"سان كلو" سويسري أم مجرد "عصف فكري"... لعلاج أوجاع النظام وإصلاحه؟ | أخبار اليوم

"سان كلو" سويسري أم مجرد "عصف فكري"... لعلاج أوجاع النظام وإصلاحه؟

| الإثنين 17 أكتوبر 2022

 "النهار"- رضوان عقيل

فيما تقود الطبقة السياسية والكتل النيابية البلد الى فراغ في رئاسة الجمهورية مع صعوبة تأليف الحكومة وسط ارتفاع معدلات السخونة في الخطابات والاطلالات، وكان آخرها على لسان رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي لم يخفِ استعداده للترشح للرئاسة، وهو سيزور الرئيس نبيه بري اليوم في اطار جولته لتقديم التصور الرئاسي لـ"التيار"، يظهر ان العواصف المتبادلة بين الافرقاء لا تشير الى حصول انفراجات أقله قبل 31 الجاري موعد مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا. ووسط كل هذه التعقيدات ثمة سؤال: هل دخل لبنان ازمة نظام أم ازمة حكم؟ لا فرق ما دامت سيرورة المؤسسات الدستورية غير منتظمة ومختلة ولم يكن ينقصها إلا هذا الكمّ من التحديات المالية والاقتصادية. وكل هذه الملفات اصبحت محل متابعة دولية عند اكثر من عاصمة رغم انشغالات العالم بأزمة الطاقة. وقبل ثلاثة أيام حلّت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في بيروت وقرعت جرس الانذار على مسمع المسؤولين محذرة الجميع من الاستمرار في هذه السياسات غير المنتجة. ولم تسجل لهم سوى تحقيق اتفاق الترسيم البحري جنوبا مع اسرائيل.

وبالتزامن مع كل هذه الانهيارات في لبنان كثر الحديث عن حاجة الافرقاء الى طاولة حوار في الخارج الذي تدخّل اكثر من مرة محاولا اجراء "جراحات سياسية" لتمكين اللبنانيين من الاستمرار مع عودة قياداتهم بعد مرور عقد او اكثر الى "هواياتهم" وانقساماتهم. وكثر تبادل الاخبار والمعلومات في الايام الاخيرة عن عقد طاولة حوار لبنانية في القاهرة أو الدوحة ليتبين في ما بعد ان الظروف غير مؤاتية في كل من العاصمتين، علماً ان قيادتي مصر وقطر لا تقصران في دعم لبنان وكان للاخيرة دور في الترسيم وستكون الشريك الثالث في التنقيب في المساحة البحرية اللبنانية.

وكان متابعون يرددون ان فرنسا ستستضيف مؤتمراً حوارياً تجمع فيه الاقطاب اللبنانيين، الى ان اخذت جارتها سويسرا زمام هذه المبادرة لتعيد محطات مؤتمرَي جنيف ولوزان في عزّ اعوام الحرب.

وفي معلومات لـ"النهار" ان الاقطاب اللبنانيين تلقّوا دعوات من جمعية ترعاها وزارة الخارجية السويسرية أبدت فيها استعدادها لاستضافتهم. ولم يكن هذا المشروع وليد الاسابيع الاخيرة بل سبق التحضير له قبل الانتخابات النيابية. وفي التفاصيل ان التوجه عند المنظمين سيكون بدعوة ممثلين لكل طرف الى هذه الطاولة في تشرين الثاني المقبل في جنيف أو في بيروت اذا استُكملت كل التحضيرات اللوجستية على شكل لقاءات "سان كلو" الفرنسية. وسيتناول اللقاء موضوع معالجة ثغر في الدستور وليس نسف مندرجاته مع امكان التوصل الى اجراء اصلاحات وتقديم رؤى سياسية افضل. وفي حال التوصل الى هذه الخلاصة تعمد سويسرا الى استضافة الاقطاب من الصف الاول لإتمام هذا المشروع.

وقبل حصول هذا النوع من اللقاءات ثمة عقبات تواجه المؤتمر. في البداية لا مشكلة في تحديد من سيشارك من المسيحيين والشيعة والدروز على مستوى أحزابهم وتكتلاتهم النيابية الكبرى. وتكمن العقبة في مَن سيمثل السنّة. واذا ما طالت فترة الفراغ الرئاسي سيكون الرئيس نجيب ميقاتي على رأس حكومة تصريف الاعمال ممثلا للمكون السني. وستخرج أصوات سنية نيابية موزعة على اكثر من جهة لتطالب بهذه المشاركة، ولا سيما ان ما سيجري تناوله يدخل في صلب اهتمامات هذا المكون وهواجسه حيال الطائف وعدم تقبّل المسّ ببنوده وهم يرددون ان المشكلات لا تكمن في الدستور انما في عدم تطبيقه. وستحلّ على الطاولة شخصيات مستقلة ومن المجتمع المدني.

في غضون ذلك، يقول مشاركون في "سان كلو" ان تلك التجربة لم يُكتب لها النجاح عام 2007 مع خشية ان تقتصر دعوة الحوار السويسرية على تبادل نقاشات من العصف الفكري والسياسي وان تبقى في اطار التنظير الاكاديمي النظري لصعوبة ان تشق طريقها الى اجراء تعديلات دستورية، فضلاً عن ان المشاركين على مستوى الصف الثاني من المستشارين ليس في مقدورهم ان يقرروا البت في اي نقطة قبل الرجوع الى اقطابهم، وان من الافضل حضور الآخرين منذ البداية على غرار ما حصل في الدوحة عام 2008. وثمة اسئلة هنا: هل تقدر سويسرا على انجاح مؤتمر من هذا النوع من دون الحصول على تأييد من البلدان المؤثرة في لبنان من واشنطن الى طهران وما بينهما؟ مع الاشارة الى ان كثيرين في لبنان ينادون بتطبيق التجربة السويسرية.

وفي حال انعقاد هذا المؤتمر سيكون محل متابعة اولا من الفرنسيين، مع الاشارة الى ان الوزيرة كولونا كررت على مسامع الرؤساء الثلاثة ان الرئيس ايمانويل ماكرون، على رغم انشغالاته، لن يترك لبنان. وكان من الملاحظ ان باريس لم تتبنَّ اي مرشح سوى تشديدها على اجراء الانتخابات. وقد خرجت الوزيرة الفرنسية مرتاحة للتصور الذي سمعته من بري الذي طلب منها التدخل اكثر في معالجة ازمة النازحين السوريين وضرورة عودتهم الى بلدهم. وكان ردها ان في الامكان التوصل الى انتخاب رئيس وتعاون اللبنانيين الذين نجحوا في اتمام اتفاق الترسيم. "ولماذا لا تتفقون على انتخاب رئيس؟". وغادرت مقر الرئاسة الثانية على وقع عبارة ان "لا مهرب من تحقيق التوافق لانتخاب رئيس" والتي سُجلت في محاضر مساعديها اكثر من مرة.

من مؤتمرَي جنيف ولوزان الى الطائف والدوحة... يستمر السياسيون في لبنان في مسلسل خلافاتهم فيما بطون المواطنين خاوية وودائعهم ضائعة في المصارف، وقد قُتل ما تبقّى من احلامهم مع سبق اصرار وتصميم من طبقة سياسية لا ترحم.
إنها كوليرا سياسية.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار