من مزارع شبعا إلى البحر: ما حدود المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟ | أخبار اليوم

من مزارع شبعا إلى البحر: ما حدود المواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟

| الأحد 12 يونيو 2022

إذا سارت الأمور على ما يُرام فإن بإمكان لبنان تحضير نفسه للتنقيب والحفر
 

سعد الياس ـ «القدس العربي»

تعدّدت القراءات لإطلالة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله التي هدّد فيها السفينة اليونانية التي وصلت إلى حقل «كاريش» للبدء باستخراج النفط والغاز، طالباً سحبها، ومعتبراً «أن كل إجراءات العدو لن تحمي عملية الاستخراج من حقل كاريش» مشبّهاً القضية «بتحرير الشريط الحدودي المحتل» ومؤكداً «أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وهدفها منع العدو الإسرائيلي من البدء بإستخراج النفط».

وقد رأى بعضهم في كلام نصرالله وفي الرد الإسرائيلي عليه لغاية الآن مجرد حرب كلامية، إذ لا حزب الله ذهب في التهديد إلى نقطة اللاعودة ولا الرد الإسرائيلي جاء عنيفاً بل عبّر عن قلق من هجوم بطائرة من دون طيار أو من إطلاق صواريخ في اتجاه المنصة.
لكن البعض الآخر قرأ في إطلالة نصرالله جدية في التهديد وتحضيراً للأجواء وهذا ما جعل أوساطاً في داخل تل أبيب تدعو الجيش الإسرائيلي إلى التأهب ووضع قوات كافية حول المنصة والاستعداد لسيناريوهات أمنية من بينها هجوم بطائرة من دون طيار أو إطلاق صواريخ.
وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي يتحدث بها نصرالله بهذه النبرة حول ترسيم الحدود البحرية فلأنه يريد أن يكون صاحب القرار الأكبر وأن يتم الرضوخ لشروط سياسية قبل التوقيع على ترسيم الحدود واستخراج الغاز، أبرزها أن يكون هناك دور لإيران يحفظ مصالحها في أي صفقة. ففي نظر حزب الله إن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل هو امتداد لترسيم العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وكلما نضجت مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني نضج ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وكلما تعثّرت هذه المفاوضات كلما تعثّر الترسيم. وهذا ما جعل نصرالله يخرج في هذا التوقيت ولينتقل من القيادة الخلفية إلى القيادة الأمامية المباشرة وليهدّد ويتوعّد، وليظهر عجز الدولة عن الإمساك بالقرار وينزع عنها صفة المفاوض الوحيد بإسم لبنان.
قبل ذلك، لم تكن لهجة حزب الله وإسرائيل توحي أن الطرفين يسعيان للدخول في مواجهة عسكرية على خلفية النزاع حول ترسيم الحدود البحرية وتعدد الخطوط، إدراكاً منهما أن هذه المواجهة لن تكون محدودة زمنياً وجغرافياً. من هنا، جاء موقف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المعوّل على استئناف مفاوضات الترسيم والمهدئ بقوله «إن إسرائيل لن تستخرج الغاز من المنطقة المتنازع عليها مع لبنان» فيما حزب الله، الذي لطالما تلطّى خلف موقف الدولة اللبنانية وضع قرار الحرب والسلم للمرة الأولى بعهدة السلطات اللبنانية من باب إبداء جهوزيته للدفاع عن السيادة اللبنانية متى حدّدت الدولة حدودها، الأمر الذي أخفى قبولاً ضمنياً بمعالجة أزمة الحدود طالما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو في أجواء المفاوضات وطالما أن حليف الحزب رئيس الجمهورية ميشال عون يشرف عليها.
وكان البعض نبّه من بعض المواقف التي يمكن أن يستغلها حزب الله لخلق «شبعا بحرية» بموازاة «شبعا البرية» لتبرير الإبقاء على سلاحه، وبرز في هذا الإطار موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي انتقد «المزايدات في ترسيم الخطوط البحرية حيث أصبحت وبسحر ساحر غالب قوى التغيير والسيادة على يسار أطراف الممانعة» قبل أن يعود لينبّه من «أننا في غنى عن عميد حطيط جديد، يتقمّصه عام 2022 العميد ياسين» في إشارة إلى رئيس الوفد العسكري المفاوض العميد بسام ياسين.
وبدا أن هذه المزايدات أحرجت حزب الله الذي تلقّى اتهامات بالتنازل عن السيادة على المنطقة المتنازع عليها تزامناً مع اتهام رئاسة الجمهورية بالأمر نفسه وباعتبار الخط 29 خطاً تفاوضياً في مقايضة مع الإدارة الأمريكية على رفع العقوبات عن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وقد دفع هذا الأمر بنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي يفاوض من قبل العهد ويستعد لاستقبال هوكشتاين في منزله يوم الاثنين إلى القول إن الخط 29 لم يكن أصلاً خطاً حدودياً بل تفاوضياً وبأن رئيس الوفد العسكري المفاوض آنذاك العميد بسام ياسين كان يتحدث في لقاءاته مع الرؤساء عن غير الخط 29 ويعتبر الحصول على الخط 23 إنجازاً تاريخياً.
وفي انتظار قدوم الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين حُكي أن الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي متوافقون بشكل عام على موقف موحّد تجاه اقتراح هوكشتاين الذي ينطلق من الخط 23 ويقضم جزءاً من حقل قانا، قبل أن ينحني باتجاه خط هوف، ويقضم قسماً من البلوك الرقم 8 لمصلحة إسرائيل. وهذا الموقف سيعبّر عنه الرؤساء بتقديم ملاحظاتهم على اقتراح هوكشتاين، وسيطالبون بمساحة بحرية إضافية تصل لغاية 80 كيلومتراً مربعاً لتشمل كامل حقل قانا مع استمرار الامتناع عن التوقيع على تعديل المرسوم 6433 ليشمل الخط 29 كما طالب آنذاك رئيس الوفد العسكري المفاوض الأمر الذي يعني لو تم التعديل إقفال باب التفاوض وفتح الباب أمام تصعيد.
لكن بعد إطلالة نصرالله، لوحظ أن الرئيس نبيه بري تمسك أكثر بإتفاق الإطار الذي هو في نظره القاعدة التي يجب الالتزام بها لتثبيت مبدأ التفاوض غير المباشر والحقوق، وذكرت مصادر عين التينة أن لبنان لم يلتزم بأي خط نهائي مراعاة لعملية التفاوض لكنه لن يتخلى عن الهامش بين الخطين 23 و29 وترك آلاف الكيلومترات سائبة للعدو.
هذا الضياع بين الخطوط أدى إلى تخبّط لبناني أفادت منه إسرائيل التي أطلقت الأعمال في حقل «كاريش» الذي لا يُعتبر لغاية تاريخه ضمن منطقة متنازع عليها طالما لم يتم تعديل المرسوم 6433 في وقت كان الوسيط الأمريكي ينتظر جواباً لبنانياً موحداً.
ويرى بعضهم أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة أظهرت فشلاً في التعاطي مع ملف الحدود البحرية، قبل أن تنقلب قواعد التفاوض عندما قدّم الجيش اللبناني خرائط تثبت أن الحدود اللبنانية البحرية تصل إلى النقطة 29 التي تقضم نصف حقل «كاريش» ما جعل الوفد الإسرائيلي المفاوض يلوّح بالعودة إلى الخط الرقم 1 أي إلى ما بعد خط هوف الذي رسمه الموفد الأمريكي فريديريك هوف والذي منح لبنان ثلثي المساحة التي يطالب بها من الـ 860 كيلومتراً مربعاً مقابل منح إسرائيل الثلث.
أما أموس هوكشتاين فرسم خطاً متعرّجاً يقع بين الخطين 23 و29 يعطي إسرائيل حقل «كاريش» بكامله ويعطي لبنان ثلثي حقل «قانا» ما يعني أن الدولة اللبنانية عادت لتحقق تقدماً بعد العثرات في موقفها على مدى سنوات.
وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن ما توصّل إليه لبنان هو أفضل مما تمّ التوصل إليه في اتفاق الإطار، وإذا سارت الأمور على ما يُرام فإن بإمكان لبنان تحضير نفسه للتنقيب والحفر في البلوكات الجنوبية والاستفادة من ثروته النفطية في ظل حاجة أوروبية إلى غاز الشرق الأوسط بعد أزمة الغاز الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، أما الانزلاق إلى التهديد والمزايدات فسيحرم لبنان من امكانية استخراج الغاز وسيُدخله في مواجهة مجهولة.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار