"حزب الله" يأسر "التسوية" بـ"الرئيس المقاوم"! | أخبار اليوم

"حزب الله" يأسر "التسوية" بـ"الرئيس المقاوم"!

| الإثنين 09 يناير 2023

اجتماع باريس غير نهائي: الحل مستبعد والفراغ يطول...

"حزب الله" يأسر "التسوية" بـ"الرئيس المقاوم"!


 "النهار"- ابراهيم حيدر

يظهر المشهد اللبناني مزيداً من الانهيار والتفكك في ضوء سلسلة تطورات محلية وإقليمية، ويواجه لبنان مزيداً من الاخطار في ظل العجز عن انتاج تسوية مرحلية للعبور إلى الاستحقاقات تؤسس للحل، وسط تراجع الاهتمام الخارجي أو أقله المساعي الإقليمية والدولية لتقريب وجهات النظر لإنتاج التسوية. فالتوقعات تشير إلى أن إنجاز استحقاق الرئاسة قد يأخذ وقتاً طويلاً يذكر بمرحلة الشغور التي عاشها البلد بين 2014 و2016 وعقدت خلالها عشرات الجلسات النيابية لم تستطع انتخاب الرئيس إلى أن حانت اللحظة الخارجية لحسم الملف بعد اختلال موازين القوى بتشكيل وعاء داخلي عبر كتل متعددة أوصلت ميشال عون إلى الرئاسة. أوجه التشابه بين مرحلتي الشغور السابقة والحالية قائمة لكنها تختلف في ضوء الأزمات الدولية الحالية وتغير الكثير من المعطيات التي تجعل الوضع اللبناني أكثر خطورة بأشواط عن السابق.

الصورة القاتمة في ما يتعلق بعدم القدرة على انضاج تسوية وانجاز الاستحقاق كان عبّر عنها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في مقاربته الأخيرة للملف الرئاسي، حين اعتبر أن لا مساعي خارجية جدّية لانتخاب رئيس، وأنه لا يُعوّل عليها لانجاز تسوية داخلية، مكرراً موقفه حول التمسك بـ"رئيس لا يطعن المقاومة". والواضح أن هذا الموقف له امتدادات خارجية، فهو يقصد وفق مصدر سياسي متابع، الأميركيين بالدرجة الأولى. يتهم "حزب الله" الولايات المتحدة بفرض المزيد من الحصار على لبنان وهي تسعى وفق ما يروجه لإطالة أمد الفراغ، ولا تسهّل انتخاب رئيس للجمهورية بأمر عمليات، وهدفها تجويع اللبنانيين لفرض أمر واقع على محور الممانعة. لكن الامر أبعد من ذلك إذا نظرنا إلى مقاربة نصرالله إقليمياً، بعد انسداد أفق التفاوض حول الملف النووي، وعودة المواجهة بين الأميركيين والإيرانيين، إضافة الى الموقف الأوروبي المتشدد حيال طهران. وهذا التوتر الإقليمي والدولي ينعكس على المنطقة ولبنان.

الواقع ان نصرالله لا يحدد طبيعة المساعي الخارجية وما إذا كان يقصد أيضاً تفاهماً سعودياً- إيرانياً حول لبنان، وفي المقابل لا يتقدم بمبادرة داخلية تقوم على التوافق لانجازالاستحقاقات. ولذا فإن المشكلة اللبنانية باتت أبعد من مجرد انتخاب رئيس، طالما أن كل القوى لديها رهانات على تغيير ما في المشهدين الإقليمي والدولي يسمح بتعديل وجهة البلد ونظامه، فالحل الدولي لم يحن أوانه بعد نظراً لحسابات الدول حول المنطقة ولبنان. ويقال وفقاً لمعلومات متقاطعة أن عدداً من المسؤولين اللبنانيين وممثلي القوى السياسية والطائفية أجروا اتصالات بأطراف خارجية لتلمّس ما إذا كانت هناك بوادر لتدخل دولي جدي في الوضع اللبناني، لكنهم لم يتلقوا ردوداً حاسمة، انما كان واضحاً أن هناك تراجعاً في الاهتمام بلبنان وهو ما بدأ يُترجم بالتردد في منح قروض وهبات من المؤسسات الدولية أو حجبها أيضاً.

اللافت والمهم أيضاً هو تراجع التحرك الفرنسي تجاه لبنان، ويعيده المصدر السياسي إلى توتر العلاقة مع "حزب الله"، ليس بسبب ما تعرضت له القوات الدولية من هجمات فحسب، إنما امتداداً للخلاف السياسي بين طهران وباريس والذي بلغ ذروته أخيراً في الموقف من الاحتجاجات ثم انتقاد طهران لنشر صور في مجلة فرنسية تعتبرها مسيئة للخامنئي، فضلاً عن اتهام طهران بمساندة روسيا في الحرب الأوكرانية. وعليه بدأ "حزب الله" يضع فرنسا في خانة العداء بـ"انحيازها" للأميركيين.

النقطة الفاصلة في الموقف الدولي حول الاهتمام بلبنان، يعيدها المصدر أيضاً إلى كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتصف الشهر الماضي في مؤتمر بغداد 2 في الأردن، حين ربط حل أزمة لبنان بملفات المنطقة، معتبراً أن معالجة الازمات السورية والعراقية واللبنانية مرتبطة، وهو ما يجعل الحل اللبناني معلقاً بتقدم التسويات في المنطقة، ولا يحدث من دون التوافق مع إيران.

من هذا المدخل يقدم "حزب الله" نفسه لاعباً أساسياً في الملف الرئاسي والتسوية، وعندما يسمي نصرالله مواصفات مرشحه، اي الرئيس الذي "لا يطعن المقاومة بالظهر"، فإنه يشكل نقطة خلافية في ما يتعلق بهذا المعيار تحديداً، فالرئاسة هي استحقاق ينبغي أن يُدرج في برنامج انقاذ البلد وحمايته، ولا يمكن لاي رئيس يتصرف كطرف في الحكم أن يكون حكماً بين اللبنانيين. ومن مقاربة نصرالله لموقع الرئاسة لا يبدو أن "حزب الله" منفتح على مناقشة الخيارات المطروحة والتوافق على الملفات الخلافية، حتى وهو ينفتح على البطريركية المارونية ويساجل التيار العوني، إذ يقدم منطلقاته السياسية وحساباته المحلية والإقليمية عليها.

هذه التطورات تظهر عمق الأزمة في لبنان، والتي باتت تتخطى القوى الداخلية وقدرتها على انتاج تسوية للملفات العالقة. فالمؤكد أن اصطفافات سياسية جديدة بدأت تظهر في ضوء الانسداد القائم، حيث تشير المعلومات إلى أن المواجهات قد تأخذ منحى تصاعدياً في محاولة لتكريس توازنات جديدة. وانطلاقاً من ذلك بات واضحاً أن انجاز الاستحقاق الرئاسي مستبعد بقاموس "حزب الله"، في ظل الاصرار على مواصفات محددة للرئيس، فيما الإرادة اللبنانية حول التوافق غير متوافرة، والاهتمام الدولي بلبنان لا يرقى إلى مستوى الأولويات. وبالنظر إلى أن "حزب الله" لا يزال يتمسك باسم سليمان فرنجية، فإن التوافق داخلياً بين القوى السياسية والطائفية على انتخابه مسألة فيها الكثير من الصعوبة. وعليه يؤكد "حزب الله" حتى حين يتحدث نصرالله عن تراجع المساعي الخارجية، على علاقة الاستحقاقات اللبنانية بالملف النووي الإيراني وبالمفاوضات السعودية – الإيرانية، وبالتالي فإن تحريك الستاتيكو الداخلي بحاجة إلى رافعة خارجية، يعتبر نصرالله مدخلها التسوية مع إيران.

التراجع الدولي عن التقدم لمعالجة الملف اللبناني يعكسه ايضاً عدم تحديد موعد نهائي لاجتماع باريس الذي يجمع فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر، وتفيد المعلومات أنه قد يُرحل إلى الشهر المقبل. ويقول المصدر السياسي أنه لا يمكن التعويل على نتائج سريعة في حال عُقد الاجتماع طالما أن هناك فيتو إيراني على أي حل من دون التواصل مع طهران، وهو أمر مستبعد حتى الآن، إضافة إلى اختلاف وجهات النظر بين الدول الأربع حول حل الملف اللبناني.
المسار الدولي للحل في لبنان تحكمه حسابات ومصالح معقدة، فالاتصالات السعودية – الإيرانية حول ملفات المنطقة معلقة، والمفاوضات النووية وصلت الى طريق مسدود، والفرنسيون باتوا مقتنعين أن الخروج من دائرة المراوحة يلزمه ضغوط مختلفة، ولذا التركيز يتم حول كيفية تأقلم لبنان ومنعه من السقوط نهائياً في دائرة الفوضى. لكن الصراع الحالي يمكن أن يشهد تصعيداً ويضع البلد أمام احتمالات انهيار كبرى، يواكب الفراغ ويمده بعناصر الاستمرار. وإلى حين الوصول إلى اتفاقات خارجية تترجمها توافقات داخلية بين القوى الرئيسية في البلاد، سنشهد فصولاً كارثية في البلاد.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار