لو حكى ميقاتي عن خبايا عرض الفيول الإيراني... ماذا كان أفصح؟ | أخبار اليوم

لو حكى ميقاتي عن خبايا عرض الفيول الإيراني... ماذا كان أفصح؟

| الأربعاء 24 أغسطس 2022

لا يمكن لبلد مثل لبنان يعيش على فالق التناقضات والصراعات الاقليمية

"النهار"- ابراهيم بيرم

تختلف القوى والمكونات السياسية في البلاد حول كل القضايا والملفات المتراكمة، لكنها توشك ان تُجمع على أمر واحد هو إلقاء كل التبعات على عاتق رئيس حكومة تصريف الاعمال الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، الى درجة صُوّر الرجل معها في وضع المسؤول الاول والاخير عن كل ما عصف بالنظام والتركيبة من ازمات، ووريث تركة الانهيارات وسوء الادارة والاداء منذ العمل بنظام الطائف الى اليوم.

عمليات "الجلد" تمارَس يوميا بحق الرجل، مقرونة بقلّة حيلته في الدفاع عن نفسه، وهو الفاقد لدعم اي جهة وسند واي قوة منظمة قادرة على شد أزره، وهو ما ادى الى تضييع الراصدين لمسار الامور وما زاد ضبابية المشهد السياسي والمالي وطمس الحقائق وأضاع المسؤوليات ورفع منسوب الفوضى والالتباس.

ولعل آخر الشواهد على "نهج التضييع والتحريف" قصة عرض الفيول الايراني المجاني. هذه القصة بدأت على شكل مزايدة وانطلقت لتولّد مزايدات على ميقاتي فصوّرته بصورة المعطل للاستفادة من هذا العرض "السخي" ما أبقى الحقيقة مخبوءة في ظهر الغيب، خصوصا ان الذين يعلمون تعمّدوا السكوت.

لو شاء ميقاتي البوح عن مكنونات القضية والافصاح عن خفايا اوراقها المطوية، ماذا كان يمكن ان يقول؟

القصة كما يفصح مقربون منه ومطلعون على اسراره تبدأ على خلفية "مزايدة" من سيل "مزايدات" رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الباحث بدأب عن مادة تسعّر الصراع وتؤجج الخلاف وترفع حماوة الاشتباك مع ميقاتي، فكان ان اطلق في احدى اطلالاته الاعلامية مناشدة موجهة بشكل رئيسي الى الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله طالباً منه ان يستخدم رصيده الكبير ويوظف "مَونته" المعهودة على طهران لكي تهب لبنان المحتاج كمية من مادة الفيول من شأنها ان تساهم في تأمين تشغيل اضافي لمعامل توليد الكهرباء في لبنان. ولانه لا يمكن السيد نصرالله إلا ان يردّ بايجابية على مناشدة كهذه، لم تمضِ سوى ايام إلا وأطلّ الرجل كاشفا استعداده للقيام بكل ما يلزم لانجاز هذه المهمة الحيوية شرط ان تبادر الدولة اللبنانية الى تبنّي هذا الطلب وفق الآليات الدستورية والانظمة المرعية الاجراء. أيام قلائل ويحدث ان يستقبل الرئيس ميقاتي السفير الايراني الجديد الواصل للتو في زيارة بروتوكولية توطئة لتقديم اوراق اعتماده ويسارع الى اثارة الموضوع معه وسؤاله عن امكانات التجاوب الايراني. وبطبيعة الحال طلب السفير مهلة لإجابة مقنعة...

لا يخفي الراوون ان ميقاتي كان من البداية مقيما على نوع من التحفظ والشك المسبق بامكانات الاستفادة يقينا منه بالصعوبات التقنية وغير التقنية الحائلة دون وصول هذا العرض الى الخواتيم المنشودة. ومع ذلك كان يبدي وهو يقارب الامر حرصاً على امرين اثنين:
الاول، ان يكون الفيول الايراني المعروض مطابقا لمواصفات ما تحتاجه معامل التوليد اللبنانية لضمان تشغيلها ساعات اضافية.

الثاني، ان تنتهي القضية بنتيجة عملانية مفيدة للبلد الموشك على ولوج العتمة، ولا "يُسوّد" وجه العارض والمستعد للوهب.

وما لبث السفير ان راجع مرجعيته في طهران بخصوص هذا الطلب، ليعود بعد ساعات بجواب موضوعي علمي فحواه ان شكّلوا وفدا مأذونا له يزور العاصمة الايرانية ويبحث مع المعنيين فيها بكل التفاصيل الفنية واللوجستية، اذ ان الامر لا يُبت بالمراسلة. وقد اكد هذا الجواب شكوك ميقاتي وظنونه من البداية فبدأ يتصرف كأنه يصرف النظر عن المسألة لأنها لا تبدو ذات جدوى.

وما زاد هذه القناعة عند ميقاتي والفريق المحيط به انطباع تكوّن لديهم من طبيعة الجواب الايراني ومضامينه وخلفياته اذ بدت طهران كأنها لا تقدّم وعدا قاطعا لإدراكها حجم المتاعب الحائلة، فيما اعتصم "حزب الله" بالصمت، او انه تعمد عدم "المتاجرة" بالامر واستثماره وتوظيفه.

في المضمر، وفق المصدر عينه، ان ثمة يقيناً لدى ميقاتي وسواه من المعنيين والرسميين بانه يصعب حد الاستحالة تجاوز العراقيل والتداعيات مع العقوبات الغربية الصارمة المفروضة على إيران وفي لحظة يشتد فيها الكباش بين طهران وواشنطن اللتين دخلتا مجددا في التفاوض حول اتفاق نووي جديد، واستطرادا لا يمكن لبلد مثل لبنان يعيش على فالق التناقضات والصراعات الاقليمية تحمّل نتائج الإقدام على مثل هذا الخيار الذي يعدّ مغامرة.

ويقدّم المقربون من ميقاتي تجربة لم يمر عليها الزمن، اذ عندما قرر "حزب الله" بلسان سيده استيراد المحروقات من ايران الى لبنان للتخفيف من انقطاع النفط، فان الحزب اقترح في حينه استخدام خزانات ضخمة فارغة في منطقة الزهراني في الجنوب توفيرا للجهد والوقت، لكن الجهة المشرفة على هذه الخزانات رفضت وتمنت على الحزب صرف النظر لأسباب يعرفها الجميع، علما ان هذه الجهة هي حليف وثيق للحزب وجزء لا يتجزأ من "المحور".

والمفارقة انه مع ان الحزب لم يعد الى الاضاءة على موضوع "هبة الفيول"، إلا ان ثمة من ظل مصراً على المزايدة والاستثمار والتوظيف في هذا الملف، خصوصا ان وزير الطاقة نفسه دخل على خط التوظيف والاستثمار من خلال الكلام المنسوب اليه عن انه حضّر حقائب سفره الى طهران وانه ينتظر الاشارة من الرئاسة الثالثة، مع علمه بحقيقة القضية، وواكبه في ذلك محللون صرفوا كل جهدهم للخوض في قضية لا يعلمون جوهرها، أو يعلمون وينكرون.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار