بكركي والاحزاب المسيحية: من يغرد خارج سرب الآخر؟ | أخبار اليوم

بكركي والاحزاب المسيحية: من يغرد خارج سرب الآخر؟

| الثلاثاء 24 يناير 2023

عدم الرهان على نقاط تلاقٍ او قواسم مشتركة من شأنها ان تخرق جدار الازمة الرئاسية

 "النهار"- سابين عويس

لا يألو البطريرك الماروني بشارة الراعي عند كل مناسبة أو محطة أو لقاء جهداً في ان يعيد التذكير بموقف بكركي من الاستحقاق الرئاسي وتعذّر انتخاب رئيس جديد للبلاد بسبب التعطيل الذي يتعرض له هذا الاستحقاق. ومنه، يرفع الصوت عالياً ساعياً للحؤول دون تحوّل الازمة الرئاسية الى ازمة شبيهة بالازمة اللبنانية الأعمق، بحيث تستعيد الحياة السياسية دورتها الطبيعية، وتستكمل الحكومة سلطتها التنفيذية وان كانت هي في حالة تصريف اعمال، غير عابئة بالنداءات والتحذيرات والاعتراضات المتكررة التي يطلقها الراعي في هذا الشأن.

رفع سيد بكركي سقف خطابه عالياً جداً، فجاءت عظاته يوم الأحد بمثابة مضبطة اتهام لم يُستثنَ منها أحد، ما دفع النائب في تكتل "الجمهورية القوية" غياث يزبك الى ان يخرج عن صمت "القوات اللبنانية" الحليفة الاقرب والاكبر للبطريرك، فكانت له بالامس تغريدة توجه فيها بشيء من العتب الشديد على البطريرك قائلاً: "سيدنا البطريرك الراعي، إن المساواة بين نواب يقومون بواجباتهم الدستورية ونواب يتنكرون لها، أمرغير عادل، وأنت سيدُ العدل وصرحُك ملجأ المظلومين... يكفي استخدام تعبير "بعض النواب" أو "عدد من النواب" للتّمييز بين الجداء والخراف وتبيان الحق من الباطل، والسلام".

لا يقف انزعاج "القوات" ومعها عدد لا بأس به من نواب المعارضة ولا سيما منهم المسيحيين، من عدم تمييز الراعي بين النواب الذين يؤمّنون النصاب لجلسات الانتخاب وجلسات التشريع، او الذين يعلنون اسم مرشحهم ويصوتون له خلافاً لنواب مسيحيين يلجأون الى الانصياع الى الورقة البيضاء، معطلين عملية الانتخاب، بل يعود الى عدم قيام البطريرك، وهو المرجعية الروحية الاعلى للطائفة المسيحية، بطرح مبادرة تقترن مع السقف العالي لخطابه السياسي. فالعظات التي يلقيها بنفَس سياسي بامتياز، تتجاوز به الصبغة الروحية وتضعه في واجهة الحدث السياسي، فارضة عليه الانتقال من مرحلة التحذير والتأنيب الى مرحلة قيادة موقف مسيحي موحد يقف في وجه الاصطفاف المعطل لوصول رئيس للجمهورية لا يحظى برضى المحور الممانع بقيادة "حزب الله".

لا ترى الاحزاب المسيحية في شخصية الراعي او مواقفه ما يدفعها الى الاعتقاد انه قادر أو مستعد للاضطلاع بهذا الدور وتحمّل هذه المسؤولية، ولا تحمّله وزر عدم القيام بهذا الامر، بقدر ما تحمّل نفسها ذلك. فالمشكلة لا تكمن في اطلاق مبادرة، كما انها ليست مسيحية - مسيحية، كما يسعى المستفيدون من تصويرها على انها كذلك، بل هي في الواقع تكمن بمقاربة كل حزب للاستحقاق الرئاسي.

عن هذه المقاربة، يجيب النائب يزبك بالقول "ان ثمة اختلافا عميقا بين رؤية "القوات" السياسية والدستورية لحتمية انتخاب رئيس للجمهورية، وهي تقوم بكامل دورها وصلاحيات كتلتها النيابية لتأمين الانتخاب من خلال الممارسة الدستورية الكاملة لتلك الصلاحيات، في حين ان ثمة فريقاً آخر يمثله "التيار الوطني الحر" يقرأ هذا الاستحقاق من زاوية مختلفة كلياً تهدف الى الاستئثار بالموقع، من خلال شعار استرجاع حقوق المسيحيين او الرئيس القوي. ليست معركتنا استرجاع حقوق بل الحفاظ على الحقوق التي كفلها الدستور".

من هذا المنطلق، لا تتوقف "القوات" عن التواصل مع بكركي ومع مختلف المكونات التي تلتقي معها على التوجهات والاهداف عينها وفي مقدمها بكركي، كما يكشف يزبك، داعياً البطريرك "لكي يلعب دور الاب الجامع لكل المسيحيين، رغم ادراكه لصعوبة الجمع لأن التعارضات بالرأي كبيرة جداً، ما يوجب في هذه الحال على سيد بكركي عدم اللجوء الى المساواة بين الجميع".

ليست الكتائب اللبنانية بعيدة عن هذه التوجهات وهي التي اختارت ان تكون الى جانب الكتل المعارضة والمتوافقة على النائب ميشال معوض. اما "التيار البرتقالي"، فقد اختار الاستمرار في سباقه نحو الفريق الذي يمكن ان يسلك معه الطريق الى بعبدا.

لم تكد المخاوف تتكشف عن امكان ان يؤدي عزل جبران باسيل حتى عن "حزب الله" الى ارتمائه في احضان سمير جعجع، حتى كُشف عن لقاء جمعه امس بوفد من الحزب زاره في مقر التيار في ميرنا الشالوحي، يهدف الى لملمة ذيول المواقف الاخيرة، وانقاذ "التفاهم". ولا بد من انتظار انعكاسات اللقاء ليتبين ما اذا كان لحظة انقاذ او تباعد ليبنى على اساسه الفهم للمسار الذي سيسلكه التيار.

في الانتظار، تبقى الكرة في ملعب بكركي لتلمّس ما اذا كان سيدها يتجه الى لعب دور قيادي يجمع القوى المسيحية المشتتة، بعدما ادى هذا التشتت الى وهن في الجسم المسيحي، وتغييب شبه كامل من قِبل المكونات الطائفية الاخرى له.

عندما فوتح البطريرك الراحل نصرالله صفير بضرورة مشاركة بكركي في لقاء قرنة شهوان، رفض تسمية اي ممثل اذا لم يكن الفريق المسلم شريكاً حقيقياً، انطلاقاً من رفضه قيام تجمع مسيحي مقفل.

لا يختلف زمن الراعي عن زمن صفير، الذي كان يدرك نقاط الضعف الكبيرة لدى الموارنة عند كل استحقاق انتخاب رئيس.

عام 2011، نجح الراعي في جمع القيادات المسيحية تحت قبة بكركي، من دون ان ينجح في دفعهم الى التوصل الى مصارحة حقيقية تمهد لمصالحة ترسي اسس تفاهم وشراكة داخل الصف المسيحي.

لا يبدو الراعي اليوم امام مبادرة مماثلة، سيما وان التباينات والحسابات الخاصة اكبر من ان تجمع بين المكونات المسيحية.

اما هذه المكونات فلها مآخذها بدورها على بكركي حيث لا ترى ان سيدها يقف على مسافة واحدة من كل منها. وهذا يؤدي في خلاصة المطاف الى عدم الرهان على نقاط تلاقٍ او قواسم مشتركة من شأنها ان تخرق جدار الازمة الرئاسية.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار