الأطراف الثلاثة المعنيون بحادث العاقبية يعملون على احتواء التداعيات بتوصيفه "أمراً عارضاً"؟ | أخبار اليوم

الأطراف الثلاثة المعنيون بحادث العاقبية يعملون على احتواء التداعيات بتوصيفه "أمراً عارضاً"؟

| السبت 17 ديسمبر 2022

حزب الله إدراج الامر الجلل في خانة "الحادث العابر وابن ساعته"

"النهار"- ابراهيم بيرم

يبدو جلياً ان الاطراف الثلاثة ذوي الصلة المباشرة بالحادث الامني الذي وقع بين آلية لدورية من قوة "اليونيفيل" واشخاص من بلدة العاقبية - قضاء صيدا، والذي ذهب ضحيته جندي من الكتيبة الايرلندية المنضوية في هذه القوة و3 جرحى آخرين، يبذلون منذ اكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة جهودا استثنائية بغية احتواء التداعيات الناجمة عنه تمهيدا لاعادة الاوضاع الى سيرتها الاولى لان ذلك هو من مصلحتها جميعا.

فالدولة اللبنانية بكل مستوياتها العليا انطلقت منذ شيوع نبأ الحادث بموجة عارمة من الاستنكار والادانة والاتصالات توّجتها صبيحة امس بوصول وفد سياسي - عسكري موسع برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يرافقه قائد الجيش العماد جوزف عون الى مقر قوة "اليونيفيل" في الناقورة الحدودية لتقديم العزاء واظهار الاستنكار.

وقد تدرَّج الخطاب الرسمي اللبناني في التعبير عن رفضه لما حدث من ضرورة السير بالتحقيقات بشأن الحادث الى منتهاها لإنزال القصاص والعقاب بالذين تثبت مسؤوليتهم، وصولا الى التعهد بالعمل لمنع تكرار مثل هذا الحادث حرصاً على التمسك بهذه القوة باعتبارها قوة "ضمان للامن والاستقرار في الجنوب اللبناني". ولم تكن هذه الزيارة إلا تتويجاً لمسار طويل من بيانات الاستنكار وتصريحات الادانة من كل المراكز الرسمية.

ولقد صار يقيناً ان الدولة بكل هذا التصرف المتشدد في الرفض والادانة الى حد اعتبار الحادث يرقى الى مستوى الجريمة، انما تريد ان تبعث لمن يعنيهم الامر برسالة فحواها انها ما انفكت تمسك بزمام القرار والوضع في الجنوب، وان جيشها الذي يلقى رعاية خارجية واسعة لايزال سيد الموقف، وانها ما زالت عند التعهدات التي اعطتها غداة انتشار "اليونيفيل" في جنوب الليطاني إنفاذا للقرار الدولي الرقم 1701 والذي وضع هذه القوة تحت اشراف الجيش وجعلته شريكا لها في السراء والضراء.

ومعلوم ان الدولة اللبنانية بشخص الرئيس ميقاتي الجامع بين يديه صلاحيات كل السلطة التنفيذية بشقّيها الرئاسة الاولى والثالثة، تسعى الى تقديم ادلة وبراهين يومية للداخل والخارج بانها ما زالت متماسكة وحاضرة، وانها ليست في طريقها الى الانحلال وفق تقارير خارجية. لذا لم يكن بمستطاعها تفويت فرصة الحادث من دون كل هذا الحراك الواسع الذي بدأته.

وفي الموازاة، كان واضحاً ان "الثنائي الشيعي" باعتباره الطرف الثاني في ثلاثي اضلاع المعنيين بعد الدولة شرع في التبرؤ من الحادث بهدف إبعاد الشبهة والمسؤولية عن بيئته الحاضنة، ولا سيما "حزب الله"، وإدراج الامر الجلل في خانة "الحادث العابر وابن ساعته". لذا لم يكن مفاجئا للمراقبين هذا الجهد الكبير الذي يبذله رئيس مجلس النواب نبيه بري لاظهار رفضه للحادث، فسارع كما هو معلوم الى ارسال وفد من قيادة حركة "امل" وكتلة نوابها الى مقر قيادة "اليونيفيل" في الناقورة (يقال انه كان اول الواصلين) لتقديم التعازي والمؤاساة، فيما كان هو قد بادر الى اصدار بيان استنكار وبعث ببرقيات التعازي الى حكومة ايرلندا.

واللافت ايضا ان "حزب الله" قد بكّر في اعلان عدم علاقته بالحادث. وتجلى ذلك في تصريح أدلى به احد كبار المسؤولين الامنيين في الحزب وفيق صفا الى وكالة "رويترز" طالباً فيه عدم "اقحام الحزب في الحادث".

ولم يكن وفق المعطيات مستهجناً منسوب الاستنكار العالي من حركة "امل" لهذا الحادث، فهو وقع عمليا في بقعة جغرافية مشهود لسكانها بالولاء المطلق للحركة. فالعاقبية واحدة من سلسلة القرى الساحلية الممتدة من صيدا الى عدلون ما انفكت تدين بالولاء للحركة مع كل سلطاتها المحلية. لذا كان على الحركة بذل هذه الجهود الجبارة للتبرؤ من المسؤولية من جهة واظهار الادانة والرفض للحادث من جهة اخرى.

أما تبكير الحزب في الاستنكار والادانة واشهار عدم المسؤولية فمرده الى اعتبارين:
- انه على يقين من ان اياً كان لن يكون بمقدوره اثبات اي ضلوع للحزب في الحادث كونه وقع في منطقة "محظور" عليه النشاط الواسع والعسكري فيها، وهو التزم هذا الامر كجزء من استراتيجية الرغبة في منع "الفتنة الشيعية" مهما كانت التضحيات والاثمان.

- وانطلاقا من هذه الثقة بعدم الضلوع كان للحزب حراك غير مسبوق تجاه "اليونيفيل"، اذ اتصل بقنوات الاتصال بينه وبين الناقورة مفصحاً عن رغبته في ارسال وفد رفيع لتعزية القيادة الدولية إنْ هي قبلت. كذلك اعرب عن استعداده لارسال وفد مماثل الى مقر الكتيبة الايرلندية للتعزية بجنديّها الضحية.

واللافت ان طلَبي الحزب قوبلا بالايجاب، علما انه في حوادث مماثلة لم يكن للحزب هذا الفعل.

فضلا عن ذلك، فان احد نواب الحزب ابرهيم الموسوي شارك في وفد لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الذي من المقرر ان يذهب الى الناقورة ومقر الكتيبة الايرلندية لتقديم واجب العزاء، مع العلم ان احدا من نواب الحزب لم يشارك في زيارة وفد اللجنة الى الناقورة قبل فترة.

اما "اليونيفيل" فان لها مصلحة ضمنية ايضا في ضبط "التداعيات" واستيعاب الامر وارسال اشارات توحي بقبولها فكرة "الحادث العابر" غير المتعمد وذلك بناء لاعتبارات عدة ابرزها:
- يقينها بان الحادث لم يكن مخططا له، اذ لم يكن بعلم احد ان ثمة آلية لها ستسلك هذا الطريق الفرعي حيث وقع الحادث، وهو لم يكن يوما ممرا لدوريات "اليونيفيل" وقوافلها التي كانت تسلك عادة الاوتوستراد الرئيسي بين صيدا وصور.

- بحسب المعلومات فان ثمة جنوحا عن الخط حصل مع القافلة المؤلفة من آليتين كانتا في طريقهما الى مطار بيروت. فالآلية الضحية التي سلكت طريق الساحل الفرعي اتصلت بقيادة القافلة وابلغتها بانها ضلّت الطريق وسلكت الطريق الساحلي، وطالبتها القيادة باستكمال السير ليكون اللقاء عند الزهراني.

وشاء سوء الحظ ان يكون مرور هذه الآلية وسط موكب شبابي كان خرج للتو من متابعة مباريات المونديال فحصل ما حصل من تلاسن ثم إشكال انتهى بالمأساة المعلومة (قتيل وجرحى).

في البداية ثمة من ذهب في قراءته للموقف الى حد الاستنتاج ان الحادث هو عبارة عن اول اختبار يجري مع القوة الدولية بعد قرار مجلس الامن الصادر في آب الماضي، والذي قضى بتعديل مهمات هذه القوة وحررها من كثير من القيود ومنها الزامية مرافقة الجيش لدورياتها وتحركاتها.

ومعلوم انه في حينه ابدى الحزب على لسان سيده حسن نصرالله رفضه لهذا التعديل وتحذيره من نتائجه وأثار يومها موجة رفض واسعة، لكن الجهات الدولية المعنية ما لبثت ان قدمت تطمينات الى الدولة والحزب مفادها ان هذا التعديل لا يعني اطلاقا تغييرا في قواعد الاشتباك في المنطقة المشمولة بالقرار 1701 (جنوب الليطاني) لان هذه القوة تحرص على الاداء المستمر لها منذ وصولها الى الجنوب صيف عام 2006. ومن يومها سارت الامور سيرا معقولا ما خلا بعض الحوادث. ومعلوم ايضا ان القوة الدولية حاولت في مناسبات شتى تعديل مهماتها فسعت الى نصب كاميرات مراقبة متطورة والى التوغل داخل القرى ما شكل استفزازا واجهته بيئة الحزب والسلطات المحلية الدائرة في فلكه، فما كان من هذه القوة الا ان عدلت عن المضي في هذا النهج بعدما ايقنت الصعوبات.

وفي كل الاحوال، يبدو ان للاطراف الثلاثة المعنيين مباشرة بالحادث مصلحة في الاحتواء والاستيعاب بأقل قدر ممكن من الضجيج.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار