المعارضة الشيعية تفقد ركناً عندما بدأ جدار "الثنائي" يتصدّع | أخبار اليوم

المعارضة الشيعية تفقد ركناً عندما بدأ جدار "الثنائي" يتصدّع

| الخميس 19 مايو 2022

"النهار"- أحمد عياش

عندما أغمض النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون الثلثاء الماضي عينيه نهائياً، كان يدرك أن قضيّته التي ثابر عليها منذ نحو عقدين من السنين، ألا وهي معارضة ثنائي " حزب الله" وحركة "أمل"، قد لاحت بواكير نجاحها، كما تبدّت في نتائج الانتخابات النيابية. وعندما زرته آخر مرة قبل أسابيع قليلة في مستشفى أوتيل ديو مطمئناً الى صحته، كانت حماسته عالية في مواكبة هذه الانتخابات. ونالني جزء مهم من هذه الحماسة لكوني كنت مرشحاً عن المقعد الشيعي على لائحة "بيروت تواجه" التي خاضت السباق في بيروت الثانية. وبصوت متهدّج وعدني ووفى، بأن يكون أفراد أسرته والمقرّبون منه الى جانبي.

لم تقتصر اندفاعة بيضون على مواكبة الانتخابات فحسب، بل إنه انبرى ليقترح ما يفيد البرنامج السياسي للسباق، مثل أن يتم التعهد في حال الفوز في بيروت بالذهاب الى تنفيذ مشروع مماثل لكهرباء زحلة يشمل العاصمة لحل أزمة الطاقة فيها، أو مثل اعتماد حافلات هيدروليك لتوفير النقل الرخيص والصديق للبيئة في المدينة. ولا يكتفي بيضون بطرح ما يقترحه فحسب، بل يقدّم ما لديه من معطيات تؤكّد صوابية الاقتراع.

لم يقدّم بيضون نفسه يوماً، على أنه معارض شيعي، بل كان يتطلع دوماً الى أن يكون جزءاً من معارضة وطنية عابرة للطوائف، وقد جسّد ذلك فعلياً في آخر سني العمر من خلال المشاركة الفاعلة في قيام "حركة المبادرة الوطنية" الى جانب رفيقه المعارض الوطني البارز فارس سعيد وشخصيات بارزة على هذا المستوى منها أحمد فتفت ورضوان السيّد وتوفيق كسبار وآخرون. وفي مناسبات عدة من محطات المعارضة، كان يتطلع الى بكركي كموئل وطني لمواجهة مشروع الهيمنة الإيرانية الذي يجسّده "حزب الله" وأداته العهد الحالي. أما انتقاده حركة "أمل" وزعيمها الرئيس نبيه بري، فقد كان حاداً خصوصاً لناحية الانحدار الذي تسبب به الأخير لمجلس النواب طوال رئاسته له منذ 30 عاماً.

لم يفت المعارض الراحل القول دوماً، "إن الطائفة الشيعية أعطت أفضل الكوادر والنخب عندما كان جيل الإباء ماسحي أحذية، بينما في زمن ثنائي بري-نصرالله، أنتجت الطائفة موالين يقودهم الزعيم الى التهلكة كما فعل حزب الله بآلاف الشبان الذي لقوا حتفهم في حروب الحزب بدءاً بسوريا وصولاً الى اليمن مروراً بالعراق، إضافة الى تحويل لبنان منصّة لصناعة الكبتاغون وتصديره".

تحت عنوان "تهافت الشيعية السياسية وتخلّفها" كتب بيضون عام 2017 يقول: "الشيعية السياسية، هي حجر الأساس في وضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية منذ الانسحاب السوري عام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، ومنذ يوم الجريمة الإرهابية التي قام بها حزب الله والميليشيات التابعة له يوم 7 أيار 2008 باحتلال بيروت وترويع أهلها... المهم، نشهد اليوم الشيعية السياسية عارية من أيّ تأثير سياسي، أو قوة سياسية تفيد البلد وتقدّمه... تملك فقط القوة العارية، أي السلاح والميليشيات. قوة غاشمة، لم تجلب الى البلد سوى الانهيار والفساد المعمّم والصراع المذهبي ممزوجاً بالنفاق الطائفي".

أما في آخر عام 2018، فكتب بيضون يقول: "انتقل لبنان من ولاية الفريق (الأسد)، الى ولاية الفقيه، أي كما يقال بالعامّية "من الدلف الى تحت المزراب". وكأنما الولاية الأولى لم تمعن في إضعاف الدولة وتخريب مؤسساتها، فجاءت الولاية الثانية، لتقود الى الانهيار، وإلى واقع الدولة الفاشلة بكل المعايير. واليوم، ليس من همّ أو هاجس لدى اللبنانيين، سوى الانهيار على مختلف الصعد، وخاصة الصعيد الاقتصادي والخدماتي الذي أوصل لبنان من واقع سويسرا الشرق قبل حرب عام 1975، الى واقع ضاحية من ضواحي طهران، أي أعلى درجات التردّي والتدهور والفوضى غير الخلّاقة مع طبقة سياسية صارت مزمنة كالأمراض المزمنة، تتمسّك بعروش السلطة المتهالكة منذ عقود، وليس لها دور سوى خدمة الوصايات والإمعان في تحقير البلد وإذلال اللبنانيين ونشر الفساد والافساد".

"من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، يقول السيد المسيح. من "خطايا" الراحل أنه كان لفترة طويلة مسؤولاً بارزاً في حركة "أمل" التي يتزعمها الرئيس بري منذ إطاحة رئيسها السابق حسين الحسيني في زمن الوصاية السورية قبل نحو ثلاثة عقود. لكن بيضون واتته الفرصة للكلام عن مؤسس الحركة الإمام موسى الصدر، فكتب لمناسبة الذكرى الأربعين لغياب الإمام تحت عنوان "موسى الصدر يخجل أن يلفظ هؤلاء اسمه"، قائلاً: "الإمام موسى الصدر دفع حرّيته وحياته ثمناً لموقف تفرّد به عام 1978، وهو رفض أيّ وجود لميليشيات مسلحة في جنوب لبنان، وتشديده على سيادة الدولة اللبنانية على الجنوب، وعلى اعتبار قرار الجنوب قراراً محض لبناني، لا تشاركه فيه أيّ دولة أخرى، أكانت شقيقة أم صديقة. ذهب الى سوريا بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978، مطالباً بإنهاء الوجود الميليشياوي الفلسطيني في الجنوب، فأحاله السوريون على القذافي، متهرّبين من مسؤولياتهم، وعارفين سلفاً بما ستكون عليه ردة فعل القذافي ومصير الصدر". وخلص بيضون الى القول: "ثلاثية الصدر هي: المواطن، الدستور، السيادة، أما ثلاثيتهم فهي الوصاية والسلاح والفساد. القذافي غيّبه مرّة واحدة، وهم غيّبوه أربعين مرّة".

كل الكتابات التي أسلفنا العودة إليها هي جزء من كتاب الراحل الذي حمل عنوان "أم على عقول أقفالها" الصادر بداية عام 2019 عن دار الريّس.

لو امتدّ العمر ببيضون حتى آب المقبل، لكتب مجدداً: "القذافي غيّبه مرة واحدة، وهم غيّبوه أربعاً وأربعين مرّة".

لكنه شهد بداية تصدّع جدار "الثنائي"، الذي يئنّ الآن من مطارق التغيير والسيادة، وكأننا نعيش حالاً كحال جدار برلين الذي كان انهياره عام 1989، رمزاً لبداية ولادة ليس في ألمانيا، بل في العالم قاطبة.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار