الطائف لم يكن البداية... واتفاق الدوحة لم يرمّم أسس الدولة | أخبار اليوم

الطائف لم يكن البداية... واتفاق الدوحة لم يرمّم أسس الدولة

| الإثنين 19 ديسمبر 2022

محطّات تأثير دول الخارج... على قلب لبنان ومعادلاته الرئاسية

الطائف لم يكن البداية... واتفاق الدوحة لم يرمّم أسس الدولة


"النهار"- منال شعيا

التدويل: عبارة ليست غريبة على القاموس اللبناني أو الممارسة السياسية عند كل استحقاق أو مفصل. لطالما كان دور الخارج كبيراً، لئلّا نقول مصيرياً بالنسبة الى تحديد التوجهات الداخلية. ولعلّ كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأخير عن دعوته الى التدويل أو الى مؤتمر دولي، أعاد تسليط الضوء على أكثر من محطة، كان معها الخارج مقرّراً في مصير الداخل اللبناني.

منذ ما قبل الطائف، كان قلب لبنان يتأثر برياح الدول الخارجية وباتفاقات دولية أو عربية، إلا أن مرحلة ما بعد الطائف طبعت هذا الدور الخارجي بأكثر من بصمة، كانت أبرزها البصمة السورية أو النفوذ السوري في تقرير مصير لبنان.

الطائف... العهد السوري
عام 1989، كانت أوزار الحرب اللبنانية قد فكّكت كل مفاصل الدولة. أطبقت الميليشيات عليها بالكامل. في تلك المرحلة، عمل الأخضر الإبراهيمي مبعوثاً للجامعة العربية إلى لبنان، وقد أدّى دوراً مهماً في إتمام اتفاق الطائف الذي أنهى، عملياً، الحرب الأهلية اللبنانية بعد وساطة سعودية انتهت بوقف إطلاق النار بين الأطراف اللبنانيين المتنازعين.

الجميع ربّما يذكرون مسمّى "اللجنة الثلاثية العليا" التي كانت تضمّ الملك الحسن الثاني والملك فهد والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. آنذاك عملت تلك اللجنة على "ترقيع" الجسم اللبناني، إذ إن النواب، كما حالنا اليوم، لم يتمكنوا من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وباتت البلاد تحت حكم حكومتين، وهذا ما دفع بالجامعة العربية الى رفع وتيرة اهتمامها بلبنان.

وهكذا... كان ما كان من اتفاق الطائف الذي بات دستور لبنان الجديد. الاتفاق أسّس لمرحلة سياسية جديدة من الجمهورية اللبنانية. ويومها، استحق الإبراهيمي لقب "الإطفائي" لحرب لبنانية نزفت أكثر من 15 عاماً!

وأتى الرئيس رينيه معوض رئيساً... وإن لم يستطع أن يحكم... سبقه الاغتيال.

وعلى الرغم من الجهود العربية، بمباركة دولية، لم تكتمل معالم الجمهورية يومها. أتت مرحلة الطائف، في نظر البعض، على حساب المسيحيين، وهذا ما جعل عبارة "الإحباط المسيحي" ترافق كل النشاط السياسي الذي طبع مرحلة التسعينيات. كان الدور السوري يتعاظم، ولا سيما مع وصول الرئيس الياس الهراوي الى سدّة الرئاسة الأولى، والتمديد له بموافقة سورية بامتياز، أو بطلب سوري محكم... كان العهد السوري قد بدأ يترجم فعلياً على أرض الواقع اللبناني الداخلي... وأولى ترجماته كانت تنعكس في اختيار رؤساء الجمهوريات وأوصاف الطبقة الحاكمة برمّتها.

وإن كانت الواجهة سورية، فإن التوافق العربي عموماً، وعدم ممانعة الدول الأخرى "بشراسة"، أبقيا لبنان طويلاً رهينة تحت هذه الوصاية السياسية مترافقة مع وجود عسكري استمرّ 30 عاماً!

دم ... واتفاق الدوحة
طوال هذه الحقبة، كانت ثمّة قرارات دولية لم تُحترم ولم تُنفذ... أشهرها القرار 425، والقرار 1559.

الأول... استحق التنفيذ في عام 2000، حين انسحبت القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، في 25 أيار من ذاك العام.... وبعد خمسة أعوام، دقت ساعة التحرير الثانية... هذه المرة، في 26 نيسان 2005 حين انسحب آخر جندي سوري... إلا أن دور الخارج في اختيار الرؤساء و"نوعية" الحكم في لبنان لم يتبدّل... يومها، كان الرئيس إميل لحود قد أتى أيضاً بمباركة سورية عربية... ومُدّد له، على الرغم من المعارضة اللبنانية الداخلية الشرسة التي كلّفت دماً وسلسلة اغتيالات... كانت الأولى في نوعها، من حيث نوعية المستهدفين والفارق الزمني بين اغتيال وآخر...

خلال كل ذلك، تسارعت الأحداث في لبنان، فأتت حرب تموز 2006 التي كرّست انقساماً عربياً واضحاً تجاه لبنان، وتحديداً تجاه عمليات "حزب الله". بات الفرز العربي واللبناني أكثر من واضح... وبدأت تظهر رويداً رويداً النقمة الداخلية على أعمال "حزب الله" والانقسام العربي تجاه الحزب نفسه.

ولعلّ أحداث 7 أيار 2008 شكّلت الشاهد الأبرز لهذا الشرخ...

مرّة جديدة... كان لا بدّ من اتفاق عربي، وهذه المرة أتى من بوابة الدوحة... إنه "اتفاق الدوحة" الشهير الذي وُقّع في 21 أيار 2008... كان لبنان قد أمضى 18 شهراً من فراغ رئاسي وبعض الحوادث والاعتصامات... وكالبرق، تداعى الزعماء الى الجلوس معاً والتحاور على مدى أيام، لينتجوا اتفاقاً برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وبجهود اللجنة الوزارية العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وطبعاً بموافقة دولية... هو الاتفاق الذي حمل محاور ثلاثة: انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. إقرار قانون الانتخاب. تأليف حكومة "وحدة وطنية"...

ارتاح لبنان قليلاً، بعيد هذا الاتفاق، إلا أن أسس الدولة وإصلاحها لم تقويا... والدليل أننا واجهنا فراغاً رئاسياً آخر، كان الأطول: من 25 أيار 2014 الى 31 تشرين الأول 2016، اليوم الذي انتُخب فيه ميشال عون رئيساً للجمهورية!

انفجار المرفأ
... بدأ العهد العوني... في البدء اختفت حركة الموفدين... سوريين، سعوديين، فرنسيين... وغيرهم... الى أن حلّ 4 آب 2020... كان انفجار المرفأ. التاريخ والحدث اللذان قلبا كل المعادلات... منذ ذاك اليوم المشؤوم، والتصدّع اللبناني يتفاقم مع أزمة معيشية لم يعشها اللبناني، حتى في زمن الحرب.

... بالتوازي، أقفلت أبواب دول الخليج في وجه اللبنانيين... ومجدّداً، تحرّكت جامعة الدول العربية عبر وفد رفيع المستوى برئاسة الأمين العام أحمد أبو الغيط، الذي زار بيروت بعد انفجار المرفأ، وأعلن استعداده لتقديم كل الدعم الإنساني اللازم، وثانياً، عبر حركة قادها الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، في محاولة لرأب الصدع مع دول الخليج...

وبين كل ذلك، خطفت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت، عقب الانفجار، لتتحرّك مبادرة فرنسية ما في الأفق... وهذه المرة، في محاولة لإنقاذ ما بقي من مؤسسات هذا البلد، إن كانت تربوية أو صحّية أو اجتماعية... بعدما وصل الانهيار الى قلب القطاع الخاص أيضاً...
انتهى عهد عون.. و... اليوم ماذا؟ تارة يُحكى عن مبادرة قطرية، وطوراً عن دور فرنسي أولي في اختيار الرئيس المقبل للجمهورية، من دون إغفال الدور الأميركي في المنطقة وتأثيره في رفع أسهم هذا المرشح أو ذاك... كل ذلك، وسط عجز لبناني داخلي عن رأب الصدع أو في إنتاج حدّ أدنى من الاتفاق على اسم جديد للجمهورية، لعلّه معه تبدأ محاولة الترميم والإنقاذ الحقيقية...

والى أن يأتي ذاك اليوم، كثر يطرحون تواريخ لإنهاء الأزمة، منهم من يقول في شباط المقبل ومنهم في أيار الآتي... كل ذلك، للدلالة على أن الرياح اللبنانية لم تعصف يوماً من دون رياح دولية... وأوامر تعطى كضوء أخضر للانطلاق...!

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار