للاستقلال رجاله ولو كانوا فقراء وللذلّ "أشباه رجاله" بأموالهم وقصورهم ويخوتهم!... | أخبار اليوم

للاستقلال رجاله ولو كانوا فقراء وللذلّ "أشباه رجاله" بأموالهم وقصورهم ويخوتهم!...

انطون الفتى | الخميس 25 أغسطس 2022

طرد سبعة طلاب من الأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

صحيح أن لا شيء مثالياً في عالمنا، إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين الشعوب، والبلدان، والحكام... الذين يتفاعلون مع الأحداث، أو يتحكّمون بها، سواء كانت خارجية، أو داخلية.

فالحرية لها "رجالها" (بمعنى صلابة تحمُّل أثمان البلوغ إليها)، وهي صعبة في بعض الدول. والاستقلال مثلها، سواء كان على مستوى الأوطان، أو الشعوب.

 

حقّ

احتفلت أوكرانيا أمس، بعيد استقلالها الـ 31 عن الاتحاد السوفياتي، من دون مظاهر احتفالية فعليّة، بسبب الحرب التي تشنّها روسيا عليها. وهي مُناسبة مهمّة، لشعب يستحقّها، بعرق جبينه، وبدمائه، وهو يقدّم نموذجاً مختلفاً عن بلدان وشعوب كثيرة حول العالم، هي مستقلّة بالفعل، ولكن من "قلّة الاحتلال"، لا أكثر.

فالاستقلال ثقافة، وهو حقّ، لا مناسبة موروثة. وتقرير المصير هو كرامة، معاييرها بعيدة تماماً من مشاهد الشّعوب "الشحّادة" التي تنتشر في منطقتنا، والتي يشحنها قادتها بجهلها.

 

"بطران"

أما الزعامة الحقيقية، والحُكم السّليم، والمقاومة، فهي النّماذج التي تقدّمها السلطات السياسية والعسكرية في أوكرانيا، منذ 24 شباط الفائت، بصورة مقبولة. وهي تلك البعيدة ممّا هو موجود في منطقتنا، حيث يُمكن اختزال الزّعامة، والحُكم، والسلطة، و"المقاومات"، بعمامة، وخاتم، ولحية، وعباءة، وبخطاب فيه الكثير من الكراهية، والحقد، والشّحن الإرهابي العائم على الدّعوة لإراقة دماء "أعداء"، يجب أن يكونوا موجودين دائماً، والارتواء منها.

صحيح أن مظاهر السّهر عادت الى كييف، والى بعض المدن الأوكرانية منذ ما قبل بداية الصيف الجاري، مع خطوات احترازية كثيرة، من بينها تقليص ساعاته (السّهر) في المطاعم، والمقاهي...، إلا أن مظاهر التمسُّك بحبّ الحياة في أوكرانيا، تختلف عن تلك التي تُصوَّر على أنها حبّ حياة في لبنان، من جانب "السواد الأعظم" من شعبه "البطران".

ففي لبنان، شعب يطالب بحريّة، وسيادة، واستقلال، لا يريد أن يدفع أثمانها المؤلِمَة، بل أن يعتاش "بالشحادة" السياسية والحزبية، أو "بشحادة" الهجرة، لأن الهدف هو "الفريش" من العملات الصّعبة، لا الحريّة، ولا السيادة، ولا الاستقلال.

وأتى الحصار في عام 2019، ليؤكّد بالملموس، أنه حتى ولو أرادت دول حلف "الناتو" بذاتها، تسليح اللبنانيين ليُدافعوا عن استقلالهم، فإنها ستجد أسلحتها الكاملة في "السوق السوداء"، مقابل ضياع استقلال لبنان بحفنة من "فريش" العملات الصّعبة، التي ستُنفَق في ليالي السّهر، أو في التحضير للهجرة من البلد.

 

حَسَد

أبرز ما هو مُضحِك في اعتراضات وانتقادات يتفوّه بها بعض جهابذة منطقتنا، على مختلف الشاشات، والمنصّات...، تجاه أوكرانيا، منذ آذار الفائت، أي بعد نحو شهر من اندلاع الحرب، و(أبرز ما يُضحك) في إعجابهم بروسيا، هو كميّة "الحَسَد" الذي يظهرونه بسبب المساعدات العسكرية الغربيّة المقدّمَة لكييف، وذلك بحجّة أن الأميركيّين (والإدارة الأميركية الحالية تحديداً) أهملوا إحدى حروب المنطقة، بدلاً من دعم دولهم (الجهابذة) فيها.

ويتناسى هؤلاء، أن دولهم تلك تمتلك، بأموالها "الغزيرة"، أحدث أنواع الأسلحة الأميركية والغربية، التي ترقى لمستوى تسليح دول "الناتو"، والتي "تتشمّس" (تلك الأسلحة) في مطارات تلك الدول، وفي مخازنها، مقابل "شحادة" أمنها بالبترودولار (أو بالبتروروبل، أو البترويوان ربما، مستقبلاً)، وهي (دولهم) ليست مثل أوكرانيا "الفقيرة" (مقارنةً بدولهم)، التي تحتاج الى دعم غربي عسكري ومالي كبير.

كما يتناسون أن جيوشهم "المُترَفَة" تتدرّب، وتتابع دورات في الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية، فيما تريد للجيش الأميركي أن يموت عنها، في كلّ مرّة تُهدَّد فيه عروش حكامها، و(يتناسون) أنها (جيوشهم المُترَفَة) ليست مثل الجيش الأوكراني "الفقير"، الذي يخوض حالياً واحدة من أشرس الحروب في التاريخ، بموازاة استيعاب تحوُّل كبير، وصعب، وسريع، من العقيدة العسكرية الشرقية، الى تلك الغربيّة، ببطولة واضحة، تعجز الجيوش "المُترَفَة" في منطقتنا، عن تحريكها ولو بطرف إصبعها.

 

شبه "فارغ"

بعض دول منطقتنا مستقلّة. شعوبها تأكل، وتشرب، وتتعلّم، وتسافر، وتُنفق الكثير من المال على السياحة، بكافة أشكالها المشروعة، والقذِرَة، الى درجة أنها تتسبّب بإغلاق مناطق واسعة بالقرب من يخوتها، وقصورها الفاخرة،... حيث تمارس السياحة، وخصوصاً في الغرب، وصولاً الى حدّ الحَيْرة في كيفية استعمال أموالها، والتأسيس لفنادق القطط، ومطاعم الكلاب... وهي تستكثر على الأوكرانيّين الفقراء ما يحصلون عليه من دعم مالي وعسكري غربي، لمواجهة الروس.

لا عجب في ذلك، لأن "الحَسَد" يفعل الكثير. فالمال يشتري القصور، واليخوت، والسيارات الفاخرة... والذّمم، والسّمعة الطيّبة حتى لأكبر المجرمين. ولكنّه عاجز (المال) عن شراء الاستقلال، والحرية، وإرادة الحياة.

فبالأموال، والأموال الكثيرة، تشتري بعض دول منطقتنا أحدث الأسلحة، والتكنولوجيا، والتطوّر، والحداثة... وبالأموال، بات بعض تلك الدول قادراً على هزّ حكومات أكبر دول العالم. ولكنّها بالأموال تلك ذاتها، تهلك، لأنها عاجزة عن شراء إرادة القتال، وإرادة الحياة، والحرية، والعزيمة، والكرامة، والاستبسال في الدّفاع عن الذّات. فهذه كلّها لا يُمكن "استيرادها"، لأنها تنبع من الداخل. وهذا الداخل شبه "فارغ" في معظم دول منطقتنا، مع الأسف.

 

شراء الأمن

شعوب مستقلّة بالفطرة، تدافع عن استقلالها بأسنانها، وأظافرها (كما في أوكرانيا مثلاً)، وذلك مقابل شعوب مستقلّة، "من قلّة الاحتلال" (كما في منطقتنا). وهذا مشهد طبيعي، نظراً لفقدان العدالة الكاملة على الأرض.

فمن أسّس ممالكه ودوله على فلسفة شراء الأمن، وعلى جيوش مرتزقة ومُترَفَة، وعلى مال كثير، ليس مستقلاً، ولا يُمكنه أن يكون كذلك، ولا في أي يوم من الأيام. طبعاً، إلا إذا كان الانتقال من "شحادة" الأمن غرباً، الى "شحادته" شرقاً (عاجلاً أم آجلاً)، استقلالاً بالنّسبة الى البعض.

ومن يُمعن في تهديد أفقر دول وشعوب العالم (لا الغرب واقتصاداته وحده)، بعَدَم الاستقرار النّفطي، وبكذب تقني كثير، مع ما لذلك من مفاعيل على أفقر فقراء هذا العالم، ليس مستقلاً، وهو عبد لهذا الفقر نفسه، الذي يموّله ويستعمله بأشكال إرهابيّة عدّة، على منصّات كثيرة، وبوجوه متعدّدة، من بينها مدارس دينية، أو مؤسّسات خيرية...، في الغرب والشرق، على حدّ سواء. وهو عاجز عن وقف تمويل هذا الإرهاب "الفقير"، خوفاً من نتائج ذلك على عروشه.

ومن يعجز عن حجز مكان له في عوالم الكرامة، والاستقلال، إلا من خلال الحروب والصّراعات المُتوالَدَة الى ما لا نهاية، ليس مستقلاً، بل هو عبد وعابد للدّماء.

 

طُرِدوا

مقاومة أوكرانيا لروسيا، هي نموذج يعلّم المقاومة الحقيقية، وهي تلك التي تقودها دولة، بسلطتها، وجيشها، وشعبها، بإيديولوجيا واحدة، وأهداف موحَّدَة.

أما بالنّسبة للبائعين والمُشترين في منطقتنا، بالحرب الروسيّة على أوكرانيا، وللساخرين من الأوكرانيّين، فمن المُفيد تذكيرهم بما فعله القيّمون على الأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية، مؤخّراً، وهو أنهم طردوا سبعة طلاب منها، هم من إحدى أغنى دول منطقتنا، وذلك بسبب أسلوب حياة التّرف الذي عاشوه خلال التدريبات، و(بسبب) "رشاوى ضخمة"، وهدايا باهظة الثّمن قدّموها لمدرّبين في الأكاديمية، من سيارات، وساعات، ورحلات الى منتجعات النّخبة... ليغضّوا النّظر عن كسلهم.

فبالأموال، يُمكن لأيّ كان أن يكون مُترَفاً، وكائناً مرتاحاً جدّاً، وحاكماً آمناً ربما. ولكنّه عاجز عن أن يكون إنساناً، حرّاً، سيّداً، مستقلاً. فللاستقلال رجاله، الذين يموتون من أجل حريّتهم، واستقلالهم، تماماً كما هو الحال في أوكرانيا. وما أقلّ هؤلاء، في بلادنا، ومنطقتنا.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار