لبنان "المُتخلّف" 4 سنوات... عن تقويم المنطقة | أخبار اليوم

لبنان "المُتخلّف" 4 سنوات... عن تقويم المنطقة

| الخميس 22 يونيو 2023

من يراقب المسار السعودي منذ عام 2015 إلى اليوم، يتيقّن من أنّها دولة لا تتّجه إلى الحروب 

خالد البوّاب - اساس ميديا
يمكن للمشهد أن ينقسم إلى صورتين للشرق الأوسط:

1- صورة أولى بين 2003 و2020.

2- وصورة ثانية بعد 2020 ومن ضمنها رؤية 2030.

في الصورة الأولى كان لبنان في أساسيات تكوينها وارتداداتها. أمّا الثانية فما يزال البلد الصغير منعزلاً عنها.

قام الشرق الأوسط "الجديد"، الذي بدأ في عام 2001 ودخل إلى المنطقة العربية في عام 2003 باجتياح القوات الأميركية العراق، على دعاية "محاربة الإرهاب"، انتقاماً من الهجوم على أميركا في 11 أيلول 2001. فكان فتح الجرح السني الشيعي، والتشظّي والتفتيت والتهجير والانهيارات، والحرب مع كلّ ما له علاقة ببنى ومرتكزات الدولة الوطنية.

تنامت بعدها النزاعات الدينية، القومية، العرقية والطائفية، حتى أصبحت الشعوب في حالة من القطيعة والانعزال. قاد هذا المسار إلى بروز مشروع أطلق عليه الملك الأردني عبد الله الثاني باكراً اسم "الهلال الشيعي". وبالفعل تمكّنت إيران من تحقيق اختراقاتها في المنطقة، باتجاه بغداد، دمشق وبيروت، ولاحقاً اليمن، وبين كلّ هذا حاولت في مصر والكويت والسعودية والبحرين... 

الهلال الشيعي... ومرآته السنيّة

جاء الربيع العربي في محاكاة لغضب الشباب العربي الثائر والمطالب بالحرّية، بدءًا من 2011. لكنّ أسباباً كثيرة حالت دون تحقيق المرتجى. وانقلب الربيعُ خريفاً للتطرّف حيناً، من داعش وأخواتها، إلى صعود نجم الإخوان المسلمين، الذين يرتكز مشروعهم بشكل أو بآخر على ضرب مرتكزات الدول الوطنية أيضاً. وكان لمشروع الإخوان أن ينتج هلالاً سنّيّاً مقابلاً للهلال الشيعي. فلو أمعن المرء النظر إلى الخريطة، في الحدود المترابطة من ليبيا إلى مصر مع سوريا وغزّة، لتراءت أمامه صورة الهلال السنّيّ المعاكس للهلال الشيعي. ولا حاجة هنا للإكثار من التحليل أو القراءة في نتائج ذلك وما كان قد مثّله من تهديد للأمن القومي العربي ببناه الوطنية، ولذلك سارعت المملكة العربية السعودية إلى التصدّي له وإسقاطه بدءاً من تدعيم الوضع في البحرين ومصر ثمّ اليمن. 

في عام 2015، أطلقت السعودية "عاصفة الحزم" لردّ التهديد الذي يطال الأمن القومي السعوديّ المباشر. كان لا بدّ للمملكة من إظهار القوّة العسكرية وفرض قواعدها، قبل الانتقال إلى مراحل التسوية السياسية، ولو لم تستخدم القوّة لكان انطلق التفاوض في سبيل التسوية من سقف منخفض أكثر. في "عاصفة الحزم"، مدّت السعودية يد الحرب والقوّة، ثمّ عادت إلى ما كانت عليه دوماً، وهو فتح اليدين للسلم والأمان. 

من يراقب المسار السعودي منذ عام 2015 إلى اليوم، يتيقّن من أنّها دولة لا تتّجه إلى الحروب، وإنّما ترتكز على مشاريع السلام لتحقيق نهضة اقتصادية، استثمارية، ثقافية، تعليمية، ولتصبح قوة عالمية. من هنا لا بدّ من الدخول إلى رؤية 2030 التي تجسّد الصورة الثانية للشرق الأوسط والتي يريد صناعتها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أعلن قبل فترة أنّه يريد تحويل المنطقة إلى "أوروبا الجديدة".

هذا الشرق الأوسط الأحدث لا يرتكز على الصراعات والحروب، بل على التكامل بين الدول والمجتمعات والشعوب، والتشارك في بناء اقتصادات واستثمارات قادرة على نقل المنطقة من حال إلى حال، بدلاً من الاستمرار بالغرق في أزمات وأتون حروب مذهبية وطائفية تنتج حملات تطهير عرقية وتغييرات ديمغرافية. 

الخليج "مركز الأمن العالمي"

يرتكز المشروع على تعزيز منطلقات كلّ دولة بمجتمعاتها ومؤسّساتها. ومن هنا يأتي مبدأ تنويع العلاقات وتشبيكها مع قوى متناقضة من خلال إجراء مصالحات وتجاوز النزاعات. بذلك تصبح المصالحة السعودية الإيرانية حتميّة، وتبريد الساحات في المنطقة العربية مسألة ثابتة، بالإضافة إلى توسيع إطار العلاقات بين الشرق والغرب، وصولاً إلى جعل السعودية مقصداً لدول عديدة، بينها دول أوروبية، بهدف السعي إلى إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية. وهذا ما طلبه بوضوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الأمير محمد بن سلمان. فيما يبقى التكامل الخليجي، ولا سيما بين السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان، أساسياً في تحقيق الأمن العالمي، بالارتكاز على القوّة الاقتصادية لكلّ دولة، وعلى علاقاتها المتنوّعة، والأدوار الأساسية لكلّ واحدة منها في ما يتعلّق بالتفاوض بين القوى المتصارعة.

لم يكن من الصدفة أن يكون بن سلمان في فرنسا، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد في روسيا، وأمير قطر في العراق، وأن تستقبل الدوحة وزير الخارجية الإيراني ضمن تحرّكها على خط التفاوض القائم بين واشنطن وطهران، إلى جانب الدور الذي تلعبه سلطنة عُمان. 

مثل هذه السياسة قادرة على التأثير والتغيير في مجريات السياسة العالمية، وإرساء قواعد جديدة في العلاقات الدولية. وهي المرّة الأولى التي يمكن الإشارة فيها إلى إمكانية أن يلعب العرب دوراً دولياً مؤثّراً أو فرض أنفسهم قوّة عالمية.

تتقدّم دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في دورها العالمي، فيما أصبحت هذه الدول داخلياً على طريق الحداثة بالنظر إلى التطوّر الهائل الذي تشهده، على عكس الأدبيات القديمة والتقليدية والبائدة التي اصطنعها عموم العرب، ولا سيما بعض الأنظمة العسكرية التي تلبس لبوس الديمقراطية، والتي تصف هذه الدول بأنّها رجعية.

نشأ بالحدّ الأدنى جيلان أو أكثر من الشباب العربي على معادلتين: معادلة تقول بوجود "أنظمة تقدّمية في مواجهة رجعية عربية"، ثمّ تبيّن أنّ ذلك ما هو إلا خطاب خشبي بائد، وفي المعادلة الثانية ارتكاس إلى صراع تاريخي بين عرب "الشام" إلى جانب مصر، وعرب الجزيرة مثلاً.

صناعة دور عربي

تجاوز عرب الجزيرة كلّ هذه الأدبيات لبلوغ مرحلة صناعة الدور، ومَن ينظر إلى مضامين زيارة وليّ العهد السعودي لفرنسا يمكنه التأكّد من ذلك. فقد شملت حضور مؤتمر ماليّ عالمي ومنتدى الترويج لاستضافة الرياض لإكسبو 2030، وتعزيز وتطوير العلاقات الثقافية بين الجانبين. ويسعى بن سلمان من وراء ذلك إلى أن يكون صاحب دور على الساحة العالمية، ويندرج هذا المشروع في سياق رؤية محمد بن سلمان للمملكة السعودية التي يريد أن يخرجها من نطاق الدولة المصدّرة للنفط، وأن يجعلها قوة عملاقة في الإقليم والعالم، فتكون دولة كبيرة بالمقاييس الإقليمية بالاستناد إلى مرتكزات لصناعة مؤسّسات واقتصاد فعليّ ومتنوّع يواكب السرعة الفائقة للتحوّل الإنتاجي على صعد المعرفة أو الاقتصادات غير المرئية على عكس الاقتصاد التقليدي.

هناك فريق علمي اقتصادي استراتيجي يحيط بالقيادة السعودية، يقدّم رؤى غير تقليدية، ويسعى إلى التفكير بمستقبل البيئة والمناخ، وجعل السعودية على حلبة التنافسات الاقتصادية الكبرى من خلال تهيئة أجيال متعلّمة تعليماً مخالفاً للتعليم التقليدي الذي كان قائماً. والأهمّ هو تجاوز كلّ الصراعات القومية والدينية أو الطائفية، ووقف الحروب على الصناعات ومواردها، مقابل الذهاب إلى التكامل مع كلّ هذه القوى، للدخول في قفزات القرن الواحد والعشرين التي تتجاوز بأشواط ما تحقّق في القرن العشرين.

يقول مصدر سعودي مسؤول إنّ هذا كلّه يندرج ضمن خطة ورؤية استراتيجية للمرحلة المقبلة، وقد تمتدّ هذه الرؤية إلى ثلاثين سنة، ويتمّ تخصيص مئات المليارات من الدولارات لها، وتطال مستويات متعدّدة من التطوير، ويرتكز الاستثمار أولاً على عنصر الشباب الذي يوالي رؤية بن سلمان ويشكّل قاعدة اجتماعية كبرى حيوية وفتيّة. 

لبنان.. البعيد"

أمام كلّ هذه المشاريع والطموحات كان في لبنان من ينتظر ما ستفضي إليه نتائج اللقاءات السعودية الفرنسية. وما ذلك إلا تعبير عن يُتم وغربة وعطب في التبصّر. فهذا اللبنان الذي كان يمثّل كلّ هذه المرتكزات بالنسبة إلى الدول العربية قد خسر دوره، فلم يعد مدرسة أو جامعة العرب، وقطاعه المصرفي انهار فيما أصبحت عواصم عربية خليجية رائدة في استقطاب رؤوس الأموال.

ما يزال لبنان يقبع في الشرق الأوسط الأوّل، ولم يلتحق حتى الآن بالشرق الأوسط الذي يبنيه محمد بن سلمان. كان التداول بالملفّ اللبناني عابراً واقتصر على تأكيد الحاجة إلى مساعدة يتيم يريد أن يبقى في دار الرعاية وينتظر تدخّلاً سعودياً مباشراً على قاعدة قديمة، وهي حصوله على سمكة، فيما رؤية الرياض أن تعطي الجائع صنّارة.

هذه الصنّارة الغاية منها واضحة، وهي أن يساعد اليتيم نفسه ويلتحق بركب هذه المشاريع الضخمة، بعيداً عن الغرق في تفاصيل المرشّحين والأسماء والانتماء السياسي لأيّ منهم، على قاعدة تعاطي دولة مع دولة، لا وفق الآليات السابقة، وبدون الدخول في تفاوض على حصص ومكتسبات.

حالياً ينتظر لبنان ثلاث محطات داخلية: أولاها زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان وما يحمله وما سيسمعه، وثانيها العشاء الذي ينظّمه السفير السعودي وليد بخاري مساء الخميس في فندق فينيسيا على شرف لودريان ويدعو إليه السفير الإيراني والقائم بأعمال السفارة السورية، وثالثها لقاء خماسي في قصر الصنوبر دعا إليه لودريان سفراء الدول الخمس المعنيّة بالملف اللبناني.

لبنان يتيم، ومازال يقيم بين العامين 2003 و2020، قبل ثورة 17 تشرين.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار