لماذا تفتقد كل القوى "الخبر اليقين" في الاستحقاق الرئاسي؟ | أخبار اليوم

لماذا تفتقد كل القوى "الخبر اليقين" في الاستحقاق الرئاسي؟

| الإثنين 28 نوفمبر 2022

 انتظار رياح تفاهمات خارجية تسمح بإنضاج تسوية رئاسية في ربع الساعة الاخير

"النهار"- ابراهيم بيرم
اختار أحد نواب "حزب الله" رداً على سؤال ان يكثف تشخيصه للصخب المحيط بمسألة ملء الشغور الرئاسي والضبابية التي تكتنفها فقال: "إنها مرحلة القلق والمراوحة والسلبية في انتظار موعود قد يأتي". هذا الكلام يستبطن واقعتين:

الاولى، ان القوى الاساسية على اختلاف مشاربها قاصرة عن تقديم خلاصات يقينية يبنى عليها كونها صفر اليدين من أي معطيات ثابتة.
الثانية، ان هذين الضياع والغموض اللذين يكتنفان مسار انتخاب رئيس جديد هما على الارجح مرشحان للإطالة زمنيا. وبناء على ما تقدم تتصرف كل القوى الفاعلة والوازنة بازدواجية وباطنية، أي انها تبدي وجهاً وتوجهاً لكنها تبقي في العتمة، احتياطاً، توجهاً آخر.

وهو واقع شجع سياسي مخضرم متقاعد على تبنّي حكم فحواه: ان ازمة الخيارات الحقيقية عند هذه القوى، واستطرادا فترة ضياع بوصلة الاتجاهات، تبدو غير مسبوقة مقارنة بكل المحطات المماثلة. ونظرية "الانفصام في الخيارات" الحاصلة عند كل الأفرقاء من دون استثناء تنطبق ربما اكثر ما يكون على "حزب الله" نفسه. فهو كما صار معلوما تدرّج في مقاربته لملف الانتخابات الرئاسية في أربع مراتب ومحطات: الاولى جاهر فيها بشعاره المعروف "الرئيس التوافقي". وهذا المصطلح الجديد على خطابه يشي برغبة حقيقية تملكت الحزب في النأي بنفسه عن الاداء الذي كان له عشية المرحلة الزمنية التي سبقت انتخاب العماد ميشال عون، اذ اعلن صراحة آنذاك شعار: ميشال عون رئيسا أو لا رئيس. وقد كلف الالتزام بموجبات هذا الشعار البلاد ما يقرب من عامين ونصف عام من الشغور واحتدام السجال و45 جلسة انتخاب. وتجسدت المرتبة الثانية بالدعوة الى رئيس غير استفزازي، وهي صفة أطلقها الحزب رداً على ترشيح تكتل الخصوم النائب ميشال معوض.

وفي المرحلة الثالثة رفع الشعار الأشهر والاكثر تحديداً وهو نريد رئيساً "لا يطعن المقاومة ولا يغدر بها" مقروناً بجملة مواصفات أتت على لسان سيد الحزب ووجد المحللون انها تنطبق حصراً على رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية.
واستتباعاً بدا الحزب متراجعا اخيرا خطوة الى الوراء عندما بادر الى بعث رسائل تطمين الى قائد الجيش العماد جوزف عون والى البطريركية المارونية مؤداها ان لا "فيتو" لديه على أي مرشح (باستثناء القوات اللبنانية) وهو ما عُدَّ تطوراً في أداء الحزب.

بدورها، انطلقت حركة "امل" في تعاطيها مع الملف الرئاسي من الشعار المبدئي اياه الذي ورد في ادبيات "حزب الله"، أي الدعوة الى رئيس توافقي. ثم ما لبثت ان غادرته تدريجا لتعلن لاحقا ان مرشحها المفضل هو فرنجية، ولكنها ليست في وارد ادخاله دائرة المنافسة لانها تريده رئيسا مضمونا لا مجرد مرشح للرئاسة.
أما الحزب التقدمي الاشتراكي فقد سلك المسلك المتدرج والمتذبذب عينه في الخيارات، فرئيسه وليد جنبلاط كان اول من اطلق من على منبر عين التينة شعار الرئيس التوافقي غير الاستفزازي كون البلاد لا تتحمل رئيس اللون الواحد، غير انه كان اول المتحللين من موجبات هذا الشعار عندما صبّ اصوات كتلته النيابية في صندوق الاقتراع وطوال الجلسات السبع للمرشح ميشال معوض، مع علمه اليقيني ان صفات الرئيس التوافقي لا تنطبق عليه. ولاحقاً اوحت مناخات الحزب التقدمي ان خطة رئيسه تقتضي التمسك بمعوض في انتظار ان يقدم له الآخرون اسما آخر يحمل الصفات التوافقية.

وهذا يعني بطبيعة الحال ان التقدمي على استعداد لملاقاة الآخرين عند تسوية رئاسية لان القلق يعتري رئيسه من اطالة أمد الفراغ والشغور والتداعيات السلبية التي يمكن ان تتأتى من هذا الواقع.
وعليه، سرت خلال الساعات الماضية معلومات مفادها ان زعيم المختارة وسيد عين التينة يحوكان في الخفاء خيوط عملية بحثٍ عن مخرج يعيد الحياة الى قصر بعبدا قبل ان ينبت العشب على مداخله. وثمة من تحدث عن مشاركة مع "القوات اللبنانية" لتأمين تغطية مسيحية وازنة.

وسواء كان الامر جديا أم مجرد تلويح بالخيارات المفتوحة، فلا ريب ان الركنين المتبقيين من اللعبة السياسية التقليدية السارية منذ تطبيق #اتفاق الطائف يبعثان برسالة الى من يعنيهم الامر بان أيديهما ليست مغلولة وانه يتعين على الجميع الأخذ بالاعتبار انه قد يكون عندهما مفاجأة في هذا الصدد.
ولا يشذّ حزب "القوات اللبنانية" عن قاعدة هذين الضياع والغموض وتبديل الخيارات. فالمعلوم ان المقربين من رئيس الحزب سمير جعجع الذي كان مزهوا بتقدمه في الانتخابات النيابية الاخيرة على نحو جعله الكتلة المسيحية الاكبر، قد اعلنوا صراحة انه هو "مرشح طبيعي وتلقائي"، لكن جعجع نفسه ظهر على الإعلام ليعلن بلسانه انه يجد في قائد الجيش مواصفات المرشح المقبول. ومع ان اصوات كتلة "القوات" النيابية صبّت في صندوق الاقتراع في جلسات الانتخاب السبع لمصلحة معوض باعتباره "المرشح الاكثر جدية" وفق تصريحات لأعضاء في الكتلة، الا ان جعجع ركز اخيرا على "الشخصية الانقاذية"، وهو ما اوحى لمراقبين ان معراب تعلن استعدادها لفتح ابوابها امام احتمالات "التسوية".

وايضا لا يخرج "التيار الوطني الحر" عن دائرة "الضائعين" في خياراتهم الرئاسية، لاسيما بعدما يئس من امكان ترشيح رئيسه النائب جبران باسيل، فأعلن بلسانه خروجه من السباق الرئاسي لكنه اتبع ذلك برفع شعارالبحث عن مرشح غيره وغير سليمان فرنجية، وقد تجلى ذلك في زيارتيه الى السيد نصرالله والرئيس بري. وفي السياق نفسه، صار معروفا كيف ان باسيل سعى مع الفرنسيين الى التسويق لثلاثة مرشحين للرئاسة على باريس نفسها ان تشاركه في اختيار احدهم.
وفي كل الاحوال، لا تخفي بعض مصادر هذه القوى ان اداءها المتّسم بعدم الثبات والحسم انما هو اداء طبيعي ينطلق من وقائع عنيدة:
- اقرارها بأن موازين القوى المجلسية لا تمكّن اي جهة من المضي في خيار واحد محدد والثبات عليه حتى النهاية.
- الرهان على عامل الوقت الذي من شأنه ان "يليّن" الصلبيين.
- انتظار رياح تفاهمات خارجية تسمح بإنضاج تسوية رئاسية في ربع الساعة الاخير.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار