الصوم بعد أيام... فماذا لو كانت "القطاعة" عن "المال الحرام" وعن دولار السوق السوداء؟؟؟... | أخبار اليوم

الصوم بعد أيام... فماذا لو كانت "القطاعة" عن "المال الحرام" وعن دولار السوق السوداء؟؟؟...

انطون الفتى | الجمعة 17 فبراير 2023

الأب الراعي: يأكل الإنسان خبزه بعرق جبينه وليس بالاحتيال على أخيه الإنسان

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

من المعلوم أن لا قيمة لأي سلوك إنساني إلا إذا كان اختيارياً، وحرّاً، وهو ما يرتّب المسؤولية الكاملة على صاحبه، سواء على الأرض أو في يوم الدّينونة.

ولكن ماذا يبقى للمسيحي من فرص للخيار، والاختيار، بشكل حرّ ومتحرّر بالكامل، في بلد الأزمات الاقتصادية، والمالية، والمعيشية، والحياتية؟

 

الفقر الشديد

يبدأ زمن الصّوم المقدّس بعد أيام. فيما السؤال الأساسي هو ماذا يبقى من خيارات أمام "السواد الأعظم" من الناس ليصوموا، وليمارسوا "القطاعة"، طالما أنهم باتوا بحالة دائمة من الصّوم "والقطاعة" عن كثير من الأطعمة منذ بَدْء الأزمة الاقتصادية قبل نحو ثلاث سنوات، وصولاً الى حدّ تحويل أسعار البَصَل الى نار.

وهل من قيمة لـ "القطاعة" عن اللّحوم والدجاج والأسماك... لدى الفئات التي ما عادت قادرة على شراء وتناول تلك الأنواع من الأطعمة، سوى لمرّات معدودة خلال عام كامل، خصوصاً بعدما توغّلنا في حالات الفقر الشديد في عام 2022؟

 

ظلم شديد

وهل من قدرة على احتساب التوقّف عن تناول الحلوى كـ "قطاعة"، طالما أن كثيراً من الناس ما عادوا قادرين على شرائها أو تحضيرها في منازلهم أبداً، وصولاً الى حدّ فقدان القدرة على شراء ولو القليل من الفواكه؟

وبالتالي، ماذا يبقى من خيارات حرّة لصوم البطن، الذي هو أساسي لمساعدة الجسد والنّفس على الامتناع عن الخطيئة؟ وما هي مسؤولية كبار رجالات الكنيسة على صعيد إجراء تجديد كبير في العِظَات "الصياميّة"، لجعلها أكثر تناسُقاً مع ما وصلنا إليه من ظلم شديد يتحكّم بحياتنا اليومية.

 

صوم الجيوب

فالكنيسة ثابتة في عقيدتها، وفي المبادىء النّابعة من تعاليم السيّد المسيح، والكتاب المقدّس. ولكن الكنيسة متحرّكة من حيث قدرتها على مواكبة تطوّرات وأحداث كل عصر، للتصويب، والتحذير، وتنوير الناس على ما هو صحيح، وعلى ما ليس كذلك.

وانطلاقاً ممّا سبق، كم سيكون مهمّاً لو استمعنا الى كبار رجال الدّين في الكنيسة يخرجون من العِظَات التقليدية حول الصّوم، للحديث عن وجوب "تصويم" الكثير من اللبنانيين، من فقراء وأغنياء، جيوبهم عن التورّط بأنشطة دولار السوق السوداء، و"المال الحرام"، والتجارة السوداء، والسرقات، و"التّشبيح"... لأن كل ما يقومون به على هذا الصّعيد يؤذي غيرهم، ويُمْعن في الانهيار المعيشي، ويزيد حياة غيرهم صعوبة، ويجعل من أصوامهم (إذا صاموا) باطلة.

وكم سيكون مهمّاً لو استمعنا الى كبار رجال الدين في الكنيسة يحدّثوننا عن أنهم يحضّرون العمل على "بنوك تدفئة"، أو "بنوك طعام"، أو "بنوك دواء"... بالتعاون مع كبار المتموّلين والنّافذين المتوفّرين في كل مذهب من المذاهب المسيحيّة المختلفة، وذلك بهدف القيام بما لا تقوم به الدولة.

 

نجحت

فتاريخ الكنيسة علّمنا أنها وقفت دائماً الى جانب الفقير "الآدمي" (نحذّر من الفقراء الذين يتورّطون بالأنشطة السوداء بحجّة القدرة على الاستمرار بالعَيْش)، والجائع، والمريض، والمُشرِف على الموت... وأنها اهتمّت بما لم تَقُم به السلطات الزمنيّة في كل مكان وزمان، خلال عصور وعصور، وأنها نجحت في القيام بتلك الأمور أكثر من المؤسّسات الرسميّة في الدول، سواء على مستوى التّنظيم، والتوزيع... وهذا ما ننتظره في لبنان حالياً، خلال زمن الصّوم المقدّس، وخارجه أيضاً.

 

البابا فرنسيس

شدّد الرّاهب الباسيلي الشويري، والأب الدكتور فادي الراعي، على أن "الكنيسة لم تَكُن بعيدة من شعبها في أي عصر. وهي لطالما عملت وحلّت مكان الدول، ولم تحصر حضورها بالجانب الروحي فقط، خصوصاً في لبنان، حيث تقصّر الدولة بواجباتها الاجتماعية، والتربوية، والصحية، والخدماتية في معظم الأحيان".

وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس يتحدّث دائماً وبشكل خاصّ عن مساعدة الفقراء، لا سيّما أنه آتٍ من المجتمع الأرجنتيني المعروف بفقره، والذي جعله على تماس مباشر مع الفقر والفقراء طوال حياته. ومن هذا المُنطلق، يتحدّث البابا دائماً أيضاً عن الصّوم الأخلاقي الذي يطال الضمير الإنساني وضمير المسؤولين، سواء كانوا مسيحيين أم لا. هذا مع العلم أنه من المُفتَرَض أن يكون ضمير المسؤول المسيحي المؤمن حيّاً أكثر من سواه. ولكن مع الأسف نجد أن بعض المسؤولين في مناصب مسيحية ليسوا مؤمنين".

 

الضّمير

وأكد الأب الراعي أن "الصّوم عن الطعام هو رمز لجوهر أسمى، يقوم على التقرُّب من الله، والله المتجسّد في الإنسان الذي هو على صورة الله ومثاله. وتلعب الأخلاق دوراً كبيراً على هذا الصّعيد، فيما نجد أن كثيراً من الناس لا ينشطون بضمير مع الأسف، سواء كانوا سياسيين أو أصحاب دكاكين، وتجارة، ومحطات بنزين... وغيرهم".

وختم:"عندما يُقفل صاحب محطة المحروقات محطّته، أو عندما يقطع التاجر سلعة عن الناس، أو يبيعهم إياها بسعر يتجاوز ما هو عادل، فهذا يعني أنهما لا يعملان بما يقتضيه الضمير الأخلاقي والمهني. ولكن وصيّة الله للإنسان هي أنه يأكل خبزه بعرق جبينه، وليس بالنّصب على أخيه الإنسان، ولا بالاحتيال تحت ستار الاستمرار بالعَيْش. فأخلاق الإنسان الروحية تؤثّر على أخلاقه العلائقية، أي على علاقته بالآخرين، وبالمجتمع. وبالتالي، لأيّ إله يصلّي هذا الإنسان، إذا كان يُمارس الاحتيال على أخيه الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله؟".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة