كيف ستمضي فرنسا في خطواتها اللبنانية بعد الانتخابات؟ | أخبار اليوم

كيف ستمضي فرنسا في خطواتها اللبنانية بعد الانتخابات؟

| الأربعاء 20 أبريل 2022

باريس تعلم بالتأكيد ان المجلس المنتخب سيكون صورة شبه طبق الاصل عن المجلس القديم

"النهار" - سمير تويني

السؤال المطروح أمام الديبلوماسية الفرنسية التي سعت من خلال مبادرتها في لبنان الى الحثّ على القيام بالاصلاحات الضرورية، هو كيفية التعامل مع الطبقة السياسية اللبنانية الجديدة التي ستنبثق من الانتخابات النيابية؟ وكيف يمكن مقاومة التعطيل الذي قد يشهده مجلس النواب على ابواب الانتخابات بدلا من "الانتاج البنّاء" لقيامة لبنان؟
تقول مصادر متابعة للملف اللبناني انه بعدما تم تأمين اجراء الانتخابات النيابية، رغم محاولات التعطيل العديدة لتأجيلها، فان فرنسا ودولا غربية صديقة حريصة على اجرائها لانها تعتبرها باباً نحو التغيير، علما ان المجلس المقبل سيشكل بأكثريته اعادة تعويم للطبقة السياسية الحاكمة. وستؤمّن هذه المجموعة من الدول الصديقة التابعة لمجموعة دعم لبنان المال اللازم والفرق لمراقبة الانتخابات في الداخل، وتسهيل اجرائها في الخارج وتوفير اجواء ايجابية تقود الناخب الى المشاركة فيها، كما ساعدت مرشحين من المجتمع المدني على تقديم ترشيحاتهم.

والسؤال الآخر هو: كيف يمكن تفسير هذه الاندفاعة الفرنسية، علما ان باريس تعلم بالتأكيد ان المجلس المنتخب سيكون صورة شبه طبق الاصل عن المجلس القديم، وان التوازنات السياسية ستبقى كما هي رغم ان "التيار الوطني الحر" سيخرج من هذه الانتخابات اكثر ضعفا وسيبقى "حزب الله" مسيطرا على المجلس؟

المعركة ستتمحور حول عشرات المقاعد. فالاستثمار الغربي في قوى "المجتمع المدني" كان عقيما، اذ اظهرت هذه القوى عدم جاهزيتها للوصول الى الحكم من جراء تشرذمها ودخولها في متاهات منعتها من توحيد قواها، الى انانية وخلافات قيادات داخل هذا المجتمع صوّرته بانه ابشع واسوأ من الطبقة السياسية الحاكمة.

وفي هذا السياق، لم تعد كثرة من الدول الصديقة التي استثمرت في قوى "المجتمع المدني" تنتظر منه شيئا، وهي عادت كما في السابق الى ارتباطها مع قوى محلية حليفة او تعتبرها قادرة على القيام بهذا التغيير الضروري لاعادة بناء الدولة ومن بعدها البلد، لان لا وجود لبلد من دون دولة.

المشكلة في لبنان لها وجوه عديدة، اهمها الاقتصادي والسياسي، ولا يمكن حل الملفات الاقتصادية والتنموية من دون العودة الى السياسة المحلية وتشعباتها الاقليمية.

وقد اخطأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عندما اعتبر بعد انفجار مرفأ بيروت انه يجب وضع الخلافات السياسية جانبا والاهتمام بالملف الاقتصادي والانمائي لقيامة لبنان الجديد، إذ بدلا من القضاء على الطبقة السياسية الحاكمة اعاد انعاشها باعطائها الوقت الكافي للتعطيل، فارتطم بها بعد اسابيع ورفضت السير بخطته الاصلاحية والانمائية للمحافظة على مصالحها الشخصية. ثم انه لم يحصل اي تقدم واستُنفدت خريطة الطريق الفرنسية وكذلك اموال المودعين من الداعين الى المحافظة على اموالهم، وبدأت الازمات الاجتماعية تتراكم والبلد يتجه من سيىء الى اسوأ مما يهدد الامن الاجتماعي. ولم يتم اعلاء المصلحة الوطنية على كل المصالح والخروج من الازمة الاقتصادية والمالية الراهنة.

وتتسابق الانتخابات مع الانفجار الاجتماعي بسبب اجواء مشحونة بسجلات امنية وقضائية ومصرفية واجتماعية وسياسية. وفي هذا السياق تسعى باريس الى المحافظة على الامن الاجتماعي من خلال تقديم مزيد من الخدمات الاجتماعية بالتعاون مع دول صديقة كالسعودية. ولباريس اهداف في لبنان، اذ اضافة الى انها تريد المحافظة على دورها السياسي فيه، فانها تطمح الى تعزيز موقعها الاقتصادي والثقافي في منطقة تمثل اليوم تقاطعا بين جهات دولية واقليمية عديدة: اميركا وروسيا والصين واوروبا وايران ودول الخليج وتركيا ومصر. وتعتبر ان لبنان ما زال نافذة فرنسا اقليميا رغم العلاقات الوطيدة التي تربطها بعدد من الدول الاقليمية. لذلك فرنسا بحاجة الى حلفاء على الساحة السياسية الداخلية وقد خذلت عددا منهم وخذلها البعض الآخر وقررت اعادة النظر في تحالفاتها المستقبلية، بهدف تعزيز وجودها الاقتصادي، وقد تشكل اي مبادرة فرنسية جديدة مدخلا لها في مجالات حيوية واقتصادية من خلال وضعها خطة لاعادة اعمار البنية التحتية من ماء وكهرباء واتصالات ونقل، كما في القطاع المصرفي والمالي من خلال شركات فرنسية قد تعيد تنظيم العديد من القطاعات كالكهرباء والاتصالات، وقد تعيد من خلال تحالفاتها مع قوى اخرى تعزيز مؤتمر "سيدر" ليتطابق مع المرحلة المقبلة، وهي تعول على الوضع القائم الذي سيلزم الطبقة السياسية التعامل ايجابيا مع الواقع.

تسعى باريس الى وضع ركائز جديدة وليس الى انتاج سلطة جديدة لانها سئمت التعاون مع السلطة الفاشلة الحالية، فالوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي وصل الى حد ينذر بانفجار اجتماعي قد يؤدي الى انفجار امني اذ لم تتدارك هذه السلطة الوضع المأسوي الذي يعيشه الشعب اللبناني. ولن تجد هذه السلطة بعد فشلها الذريع سوى باريس التي يمكنها ان تشكل المحرك الاساسي لاعادة تكوين الاقتصاد، وسيكون موقعها مهما لانه يعود عليها بتأمين الخطط وتوفير المال لتنفيذها، وهي بحاجة الى القيام بمبادرة صادقة والتعاون مع مسؤولين منفتحين على الاصلاح من خلال سلطة تنفذ الاصلاحات البنيوية الضرورية: من رئيس للجمهورية يشكل المحرك الاساسي لهذه الاصلاحات، ورئيس حكومة ينفذ هذه الخطة، ومجلس يتعاون معهما.

ويبدو ان الديبلوماسية الفرنسية بدأت التحضير لخطوات واسعة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، وقد تشكل الانتخابات الرئاسية والحكومة الجديدة الانطلاقة الحقيقية لها. وفي حال التعاون معها بالجدية المطلوبة سيمكنها انهاء "الكابوس" الذي يعيشه لبنان.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار