أخطاء الجميع تسبّبت باحتجاز المطران الحاج في الناقورة | أخبار اليوم

أخطاء الجميع تسبّبت باحتجاز المطران الحاج في الناقورة

| الثلاثاء 09 أغسطس 2022

ليس  كل الذين فرّوا الى إسرائيل بعد التحرير عام 2000 عملاء لها

"النهار"- سركيس نعوم

لا أحد من المسيحيين، بمن فيهم العلمانيون والمؤمنون في آن واحد، شعر بالسرور عندما أوقف حاجز الأمن اللبناني النائب البطريركي المطران موسى الحاج المكلّف متابعة شؤون الرعيّة المارونية لبطريركية إنطاكيا وسائر المشرق في الأردن وفلسطين والقدس و...، وهو يعبر من إسرائيل أي فلسطين المحتلة بلغة الذين يعتبرون أن استعادة التسمية تعني استعادة الوطن السليب أو بدء استعادته. فبعضهم اعتبر أن هناك مسّاً مقصوداً بمقام بكركي وسيّدها بشارة الراعي بعدما انتهج في الداخل سياسة تتناغم مع الأحزاب والقوى السياسية الراديكالية في عدائها لـ"حزب الله" وللـ"الثنائية" التي يقود مع شريكته "حركة أمل"، كما بعدما وفّر لكل هؤلاء رعاية واسعة جعلتهم يصعّدون حملاتهم ضد أخصامهم.

وبعضهم الآخر اعتبر في التعرّض للمطران الحاج مسّاً ببروتوكول موقّع مع بكركي منذ سنوات طويلة يسمح للمطران الذي تنتدبه لمتابعة شؤون رعايا البطريركية في إسرائيل ومحاولة ربّما لتغييره. بعضهم الثالث اعتبر أو بالأحرى تساءل بموضوعية عمّا إن كان المطران الحاج ارتكب جرماً أو مخالفة للقوانين اللبنانية بتحوّله إضافة الى مهمّاته الراعوية والكنسية ناقلاً لتبرّعات اللبنانيين الذين غادروا بلادهم مع الجيش الإسرائيلي الذي تعاملوا معه وحاربوا عنه أحياناً، أولاً ضدّ الفلسطينيين المسيطرين على الجنوب في حينه ولاحقاً ضدّ مواطنيهم الشيعة في غالبيتهم الذين بدأوا حرباً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان بل لمناطقهم فيه.

طبعاً لا يعني ذلك أن كل الذين فرّوا الى إسرائيل بعد التحرير عام 2000 عملاء لها وخصوصاً عائلاتهم التي خشيت انتقام المُحرِّرين منها. لكن لا يعني ذلك أيضاً أن "أرباب" هذه العائلات لم يتعاملوا معها وأنهم يستحقون العقاب في نظر القوانين اللبنانية. لهذا السبب ربما كان على المطران موسى الحاج أن يكون متردّداً في القيام بمهمّة جمع المساعدات المالية من الفارّين الى إسرائيل لنقلها الى عائلاتهم في لبنان، وأن يدقِّق فعلاً في الخلفيات السياسية والأمنية لمرسليها، وأن يطلب من بكركي أيضاً التدقيق في متلقّيها في لبنان تلافياً لأن يصبح هذا العمل "سكّةً" تسهّل "التجنيد" خدمة لإسرائيل ولا سيما في ظل الانهيار الكبير في لبنان والفقر الذي عمّ شعبه بل شعوبه كلها. طبيعي أن ذلك ما كان ليتحقّق من دون التعاون مع السلطة اللبنانية.

طبعاً قد يكون لاحتدام الصراع السياسي بين بكركي وراعيها وبين الجهة صاحبة النفوذ الثابت والأكيد والأوسع داخل الدولة اللبنانية ولقيامها بدور "القيادة" وإن غير العملانية لأعداء هذه الجهة من اللبنانيين وتحديداً المسيحيين، قد يكون لذلك كله دور في تذكّر الرسميين المعنيّين ضرورة تطبيق قوانين مقاطعة إسرائيل وملاحقة عملائها الفارين ومنع عودتها الى استعمالهم لتجنيد أصدقاء لهم وأقرباء في الجانب اللبناني من الحدود. لكن مثلما كان على بكركي وراعيها التحلّي بالحكمة في معالجة هذا الموضوع وليس بعد الحادثة الأخيرة بل قبل ذلك يوم أوقف المطران الحاج على حاجز #الناقورة وفُتّش ووُجدت معه أموال ثمّ أخلي سبيله، ولكن بعدما نُبّه الى ضرورة عدم معاودة الكرّة مستقبلاً. طبعاً عرف البطريرك ذلك في حينه. لكن شيئاً لم يتغيّر وبموافقته. كما أن "المتهمين" باستغلال هذه القضيّة وهم استغلوها فعلاً لم يسرّبوا خبراً عنها الى إعلامهم الرسمي أو الحليف لأنهم ظنوا أن ما حصل لن يتكرّر، وأن بكركي لا بدّ أن تفهم الرسالة. لكنها لم تفهمها في رأيهم فكانت الرحلة الأخيرة للمطران الحاج وما رافقها معروف.

هذه القضيّة الى أين من هنا؟ الحقيقة لا أحد يعرف. لكن يبدو بعدما هدأ السجال الإعلامي بصوت عالٍ حولها أن مساعي إيجاد حلّ دائم لها بدأت. فالبطريرك الراعي استعان بمحامٍ معروف صديق لبكركي من زمان ولفاعليات لبنانية كثيرة ومتنوّعة الانتماءات لمحاولة إيجاد حلّ لهذه المشكلة. لكن ربما يُعاد التذكير بقضيّة مطران ماروني خالف القوانين قبل سنوات طويلة باشتراكه في عملية طبع عملات مزوّرة فكُشف أمره واعتُقل ثم أُرسل الى الفاتيكان حيث عوقب، وذلك تطبيقاً للبروتوكول الموقّع بين السلطة اللبنانية والبطريركية المارونية قبل سنوات كثيرة. طبعاً اكتُشف المطران المُشار إليه يومها بالجرم المشهود. لكن المطران الحاج لا يبدو حتى الآن متورّطاً بأيّ تسهيل للتعامل مع إسرائيل. فهو مصرّ على أنه قام بعمل إنساني واستمرّ فيه. والضجّة التي تسبّب بها توقيفه 8 أو 12 ساعة على حاجز الناقورة ومصادرة جواز سفره وجهازه الخلوي ومصادرة الأموال المقدّرة بـ468 ألف دولار أميركي أسفرت عن السماح له بإكمال رحلته الى بكركي ولاحقاً بإعادة جواز سفره إليه، ولكن من دون الأموال والأدوية. ولا تزال المساعي مستمرة ولكن في هدوء لإيجاد حلّ نهائي للقضيّة. ولا يُعرف حتى الآن ما إن كانت الأموال ستبقى مصادرة، إذ إنها لن تُعاد الى أصحابها في إسرائيل بحكم القانون.

يعتقد بعض العقلاء أن الحلّ المناسب لها هو أولاً السماح بعودة المطران الحاج الى إسرائيل لمتابعة مهمّته الراعوية لكن لفترة غير طويلة يعود بعدها الى بكركي ويبقى فيها الى جانب سيّدها الراعي. الثاني إرساله الى الفاتيكان كي يحاكمه إن كان متورّطاً فعلاً بأمور يعاقب عليها القانون اللبناني. الثالث تعيين مطران آخر مكانه بعد تحديد ثابت لعمله الراعوي بحيث لا يجتهد أو لا يُنفّذ تعليمات قيادته الروحية إن كان فيها ما يُخالف القانون. أما الحل النهائي لقضيّة العملاء الذين فرّوا الى إسرائيل وغير العملاء الذين دفعهم الخوف الى الفرار فقضيّتهم تُحلّ بتنفيذ ما كان نصّ عليه "اتفاق مار مخايل" عام 2006 بين الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله والجنرال ميشال عون رئيس "التيار الوطني الحر" في هذا الخصوص. علماً بأن لعدم تنفيذه سببين، الأول رغبة عون في الرئاسة الأولى بأيّ ثمن. والثاني اكتفاء "الحزب" بالسكوت عن تخفيف الأحكام القضائية على العائدين طوعاً من هؤلاء رغم اعتراضه على ذلك. إلا أن ذلك لم يكن حلّاً. وعلى الاثنين كما على الدولة اللبنانية إيجاد حلّ لهؤلاء أولاً بالتفاهم على التصنيفات الحقيقية لهم. فهل هم منفيّون أم مُبعدون أم فارّون من وجه العدالة أم عملاء؟ في أيّ حال، بدا واضحاً بعد افتضاح ما حصل في الناقورة أن السينودوس الماروني أو اجتماع مجلس المطارنة الموارنة الذي دعا إليه البطريرك الراعي لم يكن مكتملاً، وأن وليد غيّاض الملحق الإعلامي به هو الذي تلا المقرّرات لا مطران مشارك في الاجتماع أو أمين سر مجلس الأساقفة والمطارنة الموارنة. فما أسباب ذلك؟

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار