في لبنان: فوضى ولا حرب أهلية... ولا حرب مع إسرائيل؟ | أخبار اليوم

في لبنان: فوضى ولا حرب أهلية... ولا حرب مع إسرائيل؟

| الخميس 25 أغسطس 2022

هل ذلك كافٍ لإقناع "حزب الله" وأمينه العام بعدم التصعيد عسكرياً؟

"النهار"- سركيس نعوم

المتابعون اللبنانيون للأوضاع في بلادهم ولحركة الأطراف السياسيين الأساسيين فيها خرجوا بانطباع الأسبوع الماضي يستبعد نشوب حرب أهلية جديدة فيها رغم الاصطفافات السياسية والإقليمية وحتى الدولية المتناقضة، كما رغم التصعيد الكلامي الذي بدأ يمارسه بعض قياداتهم وفي مقدّمهم المسيحيون.

طبعاً لا يعني ذلك في نظرهم أن القتل من أجل السرقة والخطف من أجل الحصول على فدية والتحرّك الشعبي ضد الذين بفسادهم أفلسوا الدولة وأفشلوا إداراتها وضربوا القطاع المصرفي فخربوا بيوت المودعين وصادروا أموالهم، بل حوّلوها الى الخارج بالتواطؤ مع الكبار الكبار في هذه البلاد، لا يعني ذلك أن هذه الممارسات العفوية منها والمتعمّدة في آن واحد ستتوقّف، بل إنها لن تؤدي الى فتنة فحرب كتلك التي عاشها اللبنانيون بين 1975 و1990. المتابعون أنفسهم خرجوا بانطباع آخر يفيد أن حرباً إقليمية تستهدف لبنان ستستهدف لبنان أو يكون لبنان طرفاً فيها سواء بدولته المنهارة والمنقسمة دولاً ثلاثاً أو بـ"حزب الله" لن تقع، إذ تمتع ولا يزال بتأييد شعبي واسع جداً في بيئته وامتلك ولا يزال جيشاً يفوق المئة ألف مقاتل. كما أنه نجح لاحقاً في تحرير ما احتلته إسرائيل من أراضٍ في الجنوب وبمواجهته حربها عليه وعلى البلاد عام 2006، ثم بتحوّله جيشاً إقليمياً حقّق نجاحاً بالغ الأهمية يوم حمى النظام في سوريا من 2011 حتى 2015 مع جيشها رغم صعوباته في حينه، ويوم صار شريكاً لقوات روسيا في تأمين هذه الحماية وممثلاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية فيها.

هل الاستبعاد هذا للحرب الأهلية في لبنان ولحرب إقليمية يكون هو شريكاً فيها أو بالأحرى ساحتها في محله؟ الاستبعاد الأول في محله على الأرجح رغم أن ما شهده لبنان حتى الآن من انفلات أمني وفشل الدولة وانهيار مؤسساتها باستثناء العسكرية منها ومن إذلال الناس وسرقة أموالهم، كما من احتدام الصراع الطائفي والمذهبي والسياسي والمصلحي بين شعوبه بل بين قادتها لا يُزيل الخوف من تحوّل ذلك كله حرباً أهلية في مرحلة معيّنة. إلا أن استبعاد الحرب الإقليمية قد تكون فيه مبالغة.

المقصود بحرب كهذه هو حرب بين إسرائيل و"حزب الله" واستطراداً لبنان الدولة رغم زوالها العملي الذي ينتظر زوالها الرسمي حين تبدأ مساعي الخارج لإعادة تركيبها وبصيغة مختلفة جزئياً أو كلياً تأخذ في الاعتبار المتغيّرات الكثيرة فيه بدءاً من انقسام شعبه مروراً باختلال ميزان القوى الديموغرافي فيه وعلى نحو بالغ الخطورة. أما الدافع الى حرب إقليمية كهذه فلن يكون هذه المرة على الأرجح حرباً إسرائيلية تهدف الى ضرب القوة الصاروخية الضخمة والمتطوّرة لـ"حزب الله" أو رداً عسكرياً إسرائيلياً كبيراً على عملية أمنية – عسكرية نفّذها "الحزب" داخل إسرائيل. ربما يكون موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل هو الشرارة التي تُشعل حرباً كهذه وتحديداً إذا ما أخفقت أميركا وموفدها الخاص آموس هوكشتاين في التوصّل الى ترسيم يحقّق مطالب لبنان ويسمح لإسرائيل بمتابعة العمل في حقل كاريش بعدما صار الباقي منه فقط استخراج الغاز ونقله بواسطة السفينة اليونانية "إينيرجيان" الى مصر لتسييله ثم إرساله بالسفن الى مستهلكيه الأوروبيين. فالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ومعه "الحزب" بمجالسه وكوادره وعسكره وأمنه وسياسييه وافق على ما اعتبرته دولة لبنان خياراً جيّداً وجدّياً يؤمّن مصالحها وهو اعتراف إسرائيل بالخط 23+ وبملكية لبنان لحقل قانا حتى الجزء منه الواقع في الجانب الإسرائيلي من الحدود البحرية، وبعدم التشارك في الاستخراج وفي البيع وبرفض التخلّي عن جزء وإن بسيطاً من حقول لبنانية أخرى في بلوكات أخرى مثل البلوك 8.

لكنه أعطى في الوقت نفسه لإسرائيل مهلة تنتهي مطلع أيلول المقبل لإنجاز الاتفاق ثم لتوقيعه رغم الاختلاف اللبناني على مكان التوقيع. فرئيس الجمهورية ميشال عون يريد التوقيع في قصر بعبدا كي يعطي الانطباع بأنه أنجز شيئاً مهماً جداً للبلاد بعد إخفاقه في إنجاز أي شيء خلال ولايته. ورئيس مجلس النواب نبيه بري يريد التوقيع في الناقورة برعاية الأمم المتحدة وتحت علمها وفي حضور الولايات المتحدة وذلك كي يؤكد أن دوره في هذا الإنجاز كان حاسماً وكي يمنع عون من قطف ثماره.

ألا يؤثّر إقتراب أميركا وإيران الإسلامية من توقيع "إحياء الاتفاق النووي" بينهما على هذا الموضوع ويحول دون الحرب؟ السيد نصرالله قال علانية وعلى شاشات التلفزة أخيراً إن ذلك لن يؤثر على قرار "الحزب"، وأثبت لإسرائيل بمسيّراته ثم بالفيديو الذي نشره أنه لا يمزح. طبعاً بدأت إسرائيل تتصرّف انطلاقاً من هذا الواقع وتسعى الى تفاديه فأوصلت الى "الحزب" عبر وسطاء طبعاً أن عندها انتخابات عامة في تشرين الأول المقبل، وتخشى أن يستغلّ نتنياهو أبرز منافسيها البالغ التشدّد توقيع الاتفاق قبل إجراء الانتخابات لتعبئة شعب بلاده ضد ذلك وتالياً للفوز. بذلك تخسر الحكومة الحالية وربما لا يعود نتنياهو الفائز مهتماً بترسيم الحدود البحرية مع لبنان إن لم يأخذ في الاعتبار مصالح بلاده وأطماعها وإن تسبّب ذلك بحرب. هذه التطوّرات المحتملة أوصلها الإسرائيليون الى لبنان و"الحزب" بطريقة غير مباشرة طبعاً. لكن جواب الثاني كان عدم التجاوب. الى ذلك يتساءل بعض المتابعين أنفسهم عمّا إن كانت إدارة الرئيس الأميركي بايدن تفضّل إرجاء الترسيم البحري اللبناني – الإسرائيلي كما توقيع إحياء الاتفاق النووي مع إيران الى ما بعد الانتخابات النصفية. لكن هذا التساؤل غير واقعي، إذ إن المرجّح فوز الجمهوريين (الترامبيين) في الانتخابات المذكورة وانتظار ذلك خطأ استراتيجي إذ يمكن أن يصعّب توقيع إحياء النووي أو يمنعه. كما يمكن أن يطيح مساعي الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.

في النهاية قد تجد الشركات المتعاقدة مع إسرائيل على الاستخراج والنقل نفسها مضطرة الى توقيف العمل لـ"صعوبات" فنية ريثما تنتهي انتخابات إسرائيل. بذلك تتلافى الأخيرة الإحراج ويتلافى "حزب الله" إحراجاً مماثلاً إذ إن امتناعه عن الحرب بعد أول أيلول سيكون مبرراً بوقف العمل الاستخراجي والتصديري للغاز من حقل كاريش. فهل ذلك كافٍ لإقناع "حزب الله" وأمينه العام بعدم التصعيد عسكرياً؟

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار