"لشو بدّي كفّي علمي"... طلاب لبنان يسألون فمن يُجيبهم وينجح في هذا الامتحان الكبير؟! | أخبار اليوم

"لشو بدّي كفّي علمي"... طلاب لبنان يسألون فمن يُجيبهم وينجح في هذا الامتحان الكبير؟!

انطون الفتى | الإثنين 27 يونيو 2022

"التشبيح" ليس حكراً على فئة واحدة

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

تحيّة كبرى لبعض طلاب لبنان تحديداً، الذين يُتابعون تحصيلهم العلمي في هذا البلد، وسط أشدّ الظّروف سوءاً، وخلافاً لكلّ رجاء. فهؤلاء قد يشعرون بأنهم يضيّعون وقتهم في الدّرس، وفي إجراء الامتحانات الرسميّة، وفي التّعب الشديد، في بلد الأحلام "المدفونة" سلفاً.

 

استثمار فاشل

وتحيّة كبرى لأهالي هؤلاء، الذين يُكابدون أقصى المتاعب والصّعوبات لتأمين الأقساط، وللدّفع والدّفع والدّفع، بهدف تمكين أولادهم من متابعة تحصيلهم العلمي، الذي لن يُفلحوا باستثماره في بلدهم. فبعضهم سيتحوّل الى مشروع مُهاجِر، وبعضهم الآخر الى مشروع "موظّف المُمكن"، والمتوفّر"، وهو ما يعني أن العلم في لبنان أقرب الى الـ "الاستثمار الفاشل".

 

تلوُّث أخلاقي

مُحزِنٌ جدّاً أن نستمع الى طالب يقول، "لشو بدّي كفّي علمي"، طالما أنه لن يوفّر لي الراحة، ولا العَيْش الكريم، بعد هذا الكمّ الهائل من السنوات المُتعِبَة التي أُمضيها بالدّرس.

والمشكلة الكبرى هي أنه لا يُمكن الاسترسال كثيراً بالجدال مع هذا الطالب، (أو مع تلك الطالبة، ومع من يتكلّمون مثلهم)، طالما أنهم يرون أن "الشبّيحة"، من صاحب مولّد الكهرباء، الى "جابي الموتور"، الى بائع المياه و"الخبّاز" المحتال، وصاحب "الكاراج"، و"الكهربجي"، و"القزّاز"، "النصّاب"، والتاجر المُحتكِر (لا نعمّم طبعاً، ولكن أكثرية مهمّة من الفئات السابق ذكرها، يتوجّب أن تكون في السّجون)... هم الذين "يحكمون" المنازل، والجيوب، و"معيشة" أهلهم، الذين أمضوا بدورهم الكثير من السنوات في التحصيل المدرسي، والجامعي، الى أن انتهى بهم الأمر تحت رحمة من قد لا يُجيدون "فكّ الحَرْف"، ولكنّهم "الحاكم بأمره"، بحُكم الفساد اللبناني الكثير، في بلد مضروب بكلّ أنواع "التلوّث الأخلاقي".

 

نخجل

نكرّر القول إننا لا نعمّم. فـ "التشبيح" ليس حكراً على فئة واحدة. وهو مشكلة عالمية، موجودة حتى في أكبر البلدان، والأمثلة على ذلك كثيرة. كما أن "التشبيح" ليس اختصاصاً لمن لم يُكمِلوا تحصيلهم العلمي، بل اننا قد نجد من شهاداتهم "معبّاية الحيطان"، وهم "من دون مستوى" على أي صعيد، لدرجة أننا قد نخجل من الجلوس معهم، بسبب قلّة أو ربما انعدام "أخلاقيّاتهم".

صحيح أن ما نقوله قد يكون مُحبِطاً لعدد كبير من الناس. وصحيح أننا نحزن عندما نسمع من يقول:"حطّيت كل هالمصاري عا ولادي تايسافروا، ويستثمروا علمون اللّي كلّفني كثير برّا، ومش بلبنان". ولكن الأهمّ هو أن نجد من يُمكنه أن يُقنع نسبة كبيرة من الطلاب بضرورة متابعة تحصيلهم العلمي، رغم النّماذج السيّئة الذي تتحكّم بحياتهم يومياً.

 

دروس

فالتعليم "بالمَثَل" مفقود في لبنان، وهو من أهمّ أنواع التعليم. فلا شيء يعلّم أولادك أن يقوموا بكذا وكذا، وأن يقتنعوا بجدواه، إلا إذا رأَوْكَ أنت تعيشه، وتفعله. ولكن ماذا عن "المَثَل" المفقود في هذا البلد؟ وماذا عن مثل العَيْش الدائم، ومنذ الصِّغَر، تحت رحمة "التشبيح"، وفقدان القدرة على استعمال القانون لإرساء العدالة، تجاه كل مُخالَفَة، واحتكار، وسرقة، و...؟

وماذا نعلّم أولادنا في المدارس؟ وما هي دروس التربية المدنية التي سيخرجون لـ "استثمارها" في الحياة؟

وأي استقلال لبناني، وهويّة لبنانية نعلّمهم، وأي ثبات للأجداد ننقل إليهم، عندما سيخرجون الى "السوق" اليومي، ويجدون أن كلّ شيء في هذا البلد، "مضروب"؟

 

كيف؟

وكيف يمكن لمسؤول لبناني، أن يحدّثنا عن الاستثمار في الأجيال الصّاعدة، وفي عالم التربية، وعن تأمين مساعدات خارجية للحفاظ على مستوى التعليم في لبنان، طالما أن كل ذلك يتحطّم "على صخور" الفساد، و"الزّحف" في هذا البلد، منذ الصِّغَر، ومن دون أي كرامة؟ وطالما أن الطالب الذي "يفني" نفسه بالعلم نهاراً وليلاً، وبتحمّل اكتئاب الامتحانات، والقلق على المستقبل، يخرج الى "السوق" ليجد أن "الشبيحة" يتحكّمون بحياته، وبما يحوّل ماضيه المُتعَب مدرسيّاً وجامعياً، الى أضحوكة؟

 

استثمار

وكيف يمكن لمسؤول لبناني أن يحدّثنا عن الاستثمار في الأجيال الصّاعدة، طالما أن الطالب الذي أفنى حياته مدرسيّاً، وجامعياً، قد يتحوّل الى مشروع "موظّف" في إحدى الدول الخارجيّة، التي ما كانت لتستحقّ أن تكون دولة أصلاً، لولا بعض ما تمتلكه من ثروات، وأموال؟ (بغضّ النّظر عن أن حكامها أجادوا استعمال ما لديهم).

وكيف لمسؤول لبناني، أن يحدّثنا عن الاستثمار في الأجيال الصّاعدة، إذا كانت تلك الأجيال عاجزة عن توفير الدّواء، والخبز، وأساسيات الحياة... لـ "تيتا وجدّو"، الآن، ولـ "البابا والماما"، في ما بَعْد، إلا بالسوق السوداء، والتمنّي، والترجّي...؟؟؟

 

100 عام

الحياة تشتدّ صعوبة في هذا البلد. ولكن لا يجوز لكل تلك النّماذج السيّئة أن تكون مادّة لبثّ التراخي في نفوس الأجيال الصّاعدة، ولإبعادهم عن التحصيل العلمي. وهنا مشكلة أخرى، إذ إن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المدارس أيضاً، فيما إدارات تلك الأخيرة، والكبرى منها بنسبة مهمّة، تُظهِر ما يتعارض مع ما هو موجود في الكتب المدرسيّة.

لا عالم "طوباويّاً" على هذه الأرض. ولكن الاستقامة الذّاتية ضرورية، ولو فسدت الأرض كلّها. وما على الطلاب الذين يسألون عن جدوى  القهر، والعذاب، والدّراسة...، إلا أن يعلموا أن المتاعب التي قد يختار بعضهم الهرب منها في قاعات الدراسة، سيجدونها هي نفسها، وأشدّ منها، في مُستنقعات الحياة الكثيرة، والى أن يسلّموا النَّفَس الأخير، ولو بعد 100 عام.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار