أفلام برهان علوية على منصة أفلامنا: أعمال تستحق المشاهدة | أخبار اليوم

أفلام برهان علوية على منصة أفلامنا: أعمال تستحق المشاهدة

| الأربعاء 13 أبريل 2022

فيلمه “خلص” متاح اعتباراً من 21 الجاري

يوم 9 أيلول 2021، غادرنا برهان علويّة…تليق ببرهان علويّة صفة الأب وتحديداً الأب الروحي لما نقدر أن نسمّيه السينما اللبنانيّة الجديدة، التي ظهرت في السبعينيّات وجاءت مواكبة للسينما البديلة التي تحاكي واقعها وتخرج من دهاليز الترفيه السطحي والتقليد. كان برهان رائداً في هذا المجال مع جيل ضمّ مارون بغدادي وجوسلين صعب وهيني سرور ورندة الشهال وجان شمعون وغيرهم. منذ الثمانينيّات، التصقت أفلام علويّة بالعاصمة اللبنانيّة ضمن مجموعة من الرسائل السينمائيّة التي تغطّي بطريقة ما تاريخ بيروت بين السبعينيّات ومطلع القرن ال 21، فتلاحقت العناوين “بيروت اللقاء” (1981)- “رسالة من زمن الحرب” (1984)- “رسالة من زمن المنفى” (1988)- “إليك أينما تكون” (2001) و”خلص” (2007).
اعتباراً من 21 الجاري، وفي اطار برمجتها لشهر نيسان المخصصة لأفلام علوية، تتيح منصة أفلامنا على موقعها www.aflamuna.online مشاهدة ”خلص”، وعن هذا الشريط كتب المخرج والاستاذ الجامعي والباحث هادي زكاك ما يلي.
في العام 2003، قصدت ديكور فيلم “خلص” في الأشرفيّة لأصوّر برهان علويّة من جديد ضمن الفليم الوثائقي “سينما الحرب في لبنان”. كعادته، سحرني برهان بأجوبته وبالأخص عندما عاد إلى ذكرى تصوير “بيروت اللقاء” وتساءل إن كان يجدي أن يعرّض حياة ممثّلين للخطر لكي يصوّر شخصيّات فيلم روائي في زمن الحرب. كنّا نتمشّى في أحد ديكورات الفيلم وهو غرفة البطل على السطوح التي تشرف على بيروت وعلى ورشة مجمّع تجاري ضخم غطّ في وسط الأشرفيّة. أشار برهان إلى أنّ فيلمه الجديد يجري في التسعينيّات في مرحلة يعتبرها الدمار الثاني ما بعد الحرب. فبعد دمار الحجر والشعب، جاء دور دمار العلاقات. فقد الفرد صفة المواطنة ليصبح عبداً للمادّة. جسّد علويّة هذه الهواجس في “خلص” (2007) من خلال أحمد (فادي أبي خليل) وروبي (ريمون حصني) وعبير (ناتاشا أشقر). في غرفة أحمد وروبي، توجد صور بيروت القديمة والرفاق الشهداء الذين حلموا في أحد الأيّام بوطن مختلف. في الخارج، تنتشر ورش الإعمار وسط غزو الباطون وتكاثر الأولاد المتسوّلين والقطط التي تبحث باستمرار عن بقايا المأكولات. كتب أحمد على أحد الجدران الخارجيّة: “ممنوع دخول النساء والأحلام والأوهام”. فهو غير قادر على تقبّل فقدان حبيبته عبير التي فضّلت عليه ريمون (رفعت طربيه) بسبب ثروته فتماشت مع المرحلة الراهنة التي تحوّل فيها الزعران إلى رجال أعمال. أمام هذه الغربة مع الواقع الجديد، يلجأ أحمد وروبي بسرعة إلى محاولة تنظيف هذا المجتمع المصطنع وكأنّهما يشكّلان بطليْ فيلم أميركي من موجة هوليوود الجديدة في السبعينيّات حيث كانت الهواجس أيضاً شبيهة مع خلفيّة حرب فيتنام. يسرق أحمد وروبي تاجر المخدّرات، ينتقمان من صاحب المستشفى الفاسد، يلعبان بالدولارات فيعيشان بدورهما الكذبة فيما يقول أحمد: “بيروت بتكذب وبتصدّق كذباتها”. ضمن هذا الإطار، تبدو الحياة في بيروت وكأنّها حفلة تنكّريّة بامتياز فالمقاتلون نزعوا قناع “الثورة” والمقاومة ليصبحوا رجال الأعمال الذين ينوّعون نشاطهم بين العقارات والكسّارات وافتتاح التلفزيونات. يتنكّر أحمد وروبي بالزيّ الخليجي لدخول الفندق في مدينة ارتكز فيها مشروع إعادة الإعمار على اقتصاد ريعي يقوم على جذب المستثمرين الخليجيين وتقديم الخدمات لهم بعيداً عن الحلول الاقتصاديّة المحليّة والمستدامة التي تعيد بناء الإنسان الذي دمّرته الحرب. إنّه عصر الاستهلاك السريع. لتصفية الحساب مع “الثورجي” السابق (حمزة نصرالله)، يضع أحمد وروبي قناع تشي غيفارا بعد تحوّل الكثيرين من اليسار إلى الرأسماليّة الجشعة ومن العلمانيّة إلى الأحزاب الطائفيّة. وسط هذا الانحطاط، يأتي المشهد المحوري الذي يتمثّل بدعوة أحمد وروبي قطط المدينة إلى عشاء موسيقي فاخر داخل آثار وسط بيروت حيث تتمّ ورشه إعادة الإعمار. يختصر هذا المشهد واقع المدينة: أموال مسروقة وثروات حديثة تُصرف بشكل عبثيّ، قطط تلتهم الأكل وتهرب مع نباح الكلاب في مجتمع يتآكل. يعلن أحمد: “هلق عم بشتغل حرامي وماشي الحال” أمّا الأموال الآتية من لعب القمار فهي تصلح لإنتاج فيلم سينمائيّ من بطولة عبير. مقابل هذه الصورة السوداويّة، يأتي ظهور برهان علويّة شخصيًّا بدور والد أحمد مؤثراً للغاية. يبدو وكأنّه سراب من الماضي. إنّه الأب الميّت. إنّه العاطفة التي رحلت. مع اختفاء مظاهر الحب، يصبح على الشخصيّات إعادة تكوين العلاقات الطبيعيّة خارج لبنان، فيسافر روبي إلى تونس مع ابنته لإعادة تكوين العائلة فيما يهاجر أحمد إلى أستراليا بعيداً عن هذا البلد المحاط بالصحراء العربيّة والذي يبدو أنّه تحوّل إلى صحراء عاطفيّة. أمّا عبير فتبقى وحيدة بعدما تأخّرت عن إدراك أهميّة الحب واختارت الارتباط بالمادّة.
في النهاية، يبقى ان نعطي شهادتنا المتواضعة: اعمال الراحل برهان علوية تستحق المشاهدة و"خلص" بنوع خاص، فلا تفوتوه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار