ما قيمة التحذيرات المتنامية من "فعل اسرائيلي" تجاه الجنوب؟ | أخبار اليوم

ما قيمة التحذيرات المتنامية من "فعل اسرائيلي" تجاه الجنوب؟

| السبت 02 أبريل 2022

"حزب الله" ما زال على عادته في إبداء الصمت تجاه اي تصرف

"النهار"- ابراهيم بيرم

هل من عنصر استجد اخيرا من شأنه ان يغير في قواعد اللعبة في المعادلة القائمة في الجنوب اللبناني ويحمل في طياته احتمالات سياسية وميدانية من خارج الحسابات والاحتمالات؟

السؤال فرض نفسه تلقائيا في اعقاب بروز ثلاثة عوامل مستجدة، اثنان منها داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة. اولهما سلسلة العمليات الفدائية النوعية المكثفة التي نفّذها في الأيام الأخيرة شبان فلسطينيون في البقعة الجغرافية المتفق على تسميتها اراضي الـ 48. وهي عبارة عن عشر عمليات متقاربة زمنيا افضت الى مصرع ما لا يقل عن 12 اسرائيليا وعدد موازٍ من الجرحى.

والتطور الثاني تجسد في اللقاء الخماسي الذي انعقد في منطقة النقب وشارك فيه وزراء خارجية 3 دول عربية ووزيرا الخارجية الاميركي والاسرائيلي، وقد بدا انه تطور استراتيجي زمانا ومكانا.

ولاريب في ان ثمة من اعتبر التصاعد النوعي في الهجمات الفلسطينية (وكلها مواجهات مباشرة) انه يمثل ردا فلسطينيا على مسار التطبيع الذي يجري جهارا بين عواصم عربية وتل ابيب، في وقت يصعّد العقل الامني الاسرائيلي مستوى ممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني، إنْ على مستوى ممارسات الحواجز والنقاط الاسرائيلية، او عبر عمليات الاعتقال بالجملة والزجّ بالسجون، او على مستوى زرع المزيد من المستوطنات في الاراضي التي يُفترض بموجب اتفاق اوسلو انها جزء من اراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وعليه، فان ثمة مَن يُدرج تنامي العمليات الفلسطينية وتزايدها على نحو اعاد الى اذهان الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء مرحلة مواجهات الانتفاضتين الشهيرتين عامي 1987 و2000 بكل ما حملته من نتائج دامية.

ولا شك ايضا في ان كلا التطورين، اي اجتماع النقب الخماسي والتطورات الميدانية الجريئة التي كسرت خطوطا حمرا وتجاوزت كل الاجراءات والتدابير الامنية التي اعتمدتها اسرائيل طويلا، قد اعادا الاعتبار من جديد الى احتمال ان تستغل القيادة الاسرائيلية كل هذه المستجدات المتداخلة وتتخذها ستارا وجسر عبور لتصفّي حسابا قديما وثأرا مؤجلا لها مع الساحة اللبنانية.

وثمة بطبيعة الحال من ذهبت به التكهنات والظنون الى ابعد من ذلك بكثير حينما وضع في رأس قائمة حساباته احتمال ان تستفيد تل ابيب من استغراق العالم كله وانشغال الغرب خصوصا في تفاصيل العملية العسكرية الشرسة التي تنفذها روسيا منذ اكثر من شهر في اراضي اوكرانيا، فتمارس عملية "هروب" منظمة في اتجاه اراضي الجنوب اللبناني لتجدد امام الغرب صورتها النمطية التقليدية عنها كـ"بلطجي المنطقة او مخفرها المتقدم المليء برجال الشرطة المتأهبين لتنفيذ مهمة تأديب المارقين والخارجين على النظام العام"، ولتقدم له مزيدا من اوراق القوة بعدما دخل في مفاوضات شاقة مع ايران حول ملفها النووي ومستقبل برنامج صواريخها البالستية من جهة، وتحجيم تمددها واطماعها الكبرى على نطاق كل الاقليم من جهة أخرى.

وليس جديدا القول ان اسرائيل تحاول استعادة موقع كان لها في المنطقة منذ تأسيسها وبدأت تخسره تدريجا منذ نحو ربع قرن، وهو انها العصا الغليظة الضاربة للغرب في المنطقة عموما. وبمعنى آخر فان الدوائر المولجة برصد سلوكيات إسرائيل طرحت على نفسها بناء على كل تلك التطورات سؤالا حول ما اذا كانت اسرائيل قد اقتربت من القيام بلعبة امنية تعيد الاعتبار الى دورها القديم وصورتها الاصل، فتلجأ الى فعل محدود او واسع من شأنه ان يضع المنطقة برمّتها على فوهة بركان احتمالات تصعيد واحتدام توطئة لفرض هذه الورقة امرا واقعا.

وفي مقابل كل هذه العوامل، كان لـ "حزب الله" حراكه الذي بدا وقائيا ومضادا، وكانت اولى بوادره اللقاء الذي عقده الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله اخيرا مع الشخص الثالث في رأس هرم قيادة حركة "حماس" صالح العاروري، والذي اردفه بلقاء مصور عقده خلال الساعات الماضية مع الامين العام لحركة "الجهاد الاسلامي" في فلسطين زياد النخالة. وكان جلياً ان تظهير اللقاءين ينطوي على رسالة الى من يعنيهم الامر في هذا التوقيت بالذات تتضمن بشكل او بآخر ردا على لقاء النقب من جهة، والاعلان عن استعدادات تجري بين مكونات محور الممانعة من جهة اخرى. وثمة بطبيعة الحال من يربط بين تظهير هذين اللقاءين وبين الزيارة التي قام بها اخيرا وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الى بيروت. وتضاف الى كل تلك الرسائل السياسية التحذيرية رسائل من طبيعة امنية عملانية، من ابرزها المسيّرة التي اخترقت الاجواء الاسرائيلية.

وعلى بلاغة كل ذلك، فان ثمة من يرى ان الرسائل الثلاث لـ"الممانعة" ليست كافية لتكريس اجواء الاطمئنان، اذ يلاحظ خبراء ان لقاء النقب الخماسي هو بشكل او بآخر يماثل لقاءات على هذا المستوى الواسع حصلت سابقا، وفي كل مرة كانت لها مهمة ووظيفة أتمّتها. ففي آذار عام 1996 انعقدت قمة "صانعي السلام" في شرم الشيخ، وعلى الاثر شن الاحتلال الاسرائيلي عمليته الواسعة ضد لبنان في نيسان. وفي حزيران عام 2003 انعقدت قمة العقبة التي غطّت الاحتلال في توجيه ضربة الى الانتفاضة الفلسطينية الثانية المعروفة بـ"انتفاضة الاقصى". وفي تشرين الثاني عام 2007 التأمت قمة "انابوليس" التي انتهت بإرغام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الانصياع للتفاوض مع ايهود اولمرت.

وبناء عليه، فان ثمة من تساوره الخشية من ان يكون لقاء النقب غطاء لفعل عدواني اسرائيلي، وهو إنْ حصل فلن يكون إلا في اتجاه لبنان وجنوبه حيث يتحصن "حزب الله" الذي يشكل العمود الفقري لمحور الممانعة بكل تلاوينه.

وعلى رغم كل هذه المناخات المحتقنة وهذا الصخب والضوضاء، فان الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الدكتور امين حطيط يستبعد ان تبادر اسرائيل الى عمل واسع تخرق فيه الستاتيكو القائم على الحدود الجنوبية.

ويقول: "امر واحد من شأنه ان يبدل هذا الاستنتاج وهو اذا ما ورد امر عمليات اميركي عنوانه تعطيل الانتخابات النيابية في لبنان. عندئذ يمكن ان تقدِم تل ابيب على المغامرة وتشرع في عملية ولو لساعة تكون كافية لتبرير تأجيل الاستحقاق".

ويضيف مبررا رأيه "ان اسرائيل بعد سلسلة العمليات الفدائية الاخيرة النوعية قد دخلت ما يُعرف بالعلم العسكري مرحلة "الامن المفقود"، خصوصا اذا ما اقترن بمؤشرات توحي ان "العدو" او الطرف الآخر في وضع المتحفز لمزيد من العمليات والمواجهات. وفي مثل هذه الحالة يتبدى الحرص الاسرائيلي على التهدئة وعدم الانزلاق والانجرار الى فتح مواجهات مع الخارج".

ومن البديهي ان "حزب الله" ما زال على عادته في إبداء الصمت تجاه اي تصرف اسرائيلي سواء كان تهديدا مباشرا ام تهويلا غير مباشر، لكنه كعادته ايضا يرد على من يلحّ بالسؤال باختصار شديد: "نحن مطمئنون الى ان يد العدو مازالت مغلولة، ولكن ذلك لايعفينا من واجب الحذر والحيطة والسهر استعدادا لكل الاحتمالات بما فيها الاسوأ".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار