ما وراء تلويح برّي بالدعوة إلى طاولة الحوار وما احتمالات تلبية الأفرقاء أو مقاطعتهم؟ | أخبار اليوم

ما وراء تلويح برّي بالدعوة إلى طاولة الحوار وما احتمالات تلبية الأفرقاء أو مقاطعتهم؟

| الخميس 27 أكتوبر 2022

هدفان: الأول إمساك زمام الوقت والمبادرة والثاني استدراج عروض لما يلي

"النهار"- ابراهيم بيرم

ليست المرة الأولى التي يعلن فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري عزمه الدعوة الى طاولة حوار وطني في عين التينة إن توفرت ظروف الانعقاد، إذ يُشهد للرجل أنه "فاتح عهد طاولات الحوار" في لبنان، التي بلغت منذ أولاها عام 2006 أربع طاولات تنقلت بين ساحة النجمة مروراً بعين التينة لتكون الخاتمة في قصر بعبدا.

وبناءً على ذلك فإن السؤال المطروح بإلحاح: هل ينجح بري في استدراج الأطراف كافة الى تلبية دعوته التي ما زالت مجرد تلويح واستمزاج؟ وهل يمكن أن تفضي الطاولة الخامسة الموعودة الى نتائج مثمرة من شأنها أن تنتج تفاهماً أو اتفاقاً أو صفقة تنتهي بملء الشغور الرئاسي الذي بات محتوماً؟

لا ريب في أن إثارة مثل هذه التساؤلات تستبطن شكوكاً في قدرة بري رغم ما له من مونة وعلاقة مع كلّ المكوّنات على توفير ظروف انعقاد هذه الطاولة، واستتباعاً في توفير وقائع مادية تسمح بالقول إنه حراك هادف وليس مجرد ملء وقت مستقطع.

عندما خطر لبري أن يوجّه في صيف عام 2006 دعوته الى الحوار الوطني الأول كان لبنان تحت وطأة أزمة سياسية مستعصية وانقسام حادّ بين معسكرين يراهن كل منهما أن يحقق فوزاً كاسحاً على الآخر يفضي الى إلغائه إن أمكن، انطلاقاً من الصراع الذي اندلع حينها على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من تداعيات.

في ذلك الصيف الساخن حقق بري إنجازاً عُدّ يومها حميداً إذ جمع زعماء الصراع الى طاولة مستديرة واحدة. تجشّم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عناء الخروج من الضاحية الجنوبية وحضر الى وسط بيروت (ربّما للمرة الثانية إذ كانت الأولى في 14 شباط من العام السابق)، وكذلك فعل الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وآخرون.

لاحقاً تنبّه فريق 14 آذار، وكان يومها في ذروة صعوده، الى أن هذه الدعوة أقرب ما تكون إلى عملية استدراج الى الفخّ بغية احتواء هجمته الشرسة على "بقايا النظام السوري" المحاصر بتهمة المسؤولية عن جريمة العصر، فيما بدا نصرالله أنه قطب الرحى في الطاولة. وثمّة في الفريق من تحدّث عن أن نصرالله استغل هذه الطاولة ليفتح باب المواجهة مع إسرائيل في تموز من ذلك العام.

ومع كل هذه الاعتراضات والملاحظات فإن الأطراف أنفسهم لم يتخلفوا عن تلبية دعوة بري الى الطاولة الثانية التي نصبها في عين التينة بعد الشغور الرئاسي الذي بدأ فور خروج الرئيس إميل لحود من قصر بعبدا منهياً ولايته. بعدها تخلى بري عن مهمة الدعوة الى مثل هذه الطاولة وإدارتها فتلقفها خلفه الرئيس ميشال سليمان ثم الرئيس ميشال عون كلٌّ لغاية في نفسه ولا سيما الرئيس سليمان الذي استغلّها لـ"حشر الحزب"، إن كان عبر طرح الاستراتيجية الدفاعية أو عبر طرح "الحياد والنأي بالنفس" (إعلان بعبدا).

بناءً على هذه السردية المختصرة لعلاقة بري مع طاولة الحوار يتجدّد السؤال عن القطبة المخفيّة من تجشّم بري عناء العودة الى إقامة هذه الطاولة وهو المدرك يقيناً أنها عبارة عن مغامرة غير مضمونة النتائج وربما غير مأمونة النجاح؟

مريدو بري وخصومه على حد سواء لديهم استنتاج مبدئي وهو أنه ليس من النوع الذي يخبط خبط عشواء في السياسة ولا يطلق دعوة من دون أن يكون على بيّنة من مقدّماتها ونتائجها وما يترتب عليها. لذا تمسي محاولة استشراف ما يريده رئيس السلطة التشريعية مشروعة من إطلاق مثل هذه الدعوة في مثل هذه الظروف.

لا ريب في أن بري يدرك كما كل الراصدين للشأن اللبناني أن الظروف والمعطيات التي أباحت له الدعوة الى الحوار الأول تختلف كثيراً عن الظروف والمعطيات التي تراكمت أخيراً.
فالبلاد في أوج الأزمات وفي ذروة الانقسامات لدرجة العجز عن انتخاب رئيس جديد يحول دون شغور مفتوح. ولكن الثابت أيضاً أن الـ16 عاماً التي انقضت على حوار عام 2006 جرت فيها مياه كثيرة تحت جسر السياسة الداخلية والخارجية، بل ثمة من يجرؤ على القول إن ثمة قطعاً بين تلك المرحلة والحالية.

في طاولة حوار عام 2006 كانت الشيعية السياسية تبدو محرجة وقلقة وتبحث عن ملاذات وحصون فكانت صاحبة مصلحة أولى في الانعقاد، فيما كانت السنّية السياسية في ذروة هجومها وتمدّدها تقبض بيد من حديد على زمام الأمور في شارعها خصوصاً بعد انتخابات عام 2005 وهي في رحلة استثمار هذا التحوّل الجذري في المشهد السياسي. أما "التيار الوطني الحر" فبدا يومها برغم اكتساحه النيابي في جبل لبنان منبوذاً ويتلمّس فرصة إثبات الذات والحضور ولا سيما وقد انطلق في تفاهمه مع "حزب الله"، فيما "القوات" كانت أيضاً تتلمّس فرصة الخروج الى الواجهة وإثبات الحضور بعد خروج زعيمها من السجن.

أما الآن فثمّة معطيات ووقائع مغايرة، فـ"حزب الله" استحال قوة محلية وإقليمية لا تخشى الإلغاء والمحاصرة، فيما الساحة السنية لا تجد من يجرؤ على التحدّث باسمها والقول إنّه يمثّل شتاتها. والأهم أن "القوات" تجد نفسها أكبر من تُدعى فتلبّي لكونها تعيش بفائض القوّة بعد العدد من المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة، لذا فالأرجح أنها ستتحفّظ عن هذه الدعوة.

وليس خافياً أن دعوة بري الى طاولة حوار تأتي في وقت تعلن فيه الساحتان السنية والمسيحية هواجس متأصلة من مثل هذه الدعوات لكونها تثير مخاوفها الكامنة من يوم يمس فيه اتفاق الطائف أو تجرّ فيه البلاد الى مثالثة. ومصداق ذلك تلك الحملة الحادة على دعوة كانت سويسرا في صدد توجيهها لعقد حوار بين أطراف لبنانية في جنيف تحت شعار أنها تستبطن خطر المساس باتفاق الطائف.

صحيح أن الرئيس بري قد حصر مبكراً دعوته ببند حصري هو انتخاب الرئيس الجديد وإزالة العوائق الحائلة دون ذلك، فإن ذلك على بلاغته لا يبدّد الهواجس والاستنفارات الرافضة والمتهيّبة التي يبديها البعض حيال أي إشارة يُستشفّ منها فتح الباب أمام أي تطوير أو تعديل في منظومة الحكم الحالية وأساسها اتفاق الطائف المعقود في عام 1989. وإن كانت المعطيات المتصلة بهذه الدعوة على هذا المستوى والقدر من التشابك والاحتدام تصير كل دعوة حوارية في هذه المرحلة محفوفة بالمخاطر والاحتمالات السلبية. لذا فإن ثمة من يرى أن هذه الدعوة وإن لم تنجح، يبقى أن لها هدفين: الأول إمساك زمام الوقت والمبادرة، والثاني استدراج عروض لما يلي.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار