَّه الى الاصدقاء ومن هم موضع الثقة قبل سواهم.

هذا في التحليل والاستنتاج، ولكن تبقى مسألة تقليب دوافع السلوك الخشن والمفاجىء للحزب حيال ملف بالغ الحساسية ومطروح بإلحاح على بساط البحث ويشكل مادة تجاذب في الصراع السياسي الدائر حاليا. لذا ثمة قناعة تكونت تدريجا عند العالمين ببواطن التفكير عند الحزب وبطريقة مقاربته للامور والتطورات، وهي تنهض على الاسس الآتية:
- ان الحزب يعتبر انه قد اعطى الفرصة لحليفه الرئيس عون وحاضنته السياسية، اي "التيار الوطني الحر"، لادارة ملف التفاوض، لايمانه بانه إذا انتهى هذا التفاوض الموضوع تحت المجهر بانجاز وطني وسيادي، فسيتيح له ان يستخدمه ويوظفه لتحسين موقعه واوراقه في المعادلة السياسية، ولكنه تحت وطأة الحاجة الملحّة والعاجلة الى مثل هذا الانجاز ارتكب "دعسة ناقصة" أو "فاولاً" لحظة سُرّب عن مصادر قصر بعبدا ان لا ضير عند سيد القصر من البدء بمسيرة المفاوضات من عند الخط 23. وقد تبين لاحقا ان هذا التسريب ربما كان مجرد اختبار او جس نبض، فاذا تقبّله الرأي العام كان به، وإلا فالعَود عنه يكون احمد.

لذا لم يكن مفاجئا في اوساط الحزب التبرير الذي سمعه من وزير الخارجية عبد الله بوحبيب عندما قال بصريح العبارة ما معناه ان التفاوض على اساس الخط 29 ميؤوس منه ولا يجعلنا "نجني العنب المنشود". كما لم يكن مفاجئا ايضا ما نُقل لاحقا عن مصادر القصر الرئاسي من ان الرئيس عون ينفي ما سُرب عنه في هذا المجال.

- ثمة من يزعم ان الحزب لم يستطع الاستمرار في الاعتصام بقلعة الصمت لانه استشعر من جمهوره العريض رفضا لمسار المفاوضات وما يثار فيها من افكار، خصوصا ان هذا الجمهور كان معبئا اصلا من ردة الفعل الهزيلة من جانب الحزب على بيان الخارجية بشأن احداث اوكرانيا، والذي شارك في حبره وصوغه ثلاثة، اثنان منهم يُدرجان عادة في خانة اصدقاء الحزب.

فضلاً عن ذلك، فان الجمهور عينه كان يختزن سلفا كمّاً من الغضب المكتوم على اداء وزير الداخلية في موضوع نشاط للمعارضة البحرينية، وقبلها بطبيعة الحال الضغوط التي مارسها الرئيس نجيب ميقاتي لاخراج وزير الاعلام السابق جورج قرداحي من الحكومة.

- وبهذا المعنى بدا الحزب وكأنه استعجل او ربما اخطأ التقدير لحظة اباح للرئيس عون فرصة التحرك والتفاوض بحرّية تامة فذهب الى حيث لا ينبغي ان يذهب وفق الحسابات الوطنية، خصوصا ان الفريق الخصم للحزب بدا اكثر حرصا على الحقّ اللبناني.

- من البديهي ان ثمة من يجد في انتفاضة النائب رعد المفاجئة أبعادا اخرى ومآرب مختلفة، اذ ان "الطحشة الاميركية" المستمرة على الحزب بلغت حدودا بعيدة ما حتم عليه العودة الى اسلوب المصادمة مع الادارة الاميركية الممتلئة رغبة وعجلة لانجاز الترسيم، وان يسارع الى البعث برسائل مضادة لواشنطن سيكون لها وقعها وصداها في لحظة الاحتدام العالمي على خلفية احداث اوكرانيا والتطورات الدراماتيكية الناتجة عنها.

لا ريب في ان الحزب يعي تماما انه مضطر للتعايش في الساحة اللبنانية مع النفوذ الاميركي، وان لواشنطن ولحلفائها في هذه الساحة حصة كما له ولمحوره حصة، ولكنه يبدو وكأنه مضطر بين فينة واخرى الى ان يذكّر هؤلاء بان له حدودا وحصة يتعين عليهم ألا يتجاوزوها وذلك جزء من طبيعة الصراع. وفي كل الاحوال لا يبدو الحزب مستعجلا لفضّ شراكته مع المشاركين معه في الحكومة الحالية، وهو يريدها ان تستمر ولكن ليس بأي ثمن.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار