"تفاهم مار مخايل" مجدداً: متى الخروج من المرحلة الملتبسة؟ | أخبار اليوم

"تفاهم مار مخايل" مجدداً: متى الخروج من المرحلة الملتبسة؟

| السبت 21 يناير 2023

التبرير لغة اقرب الى الهجوم والصراحة والوضوح على نقيض المرة الماضية

 "النهار"- ابراهيم بيرم

أقل من ثلاثة اشهر هي الفترة التي انقضت على اللقاء "غير الايجابي وغير المريح" الذي انعقد ذات ليلة في الضاحية الجنوبية بين الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وبين رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وقد كان كافيا لإدخال مزيد من الارتجاجات على "تفاهم مار مخايل" ووضعه على المحك امام مهبّ رياح الاحتمالات لهذا التفاهم الذي تباهى به طرفاه طويلا وقدّماه نموذجا مميزا.

فكلما مر يوم بعد هذا اللقاء طفا على سطحه عنصر سلبي مضاف الى عناصر مماثلة سبق لها ان تراكمت، مما جعل هذا التفاهم في نظر المحللين اقرب الى الانفكاك منه الى اعادة بعث الحياة فيه مجددا.

وبات السؤال الملحّ في الكثير من الاوساط عما يؤخر نعي هذا التفاهم توطئة لدفنه، خصوصا ان كل طرف من طرفيه يتصرف على اساس انه صار عبئا عليه؟

في اطلالته الاخيرة خرج السيد نصرالله عن مألوف اطلالتيه السابقتين اللتين كان محورهما الحديث عن التفاهم والحرص على استمراره والحاجة اليه والرغبة في عدم الانسحاب منه إلا اذا بادر الطرف الثاني الى هذا الفعل، ولم يكتفِ بتجاهله بل سارع الى اطلاق خطاب كرّسه لتبرير مشاركة وزيري الحزب في الجلسة الاخيرة لحكومة تصريف الاعمال فأظهر بما لا يدع مجالا للشك ان الحزب ذاهب الى هذه الجلسة بكل طيبة خاطر وعن سابق تصور ووعي وتصميم. واللافت انه استخدم في معرض التبرير لغة اقرب الى الهجوم والصراحة والوضوح على نقيض المرة الماضية حيث بدا الحزب كأنه يتسلل الى الجلسة الاولى.

وعليه فقد عُدّ الفعل المنطوي على جرأة وتحدٍ للطرف الآخر بمثابة الخطوة العملانية الاولى في مسار تطويع الذات وتهيئة المسرح ليوم يشهر فيه الحزب فضّ عقد الشراكة السياسية مع "التيار البرتقالي"، لا بل ان البعض يجد في دفاع سيد الحزب عن المشاركة المتحللة من اي قيود وشروط بمثابة إيذان بولوج الحزب عهدا سياسيا مختلفا.

ثمة في الاوساط المقربة من الحزب استفاضة اكبر في هذا الخصوص من نوع ان الحزب يعتبر ان لنفسه ولشريكه فترة سماح يفترض انها كافية للدلالة على امرين:

الاول انه لم يكن اصلا في وارد ان يكون البادئ بـ"خلع" شريكه في رحلة التفاهم ومن ثم ادارة الظهر والتوجه نحو خيارات مختلفة مستجدة او بناء على حسابات مبيّتة. لذا فان الحزب لجأ اخيرا الى اطلاق اكثر من مؤشر ورسالة توحي انه منفتح على ما يُخرج هذا التفاهم من حال النزع واعادة بعث الروح فيه ضمن الاطر التي يراها "التيار" ويطالب بها عربون رغبة من الحزب، الى درجة ان اعلام الحزب سرّب الى الاعلام ما مفاده ان السيد نصرالله اعطى توجيهاته الى المعنيين بالتواصل مع "التيار" للشروع في رحلة رأب ما تصدّع في العلاقة معه. وحرص الحزب ايضا حتى على تسريب نبأ تهنئة احد ابرز مسؤوليه المولجين بالاتصالات وفيق صفا، باسيل في مناسبة الاعياد. فيما كان الناطقون بلسان الحزب ينفذون اوامر صارمة بعدم تناول هذا الامر لا تصريحا ولا تلميحا خلافا لسلوك رموز الطرف الآخر.

ولا تخفي المصادر اياها ان اي رد حاسم لم يتبلغه الحزب من شريك التفاهم المترنح، وهو ما دفع الدوائر المعنية في الحزب الى تبنّي احتمالين:

- إما ان "التيار" ما زال في طور رصد الردود على فعله الابتدائي من خلال فتح ابواب الصدام مع الحزب والمتجلي في رفض السير بخيار الحزب الرئاسي ومن ثم المسارعة الى قطع الطريق من خلال تسريب مضامين اللقاء بين نصرالله وباسيل، وهو ما عدّه الحزب نوعا من "الابتزاز والمتاجرة" المنافيين لقواعد التعاون والتحالف.

- وإما ان "التيار" ما انفك يراوح في مرحلة درس الخيارات البديلة واستشراف مردود مبادرته الى التصادم مع الحزب والذي بدا كأنه اعلان قطع مع مرحلة وايذان بولوج مرحلة مختلفة.

وبمنأى عن توصيف الطرفين لواقع الحال بينهما والمنطوي الى الآن على التباس وغموض وخوف من مغبة القطيعة وخشية مضمرة من عواقب الاستمرار، فان ثمة من يعتبر ان الامر الواقع الرمادي هذا انما ينمّ عن رغبة مضمرة عند الطرفين في كسب مزيد من الوقت لكي يعيد كل طرف النظر بحساباته بتعمق وتبصّر، اذ بحسب اكثر من معنيّ بالامر فان تفاهماً بلغ هذا العدد من السنين وكان محور حراك سياسي يستأهل منحه مهلة زمنية اضافية قبل احالته الى الارشيف وطي صفحته الى غير رجعة. اضافة الى ذلك، فان الطرفين لم يجدا نفسيهما بعد خارج مقتضيات هذا التفاهم الذي سبق وصادفته عقبات عدة لكن ثمة من كان يضخه بالاوكسيجين وينقذه في اللحظة الاخيرة لحاجة الطرفين الملحّة اليه.

ومما لا شك فيه ان الحزب يرصد بدقة اداء باسيل السياسي في الآونة الاخيرة حيث بدأ يرسل اشارات علنية توحي انه ينزلق تدريجا الى الخطاب السياسي المسيحي المثقل بالهواجس والتساؤلات من نوع التحذير من مغبة "السعي الى تغيير هوية لبنان"، او من خلال التلويح بخيار الذهاب الى "الفدرلة" والمشاريع المشابهة.

وفي المقابل، فان الحزب ما انفك يجاهر برفضه لكل الاتهامات وفحواها انه اخذ كل الاحتياطات اللازمة لاحتمال انفكاك تفاهمه مع "التيار" ومنها مثلا المسارعة الى انحيازه الى ثلاثية الحكم الجاهزة (بري، ميقاتي وجنبلاط)، خصوصا ان الحزب ليس من النوع الذي يترك نفسه امام المفاجآت او يدع نفسه بلا حصون ودفاعات.

ولا ريب في ان اعداء "التيار" بدأوا يتحدثون عن ان باسيل وضع رِجلا في "بورة" التفاهم ورِجلا خارجها، وينتظر عروضا واغراءات تأتيه لكنه لم يجد من "يشتري"، لذا فهو امام امرين: إما ان يقدّم مزيدا من التنازلات على تلك البضاعة لاغواء الشارين، وإما ان يعود الى حضن التفاهم القديم الذي خبره تماما، علما انه لم يوصد كل الابواب ويحسم توجهاته المستقبلية بعد. وثمة في مناخات الحزب من بدأ يعلي الحديث عن معطى جديد فحواه ان الحزب سعى الى الاستفادة من جو العلاقة الدافئة التي جمعت يوما بين الرئيس العماد ميشال عون والسيد نصرالله فأرسل الحزب من يجسّ النبض حيال عرض ان يستقبل عون وفدا من الحزب يقصد الرابية، لكن جوابا لم يأته فاستقر في خلد الحزب امران:

- ان عون قد سلّم باسيل بعد خروجه من قصر بعبدا مقاليد كل الامور واضعا نفسه خارج الصورة تماما برضاه.

- او ان باسيل ما زال يحسب حسابات دقيقة لكل خطوة يخطوها قبل ان يقرر اعادة الحرارة الى خطوط التواصل من جديد مع الحزب.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار