أين تعهدات المسؤولين لصندوق النقد؟ | أخبار اليوم

أين تعهدات المسؤولين لصندوق النقد؟

| السبت 24 ديسمبر 2022

وضع ركائز لاعادة نهوض الدولة


 "النهار"- روزانا بومنصف

لا يتوانى الديبلوماسيون الغربيون المعتمدون في لبنان عن التكرار في كل جلسة مع اعلاميين او سياسيين ان اتفاق الترسيم الحدودي البحري مع اسرائيل على اهميته "التاريخية " وتأثيره الايجابي البعيد المدى في حال اسفر التنقيب عن وجود كميات تجارية كبيرة من الغاز لا يغني ابدا عن التزام اجراء الاصلاحات التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي. وثمة استغراب مستمر لكلام او مواقف تصدر وتفيد بان الاكتشافات المرتقبة والموعودة هي الخلاص لاقتصاد لبنان فيما ان مسارها طويل وبعيد المدى ولا يمكن وضع لبنان او اقتصاده في الثلاجة في الانتظار . كما ثمة استغراب للمنطق الذي لا يبرز الاتفاق مع صندوق النقد حول الاجراءات التي تعهد لبنان باتخاذها .

وليست الحكومة وحدها من تعهد بذلك حين كانت حكومة فاعلة وليست حكومة تصريف للاعمال وتضم كلا من التيار العوني و"حزب الله" وحركة " امل" بل ان الرؤساء الثلاثة هم من تعهدوا بذلك مجتمعين وفي بيانات افرادية من اجل اقناع صندوق النقد بان لبنان ملتزم اجراء الاصلاحات . لا بل اكثر من ذلك فان " حزب الله" اكد للفرنسيين انه ضامن للاتفاق مع الصندوق وملتزم ما يطلبه . ومن هنا الاستغراب للمواقف التي تطلق في هذا الاطار .

غادر الرئيس ميشال عون موقعه ولكن تياره لا يزال موجودا في مجلس النواب وحكومة تصريف الاعمال ، فيما ان الممارسة النيابية في مناقشة الخطوات المطلوبة من صندوق النقد الدولي تدعو الى الخجل وكأنما التأخير والمماطلة يمكن ان يتيحا تغيير المعطيات وتاليا غض النظر عن الاصلاحات . وهذا لن يحصل. وتاليا فان السؤال الاساسي راهنا هو اين هم هؤلاء السياسيون من التزاماتهم وتعهداتهم وهل يرتقون اليها ام لا؟ وهل لا يزال الاتفاق مع الصندوق قائما على ضوء عاملين اساسيين احدهما هو المماطلة في اقرار ما هو مطلوب جنبا الى جنب مع تجويفه من مضمونه كما حصل في موضوع السرية المصرفية وكما يحصل في موضوع الكابيتول كونترول . والعامل الاخر هو اذا كانت المعطيات التي املت شروطا معينة من اجل اقرارها وكانت جوهر الاتفاق المبدئي مع الصندوق يمكن ان تنسف هذا الاخير نتيجة تقدم معطيات جديدة على غرار انهيار كارثي متدحرج لسعر الليرة اللبنانية وما يتركه من تداعيات ؟

و ترد مصادر ديبلوماسية عقم الطبقة السياسية ككل الى الانتخابات النيابية الاخيرة التي وان لم يصوت فيها اكثر من نصف اللبنانيين الناخبين، فانها لم تحاسب السياسيين بل اعادت انتخابهم الى حد كبير .

والدليل الابرز على ذلك ما تستله احزاب او تيارات على نحو شبه يومي من ذرائع بانها تتمتع على سبيل المثال لا الحصر باكبر تكتل نيابي في اطار الذريعة التي تعتمد اما لتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية او منع اي اقرار قانون يتعلق بالاصلاحات المطلوبة ، وكأنما التمتع بكتلة نيابية كبيرة يخول الاحزاب او التيارات استباحة القيام باي اداء من دون ايلاء تردي الاوضاع اي اهمية . وغياب المحاسبة هو ما يتيح لرئيس حكم ستة اعوام المطالبة باستمرار النهج نفسه عبر انتخاب رئيس يكمل ما قام به في تناقض كلي مع ما رآه في انتفاضة اللبنانيين التي اعتبرها موجهة ضده او ضد تياره في الاساس. ولكن ثمة امورا يفترض الا تعتقد القوى السياسية ان الامر مسلم به في التعاطي خارجيا مع لبنان فيما ان كل الدول المهتمة لم تتزحزح حتى الان عن شروط الاصلاح ولن تفعل . فصندوق النقد ووفق المصادر نفسها سيبقى منتظرا اذا شاء لبنان التزام تعهداته وسيبقي الباب مفتوحا امام تنفيذ الاجراءات المطلوبة من لبنان . وربما اطمئنان القوى السياسية لذلك يجعلها تستغرق في استنفاد كل الاوراق الموجودة لديها لتحسين مصالحها وتعزيزها وكذلك الامر بالنسبة الى استمرار التعاطي الخارجي مع المسؤولين السياسيين .

فعلى رغم الانتقاد الشديد للطبقة السياسية وضرورة تغيرها كما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في حديثه ل" النهار" فان الخارج لا يزال يتعامل مع القوى السياسية التي لا ترى جدية او صدقية في الكلام الخارجي الذي ليس من مسؤوليته ان يغير الطبقة السياسية ولكنه يستمر في مدها بمصل الاستمرار بحكم انها تتعاطى مع قوى الامر الواقع ليس الا . ولكن الجواب على السؤالين الانفين ان هذه القوى ينبغي ان تنفذ تعهداتها لان لا غنى عن الاتفاق مع الصندوق ولان تغير المعطيات لا يغير في جوهر المضمون المطلوب وان يكن يمكن ان يحصل نقاش يتصل بالمعطيات المتغيرة مثلا . وهذا يستوجب حوارا جديا بين القوى السياسية تطلق عليه هذه المصادر صفة او عنوان " حوار التنازلات " .

بمعنى ان على القوى التي ستجلس على الطاولة ان تقر بان استمرارها مثلا في استنزاف الدولة بالتوظيف العشوائي واثقال كاهل الدولة به غير ممكن ويجب وقفه والتخلي عنه . واكثر ما ينطبق ذلك مثلا على الثنائي الشيعي في مقابل ضرورة اقرار القوى السنية والمسيحية بان متغيرات كبيرة دخلت على القطاع المصرفي وان الامور لا يمكن ان تعود الى ما كانت عليه سابقا ولا يجب ان تعود الى ذلك . وهذه نماذج فقط من اجل وضع ركائز لاعادة نهوض الدولة لانه ما لم تتنازل القوى السياسية عن امتيازات استنزاف الدولة ستبقى الدولة تغرق علما ان الحوار يفترض التوافق على تقديم تعهدات بحيث لا تبدأ الامور مثلا في اعادة هيكلة القطاع المصرفي لكي تتوقف عنده من دون مواصلة الخطوات الاخرى المطلوبة كما يجري عادة في لبنان . فهذا ما حصل في باريس 1و2و3 ويمكن ان يستمر في الحصول كذلك .

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار