عام الانسداد والتباعد والفراغ... من انسحاب "الحريرية" إلى نهاية عهد عون | أخبار اليوم

عام الانسداد والتباعد والفراغ... من انسحاب "الحريرية" إلى نهاية عهد عون

| الخميس 29 ديسمبر 2022

مزيد من الجمود السياسي وسط رتابة غير معهودة

 "النهار"- عباس صباغ

يطوي العام 2022 صفحاته على مزيد من الجمود السياسي وسط رتابة غير معهودة على رغم الشغور في سدة الرئاسة الاولى واستمرار الكباش بشأن ممارسة حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئيس الجمهورية.

كل ذلك بموازاة ازمة معيشية ومالية لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ تأسيسه قبل اكثر من مئة عام. فما هي ابرز المحطات السياسية في العام 2022؟

لم يكد الشهر الاول من العام يمضي حتى برز الاعلان - الصدمة الذي صدر من "بيت الوسط "، وان كانت مؤشرات عدة ظهرت قبل الاعلان عنه رسمياً، والمتمثل بانسحاب رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري من الحياة السياسية، وعدم مشاركة تياره في الانتخابات النيابية لا ترشيحاً ولا اقتراعاً للمرة الأولى منذ تأسيسه.

ربما هو الحدث السياسي الابرز الذي سجله العام 2022 والذي كرس غياب الحريرية السياسية عن مشهد كانت فيه لأكثر من ثلاثة عقود احد ابرز اعمدة الحياة السياسية اللبنانية، وخصوصاً مع بدء الرئيس الشهيد رفيق الحريري ترؤس الحكومات منذ العام 1992. وعلى ذكر الحكومات فإن خبر انسحاب الحريري الابن ازاح الاهتمام عن عودة حكومة الرئيس #نجيب ميقاتي للانعقاد في اليوم عينه للاعلان عن خطوة رئيس "تيار المستقبل" بعد تعطيل استمر نحو 100 يوم اثر مقاطعة وزراء "امل" و"حزب الله" و"المردة" الجلسات الحكومية منذ 13 تشرين الاول من العام 2021 ربطاً بالاعتراض على مسار التحقيق في انفجار المرفأ.

انسحاب الحريري من الحياة السياسية خلط الاوراق، ولا سيما في الانتخابات النيابية التي أُجريت في منتصف ايار الماضي، ولم تستطع قوة وازنة ان ترث بشكل واضح الحريرية السياسية.

ظلت البلاد لاسابيع اسيرة التكهنات بمرحلة ما بعد الحريري، ولا سيما ان موعد الانتخابات كان يقترب الى ان حسمت مرجعيات دينية وسياسية سنية قرار المشاركة في الانتخابات.

الاهتمام بمصير الانتخابات خرقته عودة سفيري السعودية والكويت الى لبنان بعد ازمة لبنانية - خليجية غير مسبوقة تُرجمت بسحب السفراء الخليجيين وكذلك عودة السفراء اللبنانيين من دول خليجية الى بيروت بعد احتجاج سعودي على وصف وزير الاعلام السابق جورج قرداحي الحرب في اليمن بالعبثية، وانتهت جزئياً بعد استقالة قرداحي نهاية العام 2021.

وبالعودة الى الانتخابات، كان مجلس النواب قد أقر تعديلات على قانون الانتخاب بحيث أصبح موعد الانتخابات في السابع والعشرين من آذار بدلا من شهر أيار. كما اقر اعطاء الحق للمغتربين للاقتراع في الخارج، ولم يبحث في "الميغاسنتر" فيما جمد العمل بالبطاقة الممغنطة. لكن الرئيس #ميشال عون لم يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للاقتراع في آذار ثم عاد ووقع مرسوم دعوتها للاقتراع في 15 أيار.

أما الحدث الثاني الابرز فكان اجراء الانتخابات النيابية وما افرزته من خريطة نيابية غير مألوفة في البلاد على الاقل منذ العام 1992، واخفقت القوى الاذارية السابقة في الاستحواذ على الاكثرية، وخصوصاً بعد نجاح 13 مرشحاً من "النواب التغييريين" قبل ان يحصل الطلاق بين عدد منهم، وعدم تموضع هؤلاء في أي "خندق برلماني"، أو على الاقل لم يعلنوا ذلك، وان كانت محطة انتخاب رئيس ونائب رئيس المجلس قد حملت اصطفافات غير ثابتة.

لكن نتائج الانتخابات النيابية جاءت لافتة لبعض القوى سواء بسبب ارتفاع عدد نوابها وفي مقدمها "القوات اللبنانية"، او بتراجع دراماتيكي مثل "تيار المردة" وكذلك غياب احزاب عن ساحة النجمة للمرة الاولى منذ العام 1992 ابرزها الحزب السوري القومي الاجتماعي. اما اللافت في تلك الانتخابات فهي الخروقات، ولا سيما في الجنوب، وخسارة "التيار الوطني الحر" نوابه في جزين لمصلحة "القوات اللبنانية" وتحالف النائبين اسامة سعد وعبد الرحمن البزري.
في 31 ايار اعيد انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية سابعة في رئاسة البرلمان بـ65 صوتاً من الدورة الاولى، وهي ادنى نسبة اصوات يحصل عليها منذ العام 1992، ويعود ذلك الى إحجام كتل وازنة عن التصويت لبري منها "الجمهورية القوية" ومعظم نواب تكتل "لبنان القوي"، اضافة الى "التغييريين" والكتائب. اما انتخابات نائب الرئيس فشهدت اعادة تموضع لبعض الكتل ومنها كتلة "اللقاء الديموقراطي" التي صوتت للنائب غسان سكاف في مواجهة النائب الياس بو صعب الذي فاز بـ65 صوتاً في الدورة الثانية.

ويذكر انه مع بدء ولاية المجلس في 21 ايار اضحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة بحكم الدستور وباتت حكومة تصريف اعمال.

في 23 حزيران اعيد تكليف ميقاتي لتأليف الحكومة بعد حجب اصوات معظم الكتل المسيحية الوازنة عنه وحصل على 54 صوتاً مقابل 25 صوتاً للسفير نواف سلام، فيما فضّل 46 نائباً عدم تسمية احد.

هذه الخريطة كانت تشي بأن طريق التأليف صعب ومعقد، وبالفعل انتهت ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الاول ولم تبصر الحكومة النور ما فاقم الخلافات السياسية وسط سجال دستوري سياسي بشأن انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية الى حكومة مستقيلة، وكان عون غادر القصر الجمهوري قبل انتهاء ولايته بيوم واحد واضعاً حداً للتكهنات التي اطلقها خصومه بأنه سيبقى في بعبدا بعد انتهاء الولاية، لكنه اصدر في 30 تشرين الاول مرسوم قبول استقالة حكومة ميقاتي ووجّه رسالة الى مجلس النواب لتدارك الفوضى الدستورية والبحث في التكليف. وقد ناقش مجلس النواب في 3 تشرين الثاني رسالة عون وكذلك ما طلبه ميقاتي من المجلس عبر رئيسه، واوصى باستمرار حكومة الاخير في تصريف الاعمال وفق الاصول الدستورية.

هذه التوصية لم توقف السجال بشأن ممارسة الحكومة صلاحيات الرئيس، واستمر التراشق الاعلامي بين الرابية وميرنا الشالوحي من جهة والسرايا الحكومية من جهة أخرى، علماً ان العام 2022 شهد اقسى السجالات الاعلامية بين الرئاسة الاولى وكل من الرئاستين الثانية والثالثة.
بعد شهر على توصية مجلس النواب دعا ميقاتي الى جلسة حكومية. وعلى رغم البيان الذي اصدره تسعة وزراء (الثلث زائداً واحداً من عدد وزراء الحكومة) الا ان الجلسة عقدت في 5 كانون الاول واصدرت مراسيم عدة بعد كسر الوزير جورج بوشكيان قرار المقاطعة وتأمينه نصاب الجلسة، ما دفع كتلة الامين العام لحزب الطاشناق النائب اغوب بقرادونيان الى اعلان فصل بوشكيان من كتلة نواب الارمن.

تلك الجلسة اعادت السجال الحاد بين "التيار الوطني الحر" ورئيس الحكومة، واتخذ الخلاف أشكالا عدة منها تمنّع وزير الدفاع موريس سليم عن توقيع مرسوم تمديد ولاية عضوين في المجلس العسكري وكذلك اشتراطه تضمين المرسوم المتعلق بمساعدة العسكريين توقيع 24 وزيراً.

التئام الحكومة وتفرّق الحلفاء
انعقاد حكومة ميقاتي في الجلسة الشهيرة في 5 كانون الاول لم يتوقف على استعار الخلاف بين "التيار البرتقالي" ورئيس الحكومة، لكنه اظهر للمرة الاولى التباين بين طرفي ورقة "تفاهم مارمخايل"، أي "حزب الله" و"التيار الوطني"، حيث وجه باسيل سهامه في مختلف الاتجاهات ولم يسلم منها حليفه الوحيد "حزب الله"، وللمرة الاولى اصدر الاخير بياناً رد فيه على حليفه مؤكداً انه لم يخالف أي اتفاق مسبق بشأن انعقاد الحكومة، وجاء في الرد ان الحزب "لم يقدم وعداً لأحد بأن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع"، وكان واضحاً ان الحزب امتعض من كلام حليفه عن النكث بالوعد واستعماله عبارة "صادقين في الوعود "، لكن باسيل عاد واوضح في مقابلة تلفزيونية ما معناه انه لم يقصد السيد نصرالله.

وبغضّ النظر عن التوضيح الباسيلي الا ان ما حدث شكل سابقة في العلاقة بين حارة حريك وميرنا الشالوحي واحدث تباعداً غير مألوف بين الطرفين منذ توقيع التفاهم في 6 شباط 2006.

عشر جلسات للمجلس ولا رئيس
قبل انتهاء ولاية عون دعا بري المجلس النيابي الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في 29 ايلول، وخلال الجلسة نال المرشح ميشال معوض 36 صوتاً فيما صوّت 63 نائباً بورقة بيضاء، وصوّت نواب التغيير الـ11 لسليم اده فيما صوّت 10 نواب من كتلة "الاعتدال" والمستقلين بورقة كُتب فيها "لبنان".

وكرت سبحة الجلسات ووصلت الى عشر في 15 كانون الاول من دون تبديل في التوجهات، واستمر التنافس بين معوض والورقة البيضاء، علماً أن النصاب كان يفقد بعد الدورة الاولى في كل جلسة.

وكان رئيس المجلس قد دعا الى حوار وطني لكن معارضة كتل وازنة في مقدمها "الجمهورية القوية"، وكذلك تحفّظ تكتل "لبنان القوي" اجهضا وان موقتاً الدعوات للحوار. وكان الرئيس عون جمد دعوته للحوار مطلع العام نظراً الى عدم حماسة خصوم العهد للمشاركة.
اما على مستوى التشريع فأقر البرلمان الموازنة العامة في 16 ايلول بأكثرية 63 نائباً من أصل 128، ومعارضة 37 وامتناع 6 نواب.

الى ذلك، اخفق المجلس في اقرار قانون "الكابيتال كونترول"، وكذلك تم تأجيل جلسة للهيئة العامة كانت مقررة للاستماع الى ثلاثة وزراء اتصالات سابقين بعد توقيع 26 نائباً على عريضة الاتهام النيابية.
المجلس الدستوري: قبول طعنين ورد سائر الطعون
خلال العام 2022 اصدر المجلس الدستوري قراراته في الطعون الانتخابية، وبعد انتظار قبل الطعن المقدم من المرشح فيصل كرامي والمرشح حيدر آصف ناصر واعلن فوزهما عن المقعدين السني والعلوي في طرابلس في 24 تشرين الثاني بعدما ابطل نيابة رامي فنج وفراس السلوم.
لقاءات سياسية لافتة
شهد العام لقاءات سياسية عدة ابرزها كان بين الحلفاء وتمظهر بلقاء رئيسي "التيار الوطني" و"المردة" باسيل وسليمان فرنجية الى مائدة افطار في ضيافة السيد نصرالله في 8 نيسان، وكان اللقاء الاول بين المرشحَين لرئاسة الجمهورية واللذين تنافشا في الانتخابات النيابية من دون ان تنجح مساعي الحليف المشترك بجمعهما. لقاء آخر حمل دلالات سياسية هو الذي كان جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووفد قيادي من "حزب الله" ضم المعاون السياسي للامين العام للحزب حسين الخليل ومسؤول الارتباط واللجنة الامنية في الحزب وفيق صفا في 11 آب. وقبل ان يطوي العام آخر اوراقه التقى جنبلاط رئيس "التيار البرتقالي" النائب جبران باسيل، وسبق اللقاء غداء بين الاخير وميقاتي منتصف كانون الاول، وتلاه لقاء حمل سمة اجتماعية بين باسيل وفرنجية وكل ذلك في انتظار مبادرة لباسيل مطلع العام 2023.

اتفاق ترسيم الحدود
في 27 تشرين الاول، توصل لبنان بوساطة اميركية الى اتفاق غير مباشر لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فيما تعثّر الترسيم مع قبرص وسوريا. ذلك الترسيم اظهر تباينات في المواقف مع اتهامات لمعارضي العهد و"حزب الله" بالتخلي عن الخط 29 والقبول بالخط 23 الذي يضمن للبنان كامل بلوكاته الحدودية مع كامل حقل قانا. ويذكر ان رسالة ارسلتها الحكومة الى الامم المتحدة في 28 كانون الثاني ومن ثم تبين انها حذفت من الموقع الرسمي للمنظمة الاممية وسط غموض اكتنف ذلك الحدث غير المتعارف عليه.
الانحياز الى اوكرانيا ورفض الهبة الايرانية
حمل العام 2022 تخلياً عن سياسة النأي بالنفس بالنسبة الى الازمات الخارجية، وسجل لبنان وقوفه السياسي في "معسكر اعداء موسكو" ربطاً بالحرب في اوكرانيا ودان الهجوم الروسي على اوكرانيا وصوّت في المنظمات الاممية مع كييف ضد موسكو.
تلك الخطوات شكلت سابقة سياسية، ولا سيما ان بين لبنان وروسيا علاقات تاريخية طيبة.
الى ذلك، رفض لبنان وان لم يعلن ذلك، هبة الفيول الايرانية التي كانت ستمنحه اكثر من نصف مليون طن من الفيول.
ذلك الرفض الضمني جاء على رغم زيارة وفد من وزارة الطاقة والمياه الى طهران واطلاعه على تفاصيل الهبة ومواصفات الفيول الايراني.
وفي سياق آخر، نجح المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم والحكومة في تجديد عقد الفيول العراقي.

ازمة النزوح السوري ... مكانك راوح
لم ينجح لبنان في انتزاع موافقة غربية وحتى عربية لوضع حد لتداعيات النزوح السوري. فتلويح رئيس الحكومة باللجوء الى الاطر القانونية لاعادة النازحين الى ديارهم ترجمت باستئناف تنظيم رحلات العودة الطوعية من دون ان يتغير الموقف الغربي وسط خلاف بين الوزارات المعنية بأزمة النزوح وعدد من السفراء الغربيين وكذلك مع المنظمات الاممية. وعليه لم يحمل العام 2022 تطوراً لافتاً في وضع خطة لاعادة النازحين الى سوريا، فيما كان التطور الوحيد زيادة أعدادهم في لبنان.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار