إطلاق المسيّرات مستمرّ... وخطر المواجهة العسكرية قائم | أخبار اليوم

إطلاق المسيّرات مستمرّ... وخطر المواجهة العسكرية قائم

| الإثنين 01 أغسطس 2022

"النهار"- سركيس نعوم

يبدو أن "حزب الله" الذي وضع نفسه خلف الدولة في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مفسحاً لها في مجال التوصّل الى اتفاق نهائي حوله بمساعدة الولايات المتحدة، بدأ يتقدّم عليها. ظهر ذلك في وضوح في أثناء الحلقة التلفزيونية الطويلة، إذ استمرّت ثلاث ساعات ونصف الساعة، التي استضافت فيها فضائية "الميادين" أمينه العام السيد حسن نصرالله.

يبدو أيضاً أن الدولة اللبنانية لا تزال تراهن على المسعى الذي تبذله واشنطن مع لبنان وإسرائيل من أجل اتفاقهما غير المباشر أي بواسطة مبعوثها آموس هوكشتاين على ترسيم تفصيلي نهائي للحدود البحرية بينهما، يمكّن الأول من بدء التنقيب الفعلي عن الغاز والنفط في مياهه الإقليمية بواسطة شركات دولية جدّية، ويمكّن الثانية من استخراجهما من مياهها الإقليمية وبدء تصديرهما الى أوروبا المحتاجة إليهما قبل حلول فصلي الخريف ثم الشتاء الشديدي البرودة فيها. يبدو أخيراً أن إسرائيل بدورها تنتظر عودة هوكشتاين الى لبنان بل الى المنطقة للاطلاع منه على نتائج مساعيه اللبنانية. لكن انتظارها مشوب بالقلق ولا سيما بعد التهديدات التي أطلقها قائد "حزب الله" بعد بدئه إرسال مسيّراته فوق منصّة "كاريش" أي في الأجواء الإقليمية لإسرائيل. ذلك أنها تخشى أن يتسبّب ذلك بحرب متعمّدة أو نتيجة صدفة أو خطأ معيّنين. وهي لا تريدها على ما يبدو ليس خوفاً على كيانها والوجود كما تقول، بل حرصاً على تجنيب مواطنيها ومرافقها الحيوية وبناها التحتية خراباً ودماراً من جرّاء الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة التي يمتلكها "الحزب" وبالآلاف. طبعاً لا يقتصر القلق على إسرائيل إذ يعمّ في الوقت نفسه اللبنانيين و"دولتهم" المشلّعة، وكأنه لا يكفيهم انحلال الدولة بمؤسساتها الدستورية والإدارية والانهيار غير المسبوق النقدي والاقتصادي والمصرفي والفلتان الأمني والذل والفقر، ومع ذلك كلّه عدم التوافق على دور حاسم للجيش والأجهزة الأمنية. وهذا أمر يعطّله رغم كفاءة قيادته وجنوده والرتباء.

طبعاً تناول الإعلام اللبناني موضوع مسيّرات "حزب الله" كثيراً في الأسابيع الأخيرة. لكن تبقى هناك حاجة الى مزيد من التعمّق في هذا الموضوع لأن استعماله لا بقصد المناورة فقط وتوجيه الرسائل لم يعد مستبعداً. لهذا استعان "الموقف هذا النهار" بمتابعين لبنانيين من قرب لـ"حزب الله" في لبنان وخارجه. وقد أكد هؤلاء من جديد "أن موقف "حزب الله" واضح. فهو لا يقبل أن يجوع الشعب اللبناني في الوقت الذي تستخرج فيه إسرائيل نفطها وغازها وتبيعهما لأوروبا المحتاجة إليهما والى غيرها بأسعار مرتفعة من جرّاء الأزمة العالمية المعروفة. وقد أطلق "الحزب" مسيّرة أولى قبل بدء تداول استعمال المسيّرات للضغط من أجل ترسيم الحدود على نحو يحفظ حقوق لبنان. كانت المسيّرة غير مسلّحة، لكن دفاعات إسرائيل لم تلحظها فعادت لكنها لم تصل الى قاعدتها لأن حجمها كان صغيراً جداً أو لأن عطلاً أصابها ما أدّى الى سقوطها في البحر. في المرة الثانية أرسل "الحزب" ثلاث مسيّرات حلّقت فوق منصّة "كاريش" والباخرة "إينرجيان". لكن الطيران الحربي الإسرائيلي لم يتمكّن من إسقاط أيّ منها، فاستعان بسلاحي المدفعية وصواريخ وتم إسقاط اثنتين. لكن الثالثة كادت تنجو لولا أن لحقت بها زوارق حربية صغيرة فتمكّنت من إصابتها وإسقاطها. السبب في ذلك كله كان صِغر حجم المسيّرات".

ماذا يعني ذلك؟ أجاب المتابعون اللبنانيون أنفسهم ومن قرب لـ"حزب الله": "يعني أموراً عدة. أولها أن لدى "الحزب" أنواعاً كثيرة من المسيّرات تستطيع أن تستكشف وأن تؤذي. ثانيها أن "الحزب" ليس في حاجة الى طائرات حربية. فالصواريخ هي وسيلة دفاعه رداً على كل غارة جوّية إسرائيلية عليه أو على لبنان، ولديه عدد كبير منها وأذاها كبير جداً. ثالثها أن المسيّرات يمكن أن تحمّلها أسلحة تنفجر فور إصابة الأهداف المحدّدة. هذه السياسة – الاستراتيجيا تشبه الى حدّ كبير سياسة إيران التي تعتمد في دفاعها على الصواريخ المتنوّعة وقد صارت عندها ترسانة كبيرة منها لا على الطيران الحربي لأن الحصار والعقوبات منعاها من تأسيسه. وهذا أمر يُقلق إسرائيل والغرب اللذين حاولا مرات عدة إدخال المشروع الصاروخي الباليستي الإيراني في مفاوضات فيينا الهادفة الى إحياء الاتفاق النووي ولكن من دون أيّ نجاح". ما الهدف من إرسال المسيّرات؟ يجيب المتابعون أنفسهم: "هدف إرسال المسيّرات الثلاث واضح وهو إقناع أوروبا المحتاجة للغاز بأن إسرائيل لن تستطيع أن تزوّدها به ما لم يتم ترسيم حدودها البحرية مع لبنان وبدء الأخير التنقيب عن النفط ولاحقاً استخراجه. ذلك يحتاج الى موافقة الشركات المتخصّصة والى العمل بدقة وجدّية. أما التذرّع بالعمل لإعطاء إسرائيل الفرصة لاستغلال غازها والنفط فلن يخدع "الحزب" الذي سيعود فوراً الى تنفيذ سياسة منعها من الاستمرار في مخطّطها وإن أدى ذلك الى حرب أو معارك. أما الجديد في مجال لبنان ونفطه وغازه وترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل فهو أن قبول حكومة لبنان رسمياً الخط 23 أساساً للترسيم قد لا يستمر إذا استمرت المماطلة الإسرائيلية وعدم الاستعداد الأميركي لوقفها، إذ هناك مدارس عدّة على هذا الصعيد. فالمدرسة الإنكليزية تعتبر أن 29 هو خط الترسيم الفعلي، وهناك مدارس أخرى تعتبر أن الخط الفعلي يحمل الرقم 31. قبل "الحزب" خط الـ23، لكن إسرائيل تأكدت من وجود نفط وغاز في حقل "كاريش". أما نحن أي لبنان فنتمسّك بحقل "قانا" لأن الجيش أكد وجود هاتين السلعتين فيه. لكن لا يمكن التأكد من ذلك إلا بعد التنقيب. لهذا السبب لن يوافق "حزب الله" على أي استخراج إسرائيلي قبل الترسيم النهائي للحدود والسماح للبواخر والشركات العالمية مثل "توتال" و"إيني" وغيرهما بالعمل من دون ضغوط أي من دون إغرائها للقول بعد التنقيب أن لا وجود للغاز والنفط في قانا أو في الجانب اللبناني من الحدود البحرية".

هل ينجح "حزب الله" في استراتيجيته لضمان حصول الترسيم العادل وللتأكد من وجود نفط في المياه اللبنانية الإقليمية وتالياً لاستخراج نفطها والغاز وبيعهما. لا أحد يعرف. ربما يتسبّب ذلك كله بتوتر عسكري أو ربما بحرب لا يمكن معرفة مداها منذ الآن بين "حزب الله" و(لبنان) وإسرائيل. وحصولها لا بدّ أن يؤخر إنجاز الاستحقاق الدستوري أي انتخاب رئيس جمهورية في الموعد المحدّد له.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار