المأزق مع باريس يدفع إلى استدراج واشنطن! | أخبار اليوم

المأزق مع باريس يدفع إلى استدراج واشنطن!

| الأربعاء 26 أبريل 2023

 باريس لا تزال على موقفها برغم كل المراجعات مستندة الى منطق أن لبنان لا يملك ترف الوقت

"النهار"- روزانا بومنصف

المقاربة الفرنسية لإخراج الاستحقاق الرئيس اللبناني الى الحلحلة في مأزق وكذلك علاقة باريس بعدد من القوى السياسية اللبنانية بحيث لا يُفترض أن يتصادم هؤلاء معها لا في منطقها المعتمد لهذه المقاربة ولا أن يعوّلوا على الأعضاء الآخرين في خماسي باريس من أجل وقف هذه المقاربة. لكن هذين الأمرين باتا أمراً واقعاً حيث إن لقاءات رؤساء أحزاب ونواب مستقلين مع الديبلوماسية الفرنسية على مختلف مستوياتها تميّزت أخيراً بخلاف واضح فيما وفود نيابية الى العاصمة الاميركية يرجح أنها بحثت مع المسؤولين الاميركيين الذين التقتهم سبل تجميد إن لم يكن لجم المقاربة الفرنسية، لا بل تعتقد مصادر سياسية أن البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية وأعلنت فيه أن لا مرشح رئاسياً لفرنسا في لبنان، علماً بأن الخارجية الفرنسية لم تبرز مرة في كل المقاربة الفرنسية المتعلقة بالرئاسة اللبنانية، قد يكون أتى من باب اتصال أجرته الخارجية الاميركية بنظيرتها الفرنسية من أجل تخفيف الاندفاعة الفرنسية التي أخافت قوى لبنانية بتبنّيها موقف الثنائي الشيعي ومرشحه للرئاسة الاولى وتولي التسويق له بما وضع فرنسا في مواجهة مباشرة مع هذه القوى التي ترى خطراً كبيراً في تبنّي دولة مثل فرنسا مقاربة فريق مسلح قادر على تعطيل البلد وتراعيه لهذه الاعتبارات بدلاً من أن تدعم القوى التي تتصدى لسيطرة السلاح. وتالياً فقد تحول الجهد المعارض الى التصدي للمقاربة الفرنسية التي يرى كثيرون من السياسيين أنها باتت تشكل إحراجاً لإدارة الرئيس إيمانويل ماكرون من حيث عدم قدرتها على التراجع وحاجتها الى إحداث اختراق ديبلوماسي وسياسي في لبنان يسهم بتعزيز الوضع الداخلي للرئيس الفرنسي.

إطلاق النار السياسي على المقاربة أو المعادلة الفرنسية للحل والسعي الى استدراج أميركي لتهدئة اندفاعة المسؤولين الفرنسيين يقع من ضمن الخشية من أن هناك فريقاً يملك السلاح ويعطل في الأساس وكان ينقص أن تقف فرنسا الى جانبه وتسوّق للمنطق أو للحل الذي يريده فيما لا تكافؤ فرص حقيقياً في ظل انكفاء أميركي وترك معالجة الوضع في لبنان الى الفرنسيين وكذلك الحال وربما أكثر بالنسبة الى لامبالاة إن لم يكن انكفاءً سعودياً أيضاً ما يترك الفريق الخصم لـ"حزب الله" من دون حليف. والخشية الكبيرة تبعاً لذلك الاقتناع الغالب لدى قوى المعارضة أن فرنسا تستهدف في ظل التعادل الموضوعي والعملاني بين فريق الممانعة والمعارضة من حيث عدد الاصوات التي يمون عليها كل منهما، المترددين الواقفين في المنتصف بحيث تؤثر عليهم باريس من أجل حشد الأصوات لفرنجية استناداً الى أوراق تملكها أو يؤثر عليهم الحزب ربما بضغوط مختلفة.

لا يمكن القول إن زيارة الوفد النيابي أخيراً لواشنطن كان هدفها التحريض على المبادرة الفرنسية ولكنها أحد أبرز المواضيع التي أثيرت، فيما عبّر النواب عن مخاوفهم من مردود هذه المبادرة أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي وفي لقاء مع مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف وفي كل اللقاءات التي شملت مسؤولين أو ديبلوماسيين سابقين لا يزالون يتابعون الوضع في لبنان على غرار ديفيد شينكر وآموس هوكشتين الذي كان له موقف لافت رافض لمضمون المقاربة الفرنسية. كما سمع الوفد كلاماً رافضاً في بعض المواقع للاندفاعة الفرنسية ورفض تشجيعها فيما تلقوا تشجيعاً لمواصلة مبادرات أخرى يضطلع بها في شكل خاص النائب غسان سكاف الذي يتحرك بقوة في هذا الاتجاه بين قوى المعارضة من أجل تقديم بديل من المبادرة الفرنسية. وفي ثنايا الموقف الاميركي لجهة الاعتقاد أن الفرنسيين ذهبوا بعيداً في توكيلهم مساعدة لبنان أو في رغبة واشنطن في أن يكون الاستحقاق الرئاسي داخلياً وعدم الرغبة في الانخراط في تبعات فرض إيصال رئيس لمدة ست سنوات ما يشجّع على هذا الاتجاه رغم أن المعارضة فشلت حتى الآن في هذا التحدي.

لا يُفترض أن تصل العلاقات مع فرنسا وقوى لبنانية الى مواجهة سياسية وديبلوماسية بدأت تتسم بالحدة وتأخذ اتجاهات وأبعاداً أخرى، ولا سيما في ضوء العلاقات القوية والوثيقة التي تربط القوى اللبنانية عموماً بفرنسا والاطمئنان المبدئي للبنانيين الى دور فرنسا تاريخياً في لبنان في الوقت الذي باتت فيه المعارضة للمبادرة الفرنسية كما هي، إذ إن المنتقدين كثر من منطلق أن الضمانات التي طلبتها فرنسا من رئيس تيار المردة ليست ضمانات حقيقية ولا تسوّق لدى اللبنانيين الذين عايشوا التفافات متعدّدة لها فيما فرنسا قد لا تكون حاضرة لاحقاً من أجل ضمان تنفيذ هذه الضمانات في حال التسليم بجديتها أو واقعيتها، وهذا لم يحصل. يضاف الى ذلك أن التحديات لمستقبل لبنان أبعد من أن تُختصر بمعادلة سياسية مبسطة تمت تجربتها وكانت فاشلة ولا سيما مع "أبدية" موقع الرئاسة الثانية للثنائي الشيعي ووضع اليد على موقع الرئاسة الأولى ما يترك رئيس الحكومة أياً يكن بين حجرين طاحنين ينتميان لفريق واحد.

وإن كانت هناك رياح إقليمية هادئة في المنطقة ستلفح لبنان تبعاً للانفتاح الإيراني مع السعودية ودول الخليج العربي أو تبعاً لوضع الأزمة في السورية على سكة الحل وإن على مدى طويل، فإن النقاط الأساسية في الضمانات التي طلبتها فرنسا من أجل طمأنة المملكة السعودية تصبح في الواقع غير ذات جدوى لأن مفاعيل هذه النقاط ستحصل بحكم أمر واقع هذه التهدئة الاقليمية ومع أي رئيس للجمهورية سيقطف نتائج هذا المنحى إذا تمتع بالحكمة، ما يفقد المبرّرات التي يجري التسويق بها لرئيس تيار المردة أي إمكان مونته على سوريا أو "حزب الله"، أقله وفق ما يعتبره المعارضون. وهؤلاء، على رغم تمتعهم بالثقة بموقفهم، فإن هناك قلقاً كبيراً من لحظة إقليمية تبعاً لانشغال تلو الانشغال كان آخر تجلياته انفجار الوضع في السودان فيما أمور كثيرة على المحك من أجل إقفال ملفات شائكة في المنطقة، وكذلك من لامبالاة دولية نتيجة انشغالات أخرى بالإضافة الى تورط فرنسا على نحو يصعب عليها الخسارة فعلاً في لبنان، إذ تكشف معلومات ديبلوماسية عن أن باريس لا تزال على موقفها برغم كل المراجعات مستندة الى منطق أن لبنان لا يملك ترف الوقت والمعادلة التي تطرحها هي الأنسب.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار