أيّ حسابات لفرنجية بعد "النكسة" في طموحه الرئاسي؟ | أخبار اليوم

أيّ حسابات لفرنجية بعد "النكسة" في طموحه الرئاسي؟

| الأربعاء 15 يونيو 2022

 "النهار"- ابراهيم بيرم

لم يكن قد مرَّ إلا أقل من 48 ساعة على ظهور نتائج الانتخابات النيابية، وتحديدا في الدائرة الثالثة من الشمال، والتي كشفت "نكسة" لا يستهان بها لتيار "المردة" بسقوط اثنين من مرشحيه المباشرين ونجاح يتيم لطوني فرنجية، حتى خرج رئيس التيار سليمان فرنجية على احدى الشاشات المحلية ليطلق خطابا خلا من أيّ مظاهر الانكسار والتراجع والشعور بآثار تلك "النكسة"، بل انطوى هذا الخطاب على عناصر ذات طبيعة "هجومية" متفائلة، اذ اكد في تلك الاطلالة انه ما انفكّ يجد في نفسه مرشحا جادّا وجدّيا لمنصب الرئاسة الاولى، متجاوزا كل الآثار السلبية التي أفرزتها تلك النتائج.

وفي الخطاب التالي الذي القاه قبل ايام في ذكرى "مجزرة اهدن"، بدا فرنجية مستأنفا الهجوم المضاد الذي كان بدأه غداة الانتخابات، اذ جدد انتسابه الصريح الى محور سوريا - "حزب الله" بعدما سمّاهما بالاسم، معتبرا في رد على الخصوم ان "حزب الله" ليس في حاجة الى غطاء من احد ولا ينتظر مثل ذلك الغطاء، ومصرحا بانه قادر على استيعاب التداعيات السلبية التي ظهرت عنده بعد فرز نتائج انتخابات 15 أيار.

وفي موازاة ذلك، عمد المحيطون بفرنجية الى تصعيد الخطاب الاتهامي لحزب "القوات اللبنانية" ورئيسه سمير جعجع بعدما تعمّد فرنجية خلال الاعوام الثلاثة التي تلت الخطوة التهادنية بينه وبين فريق "القوات"، اطلاق خطاب عام وحمّال أوجه.

وبمعنى آخر، خطا فرنجية بحسب دائرة المقربين منه الى حد بعيد الخطوات الاولى في رحلة الألف ميل لامتصاص آثار "النكسة" وانطلق في هجوم سياسي مضاد على خريطة المؤهلين لخوض غمار السباق الى مقام الرئاسة الاولى.

لا شك في ان الوقائع والمعطيات التي ينطلق منها فرنجية لكي يقف على خط السباق الرئاسي لكسب قصب السبق الى قصر بعبدا متعددة. فهو قبل نحو ستة اعوام سلّم بان يعلن سحب ترشحه لمنصب الرئاسة الاولى ويخلي الطريق امام العماد ميشال عون تلبية لتمنٍّ شخصي من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وطوى صدره على اعتقاد بان نصرالله لا يمكن إلا ان يردّ على التحية بأحسن منها لاحقا، وان الامر صار عبارة عن "بيعة" في عنق الاخير.

وثمة عامل تشجيع آخر يتجسد في مأدبة "افطار المصالحة الرمضاني" وتهدئة النفوس، والتي جمع فيها نصرالله فرنجية ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل. وعلى رغم انه لم يكن لهذا الافطار ترجمته العملانية في الانتخابات وتحالفاتها، إلا انه عُدَّ طياً لصفحة مرحلة وفتحاً لصفحة جديدة انتفت بعدها كل مفردات الخطاب العدائي الذي تبادله الطرفان مدى اعوام لتحلّ محلها لغة مغايرة اكثر طراوة.

في المعلومات المتوافرة عن ذاك اللقاء في الضاحية الجنوبية تأكيد بان نصرالله لم يعطِ وعداً قاطعاً لأيّ من ضيفيه، لكن ثمة من سرّب لاحقا ان فرنجية بنى على مقولة وردت على لسان السيد خلال الافطار فحواها: اننا نرى ان المطلوب رئيس مقبل للبلاد يمتلك قابلية الانفتاح على مكونات الداخل وجهات الخارج. ليستنتج انه يتحلى بهذه الصفة لان الضيف الثاني مكبل ومثقل بالعقوبات الاميركية الموضوعة عليه منذ زمن.

في الاعتقاد غير المحكي لأركان في تيار فرنجية ان "حزب الله" حليف الطرفين قد أوفى الكيل والميزان للتيار "البرتقالي" بدءا من الاصرار على ايصال عون الى الرئاسة، مرورا بالجهود الاستثنائية التي بذلها الحزب في جولة الانتخابات الاخيرة في كل الدوائر بغية تأمين التفوق لكتلة التيار "البرتقالي"، وعليه صار لزاما على الحزب الانطلاق في رحلة الايفاء لزعيم "المردة" الذي ما اخفى في اطلالته الاخيرة صموده على التحالف مع الحزب، وهو امر لا يتوافر للحزب إلا معه.

معطى آخر يضعه الفريق المحيط بفرنجية في حسابات ما يعتبره "ايجابيات" وهو يعدّ العدة لخوضه غمار المعركة الرئاسية، ويتجسد في مضامين التفاهم القديم الذي ابرمه مع رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري يوم سمّاه مرشحه للرئاسة قبل ان يدخل في عباءة الاتفاق الرئاسي مع عون وفريقه. فهؤلاء ما زالوا يرون ان هذا التفاهم ما برح ساريا وصالحا رغم تقادم الزمن. وعليه، فان فرنجية يعتبر ان النواب الثمانية الذين يحبذون ان يُطلق عليهم مصطلح "قدامى تيار المستقبل" هم في عداد الذين سيمحضونه اصواتهم عندما سيدور صندوق الاقتراع في مجلس النواب بعد اربعة اشهر ونيّف.

ولأن فرنجية وفريق عمله يقاربون المعركة بمحاولة الابتعاد عن الاوهام والشطط في التقديرات، فانه على دراية تامة بالعوامل السلبية وتلك الايجابية التي تصبّ في ميزان معركته. فهو مثلا يعرف ان باب النجاح في المعركة يكون بتأمين نصاب الثلثين القانوني لانعقاد جلسة الانتخاب وهو 86 نائبا. والرهان هنا ليس على الداخل ومعادلاته، رغم اهميتها، بل هي ستكون ثمرة "صفقة خارجية كبرى" تغطي عملية تأمين النصاب المنشود.
وأمر آخر يقر به هؤلاء المحيطون وهو اهمية ان يسير باسيل في خيار فرنجية رئيساً بغية تأمين "التغطية المسيحية". وفي هذا السياق فان لدى الفريق المولج بهذا الملف في محيط فرنجية ثلاثة احتمالات:

- الدور الذي يمكن لـ"حزب الله" ان يؤديه في الضغط على باسيل.

- ان يقبل باسيل نفسه الجنوح نحو "صفقة" سياسية تحقق له مكاسب تعوضه عن خسارة رهانه على الرئاسة الاولى.

- انه عندما تحين ساعة الاستحقاق فان في داخل كتلة "التيار" من سيكون له صوت مميز.
حساب الاحتمالات التي يجريها هذا الفريق لا تتوقف عند هذه الحدود. فهم يعرفون تماما دور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ولهذه العقدة عند الفريق إياه احتمالات وحلول وخيوط، لاسيما اذا ما كان التوجه لإبرام تسوية وطنية شاملة حيث سيكون للرئيس نبيه بري وصديقه الكلمة الفصل والدور الريادي في تدوير الزوايا.

حسابات بالغة الدقة تُداخِلها احتمالات معقدة، لكن الامر يستأهل التضحية والاصرار والمغامرة، خصوصا ان المُراد ملك سياسي قد لا تتكرر فرصة بلوغه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار