زيارة فرنجية لفرنسا «تعويض معنوي» أو... فرصة أخيرة؟ | أخبار اليوم

زيارة فرنجية لفرنسا «تعويض معنوي» أو... فرصة أخيرة؟

| الأحد 02 أبريل 2023

رئاسية لبنان: دينامية مستجدة محورها باريس و... لا دخان أبيض

موفد قطري في بيروت الاثنين... و«تفعيل» بورصة المرشحين «الحياديين»
لهذه الأسباب يرفض جنبلاط تأييد فرنجية للرئاسة
اللقاء الروحي للنواب المسيحيين بلا نتائج عملانية وتأثير بكركي رئاسياً يتضاءل

 «الراي»

أَدْخَلَتْ زيارةُ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لباريس ولقاؤه المستشار الرئاسي باتريك دوريل بناءً على طلبٍ فرنسي، ديناميةً جديدة إلى ملف انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان لكن ليس بالضرورة أن تكون إيذاناً بقرب تصاعُد «الدخان الأبيض».

فالزيارةُ اللافتة، بدتْ بعيْد ساعاتٍ على حصولها خارج قدرة «الرادارات» المحلية على التقاط الإشاراتِ الحاسمة التي نتجتْ عنها، حيث ظَهَرَ أن أحداً في بيروت لا يملك «الجواب اليقين» حول ما سمعه فرنجية فيها، وسط حدّيْن رواحت بينهما القراءات:


الأولى أن زعيم «المردة» دُعي إلى باريس كـ «تعويضٍ معنوي» لإبلاغه وجهاً لوجه أن فرنسا «أدّت قسطها» تجاه ترشيحه ولم تنجح في تسويقه خارجياً ولا إرساء منصةٍ لمقايضةٍ قابلة لجذْب تقاطعات اقليمية ودولية تتيح إمرار هذا الخيار، ليَبْني هو في ضوء ذلك على الشيء مقتضاه.

والثانية أن فرنسا أرادتْ من زيارة فرنجية سماع «آخِر الكلام» منه عن الضمانات التي يمكن أن يوفّرها لعواصم متردّدة في دعْم انتخابه أو رافضة حتى الساعة لذلك، والتي تؤيّد رئيساً خارج الاصطفافات، خصوصاً في الجوانب المتصلة بسلاح «حزب الله» والاستراتيجية الدفاعية والعلاقات مع دول الخليج وعدم السماح بأن يكون لبنان ممراً لتهديد أمنها أو إغراقها بالمخدرات كما بالإصلاحات الشَرْطية لرفْد مسار إخراج لبنان من الحفرة المالية السحيقة بالدعم،

وذلك على قاعدة أن جوابَه في ما خص هذه الضمانات و«حدودها» سيكون محورَ جولة بحث جديدة وقد تكون الأخيرة مع الرياض في ما خصّ الملف الرئاسي الذي باتت له «خلية ديبلوماسية» خُماسية ترعاه تضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر وعقدت اجتماعاً في باريس في فبراير الماضي.

والواقع أن هاتين القراءتين ترتكزان على أن زيارة فرنجية جاءت على «مسرحٍ سياسي» بتوقيت مزدوج:

الأول فرنسيّ بعد خمسة أيام من الاتصال بين الرئيس ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي احتلّ الملف اللبناني حيّزاً منه،

كما في أعقاب محطة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في باريس.

والثاني لبنانيّ تتداخل فيه مجموعةٌ من العوامل.

فبعدما انحسر الكلام في بيروت عن الاستحقاق الرئاسي (المعلّق منذ أكثر من 5 أشهر) في غمرة المشاحنات الداخلية حول التوقيت الصيفي وصفقة تلزيم المبنى الجديد في مطار رفيق الحريري الدولي، عاد هذا الملف إلى واجهة الحدَث اللبناني، من جوانب عدة:

أولاً: الحركةُ الأميركيةُ التي قادتْها مُساعِدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف خلال جولةٍ لها في بيروت حضّتْ فيها على إتمام الاستحقاق الرئاسي كمدخلِ لإطلاق عجلةِ الإصلاحات عبر حكومةٍ مكتملة الصلاحيات.

وقد أظهرتْ ليف من خلال لقاءاتها استمرارَ الموقف الأميركي غير المستعجل لإجراء الاستحقاق بدليل عدم طرْح خريطةِ عمل واضحة تُفْضي الى الاتفاق على رئيسٍ للجمهورية وإجراء الانتخابات سريعاً، رغم نصائحها بضرورة الأخْذ بجديةٍ تحذيرات صندوق النقد الدولي حيال التوقعات المخيفة للبنان وأنه «لم يتبقَّ وقت أمام قادته».

فالزيارة الأميركية كشفتْ الاختلافَ في النظرة مع فرنسا حول إتمام صفقة رئاسية - حكومية تقضي بانتخاب فرنجية وتعيين السفير السابق نواف سلام رئيساً للحكومة، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى استمرار التجاذب الخارجي حول الرئاسة،

وسط ترقُّب الولايات المتحدة ترجمة الاتفاق السعودي - الايراني مزيداً من الخطوات العملانية في الشرق الأوسط، خلال مهلة الشهرين «الاختبارييْن» المحدَّديْن في الاتفاق، وما ستكون حصة لبنان في هذا المسار.

ثانياً: قبل ذهاب فرنجية إلى باريس، كانت ملامحُ حركةٍ رئاسيةٍ فيها تتخذ منحى سلبياً.

فرغم أن صديق زعيم «المردة» رجل الأعمال جيلبير شاغوري عمل في فرنسا والفاتيكان على تقديم أوراق اعتماد فرنجية وكل ما يمكن أن يسهّل انتخابَه،

إلا أنه لم يتمكّن من كسْر حدة التطويق العربي لحركة باريس تجاه المرشح المدعوم من الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري، في وقتٍ تَصاعَدَتْ المواقفُ الرافضة لفرنجية من المعارضة من جهة ومن «التيار الوطني الحر» من جهة أخرى.

وهذان المعطيان وسّعا بيكار الرفْض لفرنجية، الأمر الذي لمستْه باريس وواشنطن كل على حدة، ما ساهم في إجهاض التسوية المقترَحة (فرنجية - سلام).

وحتى الضمانات التي تحدّثتْ بعض الأوساط اللبنانية حولها، وأن فرنسا تريد من رئيس «المردة» تقديمها لطمأنة دول الخليج، لا صلة لها بهذه الدول التي كانت لها تجارب مع ضماناتٍ تمّ الارتدادُ عليها،

والتي تعلم أن فرنجية غير قادر على تقديم تعهّدات تتعلق بالحزب وبدوره في الحكومة وفي القرار السياسي والعسكري في لبنان،

ما يجعل الضمانة أبعد ما تكون عن شخص وكلمة يعطيها بمقدار ما أن التوازن السياسي الذي سيعبّر عنه وصول رئيسٍ «غير متورّط في الفساد السياسي والمالي» هو ما سيشكّل في ذاته أوّل ضمانة تمتدّ لمختلف متممات الانتخابات الرئاسية دستورياً.

وهذا المناخ يُفترض أن يكون معلوماً سلفاً لدى المتحرّكين على خط تسويق زعيم «المردة» بمَن فيهم باريس.

والأخيرة تتعامل مع تسوية فرنجية كما فَعَلَ الرئيس السابق فرنسوا هولاند الذي اتصل بفرنجية لـ «تهنئته» في ديسمبر 2015 بالتسوية مع الرئيس سعد الحريري (في غمرة الشغور الرئاسي الذي كان بدأ في 2014)، قبل أن يزور بيروت في ابريل 2016 في مرحلة الفراغ ويلتقيه «معتذراً» في قصر الصنوبر من ضمن لقاءاتٍ مع القادة اللبنانيين آنذاك.

وإذا كانت الرئاسةُ الفرنسيةُ تعيش الأزمةَ اللبنانية اليوم كما عاشتْها مع نهاية عهد هولاند، فإن فرنسا المنغمسة في مشكلاتٍ داخلية لا تُحصى تقف عاجزةً أمام سحْب الملف الرئاسي من يدها تدريجاً.

وهذا كله يجعل أي مبادرة فرنسية تجاه فرنجية في هذا الوقت خطوة ناقصة.

ثالثاً: تحركتْ قطر مجدداً على خط بيروت من أجل استشكاف آفاق تسوية محتملة حول هوية المرشح الرئاسي الذي قد تنجح في تأمين توافق عليه.

وقد ظَهَرَ أن مهمة وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، الذي يزور لبنان الاثنين، تكمن في إبقاء التواصل مع كل القوى السياسية ودرْس إمكان تسويق أسماء مرشحة للتوافق عليها.

علماً أن بورصة الأسماء عادت هذه الأيام لتصبح فعالة، مع معاودة طرْح أسماء مرشحين من خارج الاصطفاف بين قوى 8 مارس بقيادة «حزب الله» والمعارضة.

واستناداً الى لائحةٍ سَبَقَ أن قدّمها جنبلاط وتضمّنتْ ثلاثة أسماء هي: قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق جهاد ازعور والنائب السابق صلاح حنين،

فإن لائحة المرشحين «الحياديين» عادتْ الى الواجهة، بعد ثبات الرياض على عدم تأييد مرشح «حزب الله» وتقديم أي دعم مالي وسياسي لمرحلةٍ لبنانية يقودها، ما يَفترض حكماً التخلي عن مرشح قوى المعارضة، انسجاماً مع مبدأ عمليات التفاوض بتقديم تنازلات من جانبيْ المعارضة والموالاة.

تبعاً لذلك، فإن ما قام به جنبلاط في المرحلة الأخيرة سواء عبر السعودية أو مصر أو فرنسا يهدف إلى تخفيف الضغط الفرنسي وإقناع باريس بأن تسوية فرنجية غير قابلة للحياة.

فرئيس «التقدمي» الذي يمسك عادةً بالعصا من نصفها، وَضَعَ مع أول لقاء مع «حزب الله» أوراقه مكشوفةً لجهة رفْضه انتخاب زعيم «المردة».

وإذا كان جنبلاط يكرّر حذَره من التسوية المعروضة فإن دوره المحوري في الملف الرئاسي يرتكز في جانب منه على أنه يملك الأصوات النيابية التي يريدها بري إلى جانبه والكفيلة بقلب أي احتمالاتٍ يعوّل عليها الثنائي لانتخاب فرنجية.

مع العلم أن أحد الاعتبارات الرئيسية وراء عدم سير الزعيم الدرزي بفرنجية، إضافة لافتقاده الغطاء الاقليمي والمسيحي داخلياً، هو رغبته في الحفاظ على وحدة الصف الجنبلاطي والحزب التقدمي الرافض انتخاب رئيس «المردة».

رابعاً: يبدأ الأسبوع الطالع بزيارة الموفد القطري، ليُستكمل باللقاء «الروحي» الذي دعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي النواب المسيحيين الـ 64 لحضوره في 5 أبريل الجاري،

من دون أن يلبّوا جميعهم الدعوة، إذ أبلغ عدد من النواب الاعتذار على خلفية أن موضوع انتخاب رئيس للجمهورية ليس طائفياً بل يُفترض أن يكون له بُعد وطني ولا يتعلق فقط بأعضاء البرلمان المسيحيين.

وبدا واضحاً أن الكنيسةَ التي فشلتْ في جمْع النواب سياسياً في بكركي، وبعد عدم نجاح مبادرة راعي ابرشية انطلياس المارونية المطران انطوان بونجم الرئاسية وتسويق لائحة أسماء مرشّحين للبحث فيهم وما خلفتْه من انطباعات وردود سلبية،

استعاضتْ عن اللقاء السياسي بدعوةٍ الى الصوم والصلاة في بيت عنيا في حريصا خلال الأسبوع الأخير من الصوم لدى الطوائف المسيحية التي تتبع الطقس الغربي.

ورغم أن قيادات الأحزاب المسيحية وافقتْ على الدعوة فإن حصْرها بالطابع الروحي، سيجعل من ملف الرئاسة طبَقاً على مائدة الغداء لا أكثر ولا أقلّ من دون أي خطوات عملانية.

وبدت بكركي بذلك وسط الانشغالات الكثيرة وحركة الموفدين من باريس إلى قطر وواشنطن غير مؤثّرة في الحركة الرئاسية.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار