متغيرات "حزب الله" بعد الترسيم تكرّس الفراغ... | أخبار اليوم

متغيرات "حزب الله" بعد الترسيم تكرّس الفراغ...

| الإثنين 14 نوفمبر 2022

أي مرشح لنصرالله "لا يطعن المقاومة في الظهر"؟


 "النهار"- ابراهيم حيدر

طغى على كلمة الامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الأخيرة مخاطبته الأميركيين في كل الملفات المتعلقة بالبلد. من اعتباره أن الانتخابات الرئاسية مفصل حساس ومصيري سيترك أثره على مدى السنوات الست المقبلة وما بعدها، إلى اتهام الولايات المتحدة بأنها لا تزال تعمل على خيار الفوضى والحرب الأهلية، فـ"أميركا تعلن أنها تدعم الجيش اللبناني لأنها تعتبر أنه مؤهل لمواجهة المقاومة، لكن نحن نثق بالجيش وبقيادته التي ترفض أي مواجهة مع المقاومة".

أما المعادلة الرئاسية التي طرحها فأوجزها بأنه "يريد رئيساً مطمئناً للمقاومة، ورئيساً شجاعاً ولا يخاف ويقدم المصلحة الوطنية على خوفه. ونريد رئيساً لا يباع ولا يشترى"، وإن كان استطرد أن الانتخاب يقوم على التسوية والتوافق، لكن لرئيس "لا يطعن المقاومة في الظهر".

هذه المعادلة توضح مدى التغييرات التي جعلت "حزب الله" يرتد إلى الداخل، خصوصاً بعد اتفاق الترسيم، وتحدد سقف توجهات الحزب في هذا الاستحقاق المصيري للبلد. ثمة من يعتبر أن هذا الموقف هو للضغط لإيصال رئيس ممانع أو حليف لهذا المحور، لكن هذه التجربة وصلت إلى طريق مسدود خلال السنوات الست الماضية مع ميشال عون، وأدى إيصال "الرئيس القوي" الممانع في 2016 بعد تعطيل الاستحقاق لسنتين إلى انهيار لبنان والتفكك والفوضى بما يعني أن الحزب يتحمل مسؤولية رئيسية فيه. ورغم ذلك يصر "حزب الله" وفق أجوائه على التوافق حول اسم سليمان فرنجية الذي يمكن تسويقه طالما أنه يتمتع بعلاقات عربية مقبولة. لكن ذلك أمامه تحديات ستدفع الحزب إذا سار بهذا الخيار إلى نهايته، إلى تقديم تنازلات في ملفات أخرى هو غير جاهز لها بالارتباط مع مرجعيته الإقليمية إيران.

حتى الآن لا يمكن القول أن الحزب انطلاقاً من معادلة نصرالله يقبل برئيس توافقي يحظى بمباركة كل القوى الداخلية والخارجية، وإن قدمت له ضمانات أن لا يطعنه في الظهر، خصوصاً أنه يرفض إثارة ملف سلاحه، وقد يؤدي ذلك وفق تصوره إلى رفع الغطاء عنه وعن فائض قوته. لكن بعد اتفاق الترسيم الذي يريد نصرالله الاعتراف بمرجعيته في انجازه واعتبار قوة المقاومة ضمانة له، سيطرح ملف السلاح والترسانة العسكرية التي لم يعد لها وظيفة مباشرة في القتال، فالحزب وإن كان يهاجم الأميركيين إلا أنه وقع على ما سماه اتفاق "الانتصار التاريخي" برعاية الأميركيين أنفسهم وهم الذين يقدمون الضمانات وحماية الاتفاق.

يستند الحزب في موقفه من إيصال رئيس "لا يطعن المقاومة" إلى حمايته "اتفاق الترسيم" بقوة السلاح والتوازن مع إسرائيل، لكن مأزقه الداخلي يكمن في أنه لا يملك الأكثرية النيابية التي افقدته القدرة على التحكم بانتخاب الرئيس كما حدث في 2016، وبتشكيل الحكومات أيضاً، والاهم أن محور الممانعة يعاني التفكك بعد انتهاء ولاية ميشال عون، والخلاف مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حول الأولويات الرئاسية. لذا يبدو الحزب اليوم أمام معادلات مختلفة، لكنه يسعى إلى الاحتفاظ بأوراق قوته وتوظيف انتقاله من المواجهة مع إسرائيل إلى الداخل في انتظار تطورات إقليمية ودولية خصوصاً إيرانية – أميركية للاتفاق على حل وانجازالاستحقاقات اللبنانية.

انطلاقاً من المعادلة التي حددها نصرالله، ثمة أجواء تشير إلى أن الحزب أبلغ سليمان فرنجية أنه مرشحه للرئاسة، لكن إعلانه يتطلب ترتيب العلاقة داخل المحور، خصوصاً التيار الوطني الحر الذي لا يتخلى الحزب عنه أو يقطع معه، وهو سيخوض معركته في حال توفر المقومات لذلك إلى حين التوافق الخارجي لإنجاز الاستحقاق. ويعني ذلك أن الحزب يعرف أن إنجاز التوافق حول الرئيس يحتاج إلى توافر مقومات داخلية وخارجية، وإن كان يسعى إلى توظيفها لصالح محوره. لكن هذا الاستحقاق الذي وضفه نصرالله بالمفصلي والمصيري، لا يعني أن الحزب يستعجل انجازه، فهو استحقاق يختلف عن الحكومة الذي كان يسعى قبل انتهاء ولاية عون إلى تشكيلها للحفاظ على مكاسبه وللاستمرار في تغطية سياساته وممارساته في البلد، وعدم تحميله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد. فالحزب يستطيع أن ينتظر ويستمر بالتعطيل إلى أن ينهك الجميع، لكنه لن يتمكن من تكرار سيناريو 2016 بعد التغيرات التي حدثت في البلد وانسداد المفاوضات الإقليمية والدولية من النووي إلى ملفات المنطقة.

الثابت حتى الآن في المعادلة القائمة، أن "حزب الله" لن يمرر انتخابات الرئيس ما لم يكن له كلمة الفصل فيها، إن كان بإيصال فرنجية او اسم "لا يطعن المقاومة"، لكن انجرار لبنان إلى الفوضى والتوترات الامنية لم تعد في مصلحته، لأنها تهدد مكتسباته وما أرساه من نظريات حول اتفاق الترسيم، وأيضاً خضوعه للاتفاق بمشيئة أميركية وموافقة إيرانية. وكان واضحاً في خفايا كلام نصرالله أنه يبذل جهداً استثنائياً للحفاظ على مكتسباته وعدم التفريط بها وتكريس مقومات الواقع الراهن، على الرغم من تفكك حلفائه. لذا اعتبر حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية، أن "من يحمي لبنان هو الله ومعادلة القوة"، لافتاً إلى أن "البعض يعتبر أن ضمانته هو الالتزام الأميركي، لكن ضمانتنا الحقيقية هي في عناصر القوة التي يملكها لبنان، والتي تشكل ضمانة استمرار هذا الاتفاق". وهذا يعني أن الاتفاق كرّس وضعاً لبنانياً جديداً وفي العلاقة مع إسرائيل. فـ"حزب الله" ألزم نفسه في الصراع مع إسرائيل بقيود وضوابط وضمانات أمنية وسياسية، وضيّق من مساحة انتشاره الإقليمي وبالتالي بات شغله الشاغل الوضع الداخلي اللبناني وتكريس هيمنته فيه وهو أمر ينعكس على أدائه الأمني والعسكري والسياسي.
الوقائع تثبت حتى الآن أن لا ظروف ناضجة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في فترة قريبة، مع استمرار الانقسام اللبناني وغياب التوافق على وقع الفراغ الذي سيستمر طويلاً طالما أن القوى السياسية والطائفية غير قادرة على إنتاج تسوية برعاية خارجية. وعليه يحاول "حزب الله" التأقلم مع التطورات الإقليمية التي أخرجته من دائرة المواجهة مع إسرائيل إنما يعمل على أن يبقى مقرراً أساسياً، مع الحفاظ على مكاسبه في الاقليم، لكنه فقد بعض عناصر قوته التي توفرت له خلال السنوات الماضية بعدما وصل البلد إلى حالة كارثية من الانهيار. لكن التغييرات ايضاً التي تدفع الحزب إلى طرح معادلات جديدة تحتاج إلى تدقيق وعدم الوقوع في الأوهام ...

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار