بكركي أمام محاذير تجارب مستعادة | أخبار اليوم

بكركي أمام محاذير تجارب مستعادة

| الإثنين 06 فبراير 2023

الوضع المسيحي اصبح متردّيا اكثر بكثير مما كان عليه

 "النهار"- روزانا بومنصف

حين وضع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في 2007 لائحة بأسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية عمل على نقلها موفدون فرنسيون كان ابرزهم آنذاك برنار كوشنر وجان - كلود كوسران، برر ذلك في ظل مواقف غير مؤيدة او منتقدة لبكركي بانه "إذا تدهور الوضع سيقولون إن البطريرك صفير لم يقدّم لائحة بأسماء المرشحين وسيقع اللوم عليّ، لذلك قمت بتسليم لائحة، إلا أن هذه اللائحة لا يمكن أن تتضمن خمسين اسما ووضعت خمسة أو ستة أسماء، لذلك استاء مني الخمسون الآخرون لأنني لم أسمّهم في اللائحة". ومع ان البطريرك وضع آنذاك شرطا هو ان يصار الى اختيار اسم يتم دعمه للرئاسة الاولى من اللائحة التي وضعها، فان الامور اخذت منحى آخر بانتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة الذي فرضه اجتياح "حزب الله" للعاصمة اللبنانية. وحين رعى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي اول لقاء بين الاقطاب المسيحيين في 2011 كانت الأعين على مَن يخلف الرئيس سليمان، وتولى البطريرك رعاية اجتماعات ادت الى الاقرار مسيحيا بضرورة انتخاب الاقوى في طائفته. في المحطتين بين صفير والراعي وبعيدا من المسؤولية السورية المباشرة في انتخاب كل من الياس الهراوي واميل لحود بعد اقرار اتفاق الطائف، جرى تحميل بكركي مسؤولية عدم التوافق مسيحيا على من يشغل الرئاسة الاولى والمقاربات التي اعتمدها كل من صفير والراعي على حد سواء.

تخضع بكركي راهنا لتحدٍّ مماثل، لا سيما ان الوضع المسيحي اصبح متردّيا اكثر بكثير مما كان عليه قبل عقد ونيف او اقل ويتم التلويح بها إما لتغطية فشل من هنا او تغطية عدم اتفاق القوى المسيحية في وقت يدرك الجميع ان القوى الاخرى، لا سيما "حزب الله"، يملك مفتاحا اساسيا وربما المفتاح الاساسي الذي يؤدي الى انتخاب رئيس، فيما يعلن رئيس كتلته النيابية محمد رعد ان "من يريد ان يصرخ فليصرخ حتى يشبع، فنحن مطمئنون الى ان شعبنا لن يصرخ لانه شريك معنا في المعركة" كما قال. وهو ما يُفهم منه ان الامور ستجري وفق ما يريد وساعة يريد ردا على الضغوط الداخلية على الاقل التي تحمّله المسؤولية عن تعطيل الرئاسة.

لم ينسَ اهل السلطة الذين كانوا ممسكين بها منذ عقود ولا يزالون هذه الوقائع، ولكن الادارات المتعاقبة في الخارج قد لا تكون عاشت الوقائع نفسها فيما يعقد لقاء خماسي في باريس يضم الى فرنسا كلّا من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر. ويخشى بعض السياسيين ألا تكون ملاقاة الخارج عبر اجتماع للنواب المسيحيين تدعو اليه بكركي انطلاقا من ان الاشكالية ليست مسيحية فحسب في الدرجة الاولى، ومن ثم قد تجد بكركي نفسها امام فشل في جمع النواب المسيحيين على مواقف موحدة وهو امر ينعكس عليها بقوة. فالبطريرك الراعي في عظته الاخيرة التي انتقد فيها النواب واخذ عليهم "الطاعة العمياء لمرجعياتهم ويمتنعون عن انتخاب رئيس للجمهورية ويفضلون الانهيار وقهر الشعب"، يخشى انه لن يستطيع حض هؤلاء نتيجة حسابات مرجعياتهم وطموحاتهم الشخصية والسياسية فيجد نفسه امام خذلان من نواب طائفته قبل سواهم. ويُفهم تماما يأس بكركي من النواب كما من كل الجهود للدفع نحو انتخاب رئيس للجمهورية، لا سيما ان ما شهده لبنان من تعطيل بعد ولاية اميل لحود في 2007 او ولاية ميشال سليمان في 2014 مختلف تماما عن انهيار كارثي يعاني منه اللبنانيون، في حين ان المرجعيات التي يطلب منها الراعي التحرك لا تظهر اي تعاطف او مسؤولية لاخراج البلد من مأساته. ولكن يجب الّا تتحمل بكركي الفشل ايضا على رغم ان مهمتها الدفع والمساعدة في انجاز انتخاب رئيس، وليس واضحا في ضوء المواقف المعروفة والمتعارضة للقوى المسيحية او النواب المسيحيين المستقلين، رغبتهم او قدرتهم على اعطاء بكركي نجاحا على هذا الصعيد.

ويقول سياسيون انه لو ان هذا الاحتمال الداخلي قابل للنجاح لما كانت الحاجة الى اجتماع خماسي في باريس بدت مواقف سياسية من قوى معيّنة حساسة تجاهه على قاعدة وجوب صمّ الآذان عن تدخل الخارج او توصياته. وهذا احد الامور التي يجب عدم اغفالها وقد مرت ستة اشهر على بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، وهي فترة طويلة جدا، علما ان ما ينزلق اليه لبنان واللبنانيون لا يحتمل ترف المزيد من تضييع الوقت فيما الداخل عاجز عن الاتفاق ويتطلع الى الخارج للمساعدة في ظل اعتقاد بان التوافق الخارجي قد يكون عاملا مسهلا للتوافق الداخلي، او على الاقل مستفزا لدى فريق بامتداد اقليمي للتفاوض معه بالاصالة او النيابة عمن يمثل اقليميا. وبالنسبة الى العقود الثلاثة الاخيرة ما بعد الحرب الاهلية لم يعرف لبنان انتخابا لرئيس الجمهورية لم يجرِ بعيدا من تدخل او وساطة على الارجح من دولة صديقة. ولكن حتى اللحظة لا يتعدى الانخراط الخارجي اطار البيانات المبدئية التقليدية كما البيان السعودي - الفرنسي - الأميركي في 23 ايلول الماضي. ومن الامور الاخرى ان تداعيات الشغور يُخشى ان تنسف المواصفات المطلوبة لموقع الرئاسة الاولى تحت طائل المساومة للقبول بما يتيحه التوافق شبه الاجماعي والذي سيتقدم عندئذ على المواصفات. والدليل الابرز على ذلك حصر الترشيح اخيرا بين تداول اسمَي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجيه وقائد الجيش العماد جوزف عون، فيما يلتقي بعض السياسيين على اعتبار ان ما جرى كان على سبيل حرق اسماء مرشحين اكثر منه تزكيتها. وثالثا ان هناك اقتناعا بان الامور شديدة التعقيد ولن يؤدي اجتماع بكركي المحتمل او اجتماع باريس الى اي نتائج عملية في سياق المعطيات الراهنة ما لم يفاجىء هذا الاخير القوى السياسية بضغوط كبيرة على غير ما هو متوقع.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار