نصر الله «يطفئها» بين باسيل وفرنجية لتطويق جعجع | أخبار اليوم

نصر الله «يطفئها» بين باسيل وفرنجية لتطويق جعجع

| الأحد 10 أبريل 2022

تَحالُف حزب الله – أمل «المرتاح».. إجراء الانتخابات كما إرجاؤها

«الراي» 

نجح «حزب الله» في فرض «وقت مستقطع» للحروب السياسية بين حلفائه. فلا صوت يعلو الآن فوق قرع طبول الانتخابات المقررة في 15 مايو المقبل، وتالياً فإن الحزب – القائد تمكّن من نزْع «الأسلحة المسمومة» من أيدي حلفائه - الأعداء، ففرض هدنةً إنتخابية بين حركة «أمل» (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) وحزب رئيس الجمهورية ميشال عون، أي «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، وبين الأخير و«تيار المردة» برئاسة سليمان فرنجية.

ولم تكن عابرةً الصورةُ التي تَوَسَّطها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وضمّت باسيل وفرنجية، وجاءت في توقيتها مع تَعاظُم الحماوة الإنتخابية لا سيما في المناطق ذات الغالبية المسيحية. وربما تشكل الإطلالة المشتركة لـ «المرشحيْن» للانتخابات الرئاسية تحت عباءة نصرالله حَدَثاً سياسياً – إنتخابياً لا يُستهان به في ضوء المعارك الشرسة التي دارت بين القطبين المسيحيين على إمتداد ولاية عون الرئاسية، وقبْلها على الطريق إلى الإستحقاق الرئاسي عام 2016.


وبدا إطفاءُ محرّكات المواجهة، التي كانت دائمةً ومفتوحةً، بين بري وباسيل ومن خلفه عون، بقوةِ تدخل «حزب الله» أشبه بـ «إستراحة حرْب» بين الطرفين اللذين خاضا معارك كرٍّ وفرٍّ على مدى أعوام، واضطُرا الآن إلى التموْضع جنباً إلى جنب في المعركة الإنتخابية كحليفيْن للحزب الذي «هنْدسَ» اللوائح المشتركة في غالبية الدوائر ذات البيئات الجامعة لحركة «أمل» و«التيار الوطني الحر».

وإذا كان «حزب الله» مُطْمَئناً إلى حصْده مع شريكه في «الثنائية الشيعية»، أي حركة «أمل» المقاعد المخصصة للشيعة في البرلمان، ومرتاحاً إلى الحصيلة العاملة للإنتخابات التي تجعل الأمرةَ بيده، فإن السؤال الذي يتردد صداه في بيروت وهو عن السرّ الذي يدفع الحزب إلى الرمي بثقله لفرض الهدنة بين بري وباسيل، وجمْع الأخير بفرنجية؟

أوساطٌ واسعة الإطلاع في بيروت كشفتْ عن أن «حزب الله» غير القلق على نتائج الإنتخابات التي ستصبّ في مصلحته في نهاية المطاف، يقود الآن معركةَ «ترتيبِ» العلاقات بين حلفائه بهدف أساسي هو حرمان «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع من إمكان الإمساك بـ «الغالبية المسيحية» في البرلمان، أي منْعها من تشكيل كتلة أكبر من تلك التي يمكن لـ «التيار الوطني الحر» الفوز بها، وتالياً فإن الحزب ينخرط في إدارة المعركة الإنتخابية بخلفية رسم معالم الزعامة المسيحية، وهو ما يفسر رعايته لعمليات ربْط النزاع السياسي بين باسيل وكل من بري وفرنجية.

هذا الفصل السياسي من المشهد الإنتخابي يشكل أحد ملامح الحملات التي باشرها الثنائي «حزب الله» و«أمل» في ملاقاة إستحقاق 15 مايو.

في الضاحية الجنوبية من بيروت حيث معقل «حزب الله»، ترتفع شعاراتٌ انتخابية ولافتات، مثلها مثل تلك التي تنتصب في البقاع والجنوب حيث تحتدم الحملاتُ الإنتخابية قبل 5 أسابيع من فتْح صناديق الإقتراع.

وسكان الضاحية الجنوبية جزءان: واحدٌ من أهلها ينتخب في دائرة بعبدا، والآخَر المقيم فيها ينزح يوم الأحد في 15 مايو إلى الجنوب أو البقاع مسقط رأسه للإقتراع للوائح الثنائي الشيعي على الأغلب أي لـ «حزب الله» و«أمل».

المشهدُ الإنتخابي في الضاحية والجنوب والبقاع واحد. لقاءاتٌ إنتخابية وخطب سياسية بـ «مكبرات الصوت» يرفع من حماوتها «حزب الله» وكأن المنازلة على «المنخار» بين لوائح «الثنائي» وتلك المُعارِضة له. لكن الحال ليست كذلك.

فكل القوى السياسية والطائفية تعيش الشهرَ الفاصل عن الإنتخابات النيابية بقلقٍ وتوتُّر بالغيْن، بعد التخبط الأخير قبل إعلان اللوائح والتحالفات. وحدهما «حزب الله» وحركة «أمل» يتصرفان في خوضهما الإنتخابات، كأكثر طرفيْن سياسييْن مرتاحيْن إلى وضعهما.

في البداية كانت الشكوكُ تدور حول رغبتهما في تأجيل الإنتخابات. وإنطلاقةُ الكلام حول ذلك أتت من خلفية خشيتهما من تَغَيُّرِ المعادلة في المجلس النيابي المقبل، إثر التبدُّل في المشهد الشعبي بعد إنتفاضة 17 أكتوبر 2019 وإنفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020. ولم يكن القلق محلياً فحسب، بل ان العقوبات الأميركية على شخصيات في «حزب الله» و«أمل» وحليفه «التيار الوطني الحر»، أثارت مخاوف من إنعكاسها على عملية الإنتخاب برمّتها، مضافاً إليها الخشية من تدخلاتٍ خارجية تدعم قوى المعارضة فتؤدي إلى تَقَدُّمها. كل تلك العوامل أفضت إلى إنطباع بأن الثنائي أكثر ميلاً إلى تبني طرح إرجاء الإنتخابات.

لكن سرعان ما إنقلب المشهد، إذ بات خطاب «حزب الله» تحديداً أكثر تشدداً في تأكيد إجراء الإنتخابات في موعدها، وكذلك فعل رئيس حركة «أمل» رئيس البرلمان نبيه بري. وتأكيد الطرفين، تَكَرَّرَ مرات عدة في نفي واضح لرغبتهما في التأجيل، وإصراراً على إظهار جهوزيتهما السياسية والإنتخابية.

بين الرغبة بإرجاء الإنتخابات والكلام عن تمديد محتمل للبرلمان، برزت معطيات كثيرة. ضغطُ المجتمع الدولي لإجراء الإنتخابات في موعدها، إعلان «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» ان نوابهما سيقدمون إستقالتهم من المجلس في حال طرح التمديد، والخلافات التي سادت صفوف المعارضة وجعلت التشظي شبه الكامل يشكل علامة إرتياح لثنائي «حزب الله» وحركة «أمل».

يبلغ عدد الناخبين الشيعة نحو مليون ناخب، حصتهم في البرلمان 27 نائباً. لكن القدرة الفعلية لـ «حزب الله» على جمْع الحلفاء، في إطار سياسي واحد، ووهج قوته العسكرية وإمكاناته في «التحكم والسيطرة» جعلت من خوض الإنتخابات مظهراً من مظاهر الحياة السياسية «المسحوب» التأثيرات الفعلية. بدليل ما حصل في الإنتخابات السابقة منذ عام 2005، حين تمكن الحزب من فرض إيقاعه في تشكيل الحكومات المتتالية وفي تعطيل إستحقاقين لإنتخاب رئيس للجمهورية قبل ان يأتي بحليفه العماد ميشال عون رئيساً.

اليوم يخوض الثنائي – الحزب والحركة - معركة الإنتخابات مرتاحاً إلى إجرائها أو إرجائها. لكن المظهر العام اليوم لا يوحي إلا بأنه يخوضها متأهباً، وبعناوين كبيرة وإستنهاض شعبي ينطوي على «تخوين» لكل أطراف المعارضة. وهو كلما رفع سقف المواجهة وَضَعَ نتائج المعركة وفوزه فيها في مرتبة عالية.

وفي هذا المجال صبّت خطب قادة من الحزب ومسؤوليه، ولا سيما في الإفطارات الرمضانية الأخيرة، على تحديد عناوين المعركة بإسقاط المعارضة تارةً بإتهامها بقبض أموال من الخارج والإرتهان له، وتارة بمسؤولية أحزاب معارضة سبق أن شاركت في الحُكْم عن الفساد. ولم يتوان الحزب عن خوض معارك ضد مرشحين وليس فقط ضد لوائح كما يجري مع النائب السابق فارس سعيد في جبيل - كسروان.

يخوض الثنائي الانتخابات في معاقله الأساسية في الجنوب والبقاع. إلا أن معاركه لا تكمن هناك حيث الإرتياح واضح في إستعادته لمقاعده النيابية كما هي. بل ان تعويله على المقاعد حيث الدوائر المشتركة مع المعارضة في الجنوب والبقاع الغربي وزحلة والشوف وبعبدا وبيروت وجبيل. وهنا لا يدخل في حسابات الثنائي أو «حزب الله» منفرداً إستعادة مقعد له فحسب، بل تحصين حصة حلفائه كما هي الحال حين إبرم إتفاق الجبل في لائحة الأمير طلال إرسلان والوزير السابق وئام وهاب والنائب جبران باسيل، أو في رعاية تحالف إنتخابي ظرفي بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر».

ويمثل مقعد جبيل الشيعي الذي يريد «حزب الله» تكريس سلطته عليه، مقابل الهجمة المعارضة ضده، أهميةً موازيةً لمقاعد الجنوب إن لم يكن أكثر. ويمثل الفوز في بيروت أو في استعادة مقاعد حلفائه في بعبدا والشوف والبقاع الغربي أيضاً أهمية موازية لنجاحٍ مضمون للائحة الحزب في بعلبك - الهرمل.

وما يرتاح إليه الحزب والحركة معاً إنهما قادريْن على تأمين قاعدة إنتخابية بحت من دون الأخذ في الإعتبار أي ذبذبات إنتخابية. لكنهما غير قادريْن على التحكم بأهواء شركائهما وحلفائهما، وهما يشهدان كمية الخلافات التي تعصف في لوائح «التيار الوطني الحر» والحزب السوري القومي الاجتماعي وقوى «8 مارس». وهو أمر لا يمكن للثنائي أن يعيشه، وهو الذي يملك طرفاه هامشاً واسعاً من التحكّم بخيار ناخبيهما وباختيار مرشحيهما الذين لا يخرجون من عباءة الحزب أو الحركة ولا يؤسسون موقعاً منفرداً عن القيادة المركزية.

مشكلة «حزب الله» أنه يريد حجْز مقعد لحلفائه وهو يمشي بين النقاط السورية، في رعاية دمشق لحزب البعث والحزب السوري القومي جناح النائب أسعد حردان، وبين نقاط العهد الذي يريد حماية كل مقاعد التيار مع إضافات تجعل منه الفائز الأول عند المسيحيين. ويحاول في الوقت نفسه وضْع قدم ثابتة في الشارع السني والإستفادة من لحظة سنية تاريخية في إنسحاب الزعيم الأول لهذا المكوّن الرئيس سعد الحريري من الواجهة وتَضَعْضُع الحالة السنية. بين كل ذلك، يشكل الاستنهاض الشعبي مناسبة لإستعادة العصب الشعبي حول القيادة المركزية للحزب والحركة معاً، في وقت الأزمات الشعبية والإقتصادية.

في المشهدية العامة، يدخل «حزب الله» وحركة «أمل» الإنتخابات وهما واثقان من قدرتهما على تأمين مقاعدهما. لكن العينَ على تأمين الأكثرية في المجلس الجديد، لأن الغاية تبقى الإنتخابات الرئاسية المقبلة. ورغم أنهما يتشاركان في إنتظار هذا الإستحقاق مع غيرهما من القوى السياسية، إلا ان الإنتخابات الرئاسية تشكل بالنسبة إليهما معْبراً أساسياً، على طريق تحقيق «إنتصار» الخط الذي يمثله الطرفان مع حلفائهما لأربع سنوات جديدة هي عمر البرلمان العتيد، وست سنوات رئاسية جديدة. وهذا الإنتصار يحاول الثنائي مسبقاً الإستثمار فيه، في معركة إنتخابية ظاهرها إستنفار عام وباطنها إطمئنان حقيقي، وهو بذلك يضع أمام المجتمع الدولي حقيقة ان إجراء الإنتخابات يشبه إرجاءها، وان الوضع اللبناني يستمر على الإيقاع نفسه قبل الإنتخابات وبعدها.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار