لا طائف ولا دوحة على روزنامة باريس | أخبار اليوم

لا طائف ولا دوحة على روزنامة باريس

| الخميس 14 أبريل 2022

"النهار"- روزانا بومنصف

ما تنسجه اوساط سياسية لبنانية في محطات مختلفة لا سيما في ظل اعتياد ان كل ازمة سياسية حادة تستدعي مؤتمرا تنظمه دولة صديقة يرشح لبنانيون كثر فرنسا للعب هذا الدور ليس في مكانه ولا يتمتع باي درجة من الصحة او الدقة. تخطىء هذه الاوساط في الرهان على ان الرئيس ايمانويل ماكرون الذي يخوض انتخابات رئاسية في بلاده قد يعاد فيها انتخابه لولاية ثانية او لا على ان تجرى انتخابات تشريعية في فرنسا في حزيران المقبل وما بينهما او بعدهما من تأليف للحكومة الفرنسية ينصب اهتمامه على لبنان فور اعادة تنصيبه في ١٤ ايار المقبل اذا اعيد انتخابه لولاية ثانية. فلبنان شغل ويشغل الرئيس الفرنسي انما على قاعدة ركائز مختلفة لا يندرج من ضمنها اعادة صياغة النظام السياسي اللبناني حتى لو كان لبنان بات يبدو وكأنه شغله الشاغل في العامين الاخيرين لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠ . فالكلام على اتفاق دوحة ثان او على مؤتمر طائف جديد هو خارج السياق ولا وجود لاي فكرة حول اطلاقه كموضوع او احتمال ولا حتى سان كلو جديدا نسبة الى مؤتمر سان كلو التي جمعت فرنسا فيه ممثلين عن الاحزاب اللبنانية في العام 2007. الركائز الثلاث التي يبني الرئيس الفرنسي رؤيته الاستراتيجية للواقع اللبناني تستند وفق مصادر ديبلوماسية غربية الى الاتي:

اولا : اعادة وضع لبنان بتعدديته وتعقيداته على الروزنامة الدولية وما يعنيه من ضمان استقرار لبنان من ضمن المحيط الاقليمي الذي يتفاعل فيه . وهو الامر الذي حمله في كل زياراته ولقاءاته وحتى من ضمن وساطته مع الدول الخليجية قبل ازمة القطيعة الديبلوماسية لهذه الدول مع لبنان وفي اطار العمل لاعادة الانخراط الخليجي في الايام الاخيرة. فليس خافيا ان فرنسا لعبت دورا مهما في عودة السفير السعودي وليد بخاري الى بيروت فيما كانت لعبت الكويت التي اعادت سفيرها عبد العال القناعي ايضا الى العاصمة اللبنانية دورا لدى الدول الخليجية في تليين بعض المواقف . لا بل ان الافطار الذي اقامه السفير بخاري قبل ايام يمكن اعتباره جزءا لا بأس به من الجهد الفرنسي الذي انصب على التهدئة والحؤول دون تدهور الامور بعد موجة التصريحات الوزارية التي ساهمت في تسعير الامور والتي كانت بمثابة النقطة التي فاضت بها الكأس لدى المملكة السعودية. والزيارة التي قام بها ماكرون الى الرياض كانت اساسية على طريق تجميد التصعيد في العلاقات ومنع تفاقمه وتأثير تداعياته اقتصاديا على لبنان فيما عملت فرنسا على ادخال العراق على خط استقبال الصادرات اللبنانية في ظل الرفض السعودي وكذلك منع تأثر اللبنانيين في المملكة ودول الخليج بتوتر العلاقات . والوساطة الفرنسية بنيت على واقع عدم امكان تخلي الدول العربية عن لبنان وعدم اعتباره قضية خاسرة فيما يحتاج الى المساعدة والدعم ونجاح هذه الوساطة في الاتفاق على الية دعم انسانية وحياتية بعيدا من المؤسسات الحكومية من دون ان يلغي ذلك واجب لبنان التزام القيام بما التزم القيام به لتحسين العلاقات واعادتها الى طبيعتها وبناء الثقة مع هذه الدول.

ثانيا : ان تأهيل الوضع الاقتصادي والمالي يحتل اولوية قصوى في اجندة الرئيس الفرنسي. اذ ان ما يواجهه البلد يقارب الافلاس لان النظام الاقتصادي والمالي بات معطلا . وقد لا يكون خافيا ايضا ان فرنسا لعبت دورا في الاصرار على اتفاق مع صندوق النقد الدولي وجرت مساع مع الاخير لان الصندوق لم يكن يريد ان يفاوض لبنان ولا ان يسمع به على الارجح. ولكن لا خيار اخر من دون الصندوق لان احدا لن يود التعامل مع لبنان من دونه في ظل ما يتجه اليه النزف الحالي لاحتياط المصرف المركزي وعدم دخول اموال اجنبية الى لبنان ما قد يؤدي الى وضع صعب بتحليق سعر الليرة اللبنانية الى سعر خيالي وفصل لبنان عن النظام المالي العالمي. وكان يمكن الاستغناء عن الاتفاق مع الصندوق لو ان كان هناك حدا ادنى من الاصلاح ولكنه المؤسسة الوحيدة راهنا التي يمكن ان تضخ الاموال وان يفتح للبنان بابا للاستثمارات وتوظيفات لاحقة فيه. وتجدر الاشارة الى انه شاءت المصادفة توقيع لبنان الاتفاق المبدئي مع الصندوق قبيل انعقاد مجلس التعاون الخليجي الذي كان يشترط اعضاؤه توقيع الاتفاق على سبيل امتحان قدرة لبنان على التزام الاصلاحات والاتفاق في ما بين اهل السلطة، في ظل رهان على عجزهم عن ذلك ، ما شكل اشارة ايجابية ساعدت في اعطاء دفع للوساطة الفرنسية لضرورة اخذ ذلك في الاعتبار في اعادة الدول الخليجية سفراءهم الى لبنان. ومع ان البعض يعتبر ان مبلغ ٣ مليارات من الصندوق ليست مبلغا يمكن ان ينتشل لبنان، ولكن الاخير لا يملك في المقابل ترف التعالي عن اي مبلغ ولا يملك الاموال لبقاء الدولة فيما يرهن الصندوق تقديم المبلغ المعلن عنه تناسبا مع الخطوات الاصلاحية المتصلة بمعالجة الدين واعادة تنظيم المصارف وتثبيت سعر العملة اللبنانية.

ثالث الركائز في مقاربة رؤية ماكرون الاستراتيجية للوضع اللبناني تقوم على تقديم المساعدات الانسانية للبنانيين فيما ان فرنسا لم تكن تتخيل ان تقدم مساعدات انسانية للبنيين فيما كانت تقدم مع المجتمع الدولي مساعدات انسانية للاجئين . فمساعدة لبنان الذي لديه اخطاؤه كما سائر الدول انما يبقى مستندا الى انه بلد متعدد ومنفتح وحر وديمقراطي وثمة حرص على دعمه في التربية وعدم انهيار او تفكك مؤسساته.

ولا تضعف التكهنات حول امكان استعادة الاكثرية الحالية اكثريتها في الانتخابات المقبلة احتمال سقوط الوساطة الفرنسية او العودة العربية في ظل التحفظات على نفوذ " حزب الله" . فخيار الانتخابات والاصرار على اجرائها في موعدها رسم حولهما خط احمر لانه يعني امتحانا للثقة بلبنان والمحافظة على طابعه الديموقراطي . وهذا لا يقتصر على الانتخابات النيابية بل يطاول ايضا الانتخابات الرئاسية باعتبار ان الاستحقاقات الانتخابية كلها بما فيها البلدية التي تم تأجيلها على غير رغبة الدول المهتمة وفي مقدمها فرنسا، تندرج من ضمن ما اسماه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الدورة الانتخابية المتكاملة التي يجب احترام مواعيدها والتزامها . وربما يشهد لبنان استنادا الى ذلك حالة " شاذة " بحصول الانتخابات الرئاسية في موعدها كما الانتخابات النيابية.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار