التصعيد المسيحي في مرمى الثنائي | أخبار اليوم

التصعيد المسيحي في مرمى الثنائي

| الخميس 19 يناير 2023

"النهار"- روزانا بومنصف

يحرج التصعيد المسيحي السياسي كما الكنسي الثنائي الشيعي، وقد باتت الانتقادات تطاول تحديد مسؤولية مجلس النواب كما رئيسه نبيه بري في إدارة الجلسات الانتخابية لجهة رفع الجلسة وإقفالها فور إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، فيما كان دور بري أقل إيلاماً من الدور الذي يمارسه "حزب الله".

ولم يعجب كثيرون بالكلام الأخير الذي ورد على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حيال إمكان إعادة النظر في التركيبة السياسية إذا قُيّض للحزب أن يفرض الرئيس الذي يريده. ولكنّ هذا الكلام ورد أيضاً في مواقف كل القوى المسيحية بما فيها الحليف المسيحي للحزب، وإن بطرق أو بعبارات مختلفة تحت وطأة الدلع أو الرغبة في إظهار التمايز وعدم التمادي مع الحزب بالنسبة إلى هذا الأخير لاعتبارات شخصية ومصلحية مباشرة.

ولكنّ المغزى في خلاصة هذه المواقف أن الكأس المسيحية طفحت ولم يعد في إمكان هذه القوى التسليم بما يريده الحزب في الوقت الذي بات فيه اللبنانيون فقراء وقد أصابهم العوز والجوع، ولم تعد المبررات السياسية مهما تكن، التي شكّلت شعارات الحزب عناوينها، كافية لإقناع أو تفسير ما يحصل، سواء في خوض حروب الجوار أو رفض شروط صندوق النقد الدولي أو معاداة الدول العربية. يأخذ البعض ما قيل في هذا الصدد على أنه جرس إنذار لا يستطيع الثنائي الشيعي تحديداً "حزب الله" تجاهله بغض النظر عن الذهاب في ترجمة ما لوّح به جعجع وسواه عملانياً، بحيث يفترض أن يخطو الحزب خطوة إلى الوراء ويراجع مواقفه ومقارباته الأمور إن رغب في بقاء الدولة ولو واجهة في الحد الأدنى مع إعطاء فرصة لبقاء مؤسساتها. فالحزب لن يستطيع حتى لو قُيّض له تولّي مسؤولية مناطق نفوذه وسيطرته كاملة أن يتحمّل هذه المسؤولية، فكيف بمسؤولية بلد لن تكون قواه السياسية مستعدة للتسليم له بأمر واقع قد ينجح في فرضه. فالانفصال الطوائفي المناطقي أمر ليس بالسهولة التي يسوّق لها البعض ولا بالبساطة التي تُثار. وينسحب ذلك على واقع صعوبة إعادة النظر في التركيبة السياسية اللبنانية أياً يكن من يطرحها وهي أمر معقَّد. ولكن ينبغي الإقرار بأن ما بات يُرمى من اقتراحات على هذا الصعيد يثير قلقاً لدى كثر، حتى لو كان الأمر في إطار الضغوط من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية أو من أجل تجميع أوراق تسمح بالتأثير بقوة في هذه الانتخابات. فالمسألة أن الضيق الذي يُعبّر عنه مسيحياً راهناً يجد حكماً صدى سنيّاً كبيراً ودرزياً كذلك، ما يسهم بتضييق الهامش أمام الحزب حتى لو قام بحركة انفتاح على المرجعيات الروحية بعد الأعياد بدءاً من بكركي. فهذه الحركة أدرجها البعض في إطار إظهار قدرته على ذلك وعدم حاجته إلى إرضاء ابتزاز حليفه المسيحي الرافض دعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يؤيّده الحزب. ولكن كان يفترض أن تكون هذه الحركة فرصة حقيقية لبدء البناء على إمكان اختصار مدة الشغور الرئاسي كذلك، فيما لم يحصل أيّ من ذلك. وأن يرد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن #نصرالله الاتهامات بوجود رغبة في إفراغ المواقع المارونية، فإنما لإدراكه أن الكرة في مرماه من القوى المسيحية على اختلاف مواقعها كما من الكنيسة المارونية، فيما هذا الرد قد لا يكون كافياً. ففي نهاية الأمر، المطلوب هو الأفعال لا الأقوال، فيما يردد الحزب مواصفات الرئيس الذي يريده ويقدّمها على المواصفات التي يريدها الآخرون، في الوقت الذي أُثير فيه موضوع انتخاب ميشال عون باعتباره رئيساً يطمئن الحزب، ما يسهم في تهدئة مخاوفه فيسمح تالياً ببناء الدولة دفع البلد إلى الانهيار الكلي وفرض الحزب نفوذه على القرار السياسي في البلد أو تُرك له الهامش واسعاً لذلك.

هذا التصعيد المسيحي من شأنه أن يصعّب احتمال مسايرة الحزب إن وُجدت أي محاولة خارجية لتأمين جامع مشترك بين القوى السياسية التي تصرّ على أن تكون لها كلمتها أيضاً في هذا السياق، وليس إرضاء الحزب باعتباره من يملك مفتاح التعطيل ومن يستفيد أيضاً من استحالة اتفاق القوى المسيحية على مرشّح معيّن بعد التجربة الفاشلة لتفاهم معراب. كذلك يستفيد من غياب الثقل السني الذي كان يشكّله تيار المستقبل الذي عجز النواب السنة عن ابتكار زعامات أو أحزاب تحل مكانه. فيما المواجهة السياسية الداخلية باتت بين القوى المسيحية والثنائي الشيعي ومجدداً أكثر دور "حزب الله" في مقاربة الاستحقاق الرئاسي أكثر منها مع الطائفة السنية حتى إن أبقى التيار العوني رئاسة الحكومة في مرمى حملاته السياسية، علماً بأن هذه سياسته التقليدية بأسلوب ممنهج وعلى نحو مستمر يرقى إلى عودة عون من باريس وحتى ما قبلها في استعداء الطائفة السنية.

ومع أن البعض يرمي كرة إشكالية الاستحقاق الرئاسي في خانة التنافس بين القوى المسيحية على موقع الرئاسة ولأي جهة تؤول حتى لو لم يصل أي من زعماء الأحزاب أو التيارات إلى الرئاسة بحكم اعتبارات متعددة، وذلك على نحو يشكل التصعيد ضد الثنائي الشيعي استبعاداً للخلاف بين القوى نفسها، فإن النقطة الأولى لا تلغي في الواقع ما يتعلق بالدور التعطيلي للحزب مستقوياً بتحالفه مع فريقين مسيحيين لا يستطيع التوفيق بينهما راهناً أو يستفيد من ذلك لاعتبارات داخلية وإقليمية كذلك. والنقطة الأبرز التي قد تنتهي إليها هذه الخلاصة تكمن في الإقرار للحزب بدوره المحوري والحاسم في موضوع الرئاسة وفي مصير البلد حتى لو من باب دوره السلبي في وصول الأمور الى الواقع الراهن.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار