لودريان "سبح بين القروش اللبنانية"... و"الصنارة" الرئاسية ابتعدت عن فرنجية | أخبار اليوم

لودريان "سبح بين القروش اللبنانية"... و"الصنارة" الرئاسية ابتعدت عن فرنجية

| الجمعة 23 يونيو 2023

الراي- لم يكن مفاجئاً أن تطغى الشكلياتُ على المضمون المتوقَّع لزيارة الوزير السابق للخارجية الفرنسية جان - إيف لودريان للبنان موفداً شخصياً للرئيس ايمانويل ماكرون والتي يُنْهي اليوم جولتها الأولى الاستطلاعية لتليها محطات أخرى متسلسلة من ضمن مهمته التي حملت عنوان تحفيز اللبنانيين على إيجاد حل للأزمة التي يواجهها بلدهم بدءاً من المأزق الرئاسي وعلى قاعدة أن «الترياق في الداخل» وأن الخارج عنصر مُساعِد «بعد أن يساعد اللبنانيون أنفسهم».

فمن الحذاء غير الرسمي وغير الجديد الذي حطّ به لودريان في بيروت الأربعاء، وكان يرتديه في أول لقاءاته اللبنانية مع رئيس البرلمان نبيه بري، إلى أسماك القرش التي عرّجتْ على الشاطىء اللبناني في الزهراني والأوزاعي وربما جونيه (الكسليك)... عنوانان وجدا مكاناً بين زحمة الاجتماعات والزيارات على مدار الساعة التي حفلتْ بها أجندة رجل «ديبلوماسية الاستماع» الذي جاء إلى لبنان في مَهمة وكأنها تبدأ «على بياض» سيملأه ما يستجمعه من مواقف وآراء أفاض بها محدّثوه من مختلف المشارب في ما يشبه «الفضفضة السياسية».
ولم يمرّ الحذاء «البيج الفاتح» الذي افتتح به لودريان جولته الشاملة (وتخلى عنه في لقاءاته أمس حيث كان اللوك رسمياً بالكامل) مرور الكرام حتى على أحد النواب (اللواء جميل السيد) الذي توقّف عند تعليقات تناولت «لونه وشكله القديم»، ليعتبر أن «الديبلوماسي المحترف والخبير بلبنان اختاره قصداً»، مستحضراً «أن الحذاء أو الصرماية، ولا سيما الصبّاط العربي او الأجنبي، كان في العادة من أهَمّ وسائل الإقناع الأساسية لحَمْل المسؤولين عندنا على القبول بالحلول والتسويات، وكلّما كان الحذاء قديماً ومهترئاً كان وسيلة أسهل للإقناع».

وفيما أعطت أوساطٌ متابعة إسقاطات رمزية على ما انتعله الموفد الشخصي لماكرون ربْطاً بما أوردتْه صحيفة «لوموند» عن أن قادة لبنان أتعبوا المجتمع الدولي بمَن فيهم فرنسا التي لم «تستسلم» عن محاولة مساعدة «بلاد الأرز» وأوفدت لودريان الذي بدا «من رأسه حتى أخمص قدميه» مدركاً حجم «الأزمة العميقة» وأن تفكيكها ما زال يتطلب «السير على الجمر» لمسافات طويلة.

ولم يقلّ دلالةً «التقريش السياسي» لـ «زيارات» أسماك القرش التي شغلت اللبنانيين وسط معلومات عن احتياطات على أحد الشواطئ (الكسليك - ATCL) تحسباً لِما لم يُجزم اذا كان قرشاً أو دلفيناً وفي ظل طمأنة خبراء إلى أن مرورها عابر في المياه اللبنانية ولم يسبق أن شهد الشاطئ أنواعاً منها اقتربت من أي انسان.

فسرعان ما تمت «استعارة» هذه الواقعة لتوصيف «المهمة شبه المستحيلة» للودريان الذي «يسبح بين قروش» الساحة اللبنانية التي «غامَرَ» ماركون بإرساله إليها «نظراً لتعلُّقه الكبير بهذا البلد».

ولم تخالف المعطيات التي توافرت عن اليوم الثاني من زيارة لودريان، وفيها التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ثم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فرئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، قبل أن يستقبل زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية على مائدة غداء ثم وفداً من «حزب الله» تَقَدَّمَه رئيس كتلة نوابه محمد رعد، ليولم مساءً للوزير السابق زياد بارود (مطروح اسمه للرئاسة)، القراءات التي عبّرت عنها الأوساط عيْنها رغم التكتم الشديد الذي انطبعت به اجتماعات موفد ماكرون الذي اكتفى بتصريح مقتضب من مقر الكنيسة المارونية في بكركي.

لودريان لا يحمل أي طرح

فمن الصرح البطريركي، الذي كان سيّده التقى ماكرون قبل أسابيع، اختصر لودريان طبيعة مهمته وحدودها في ما بدا ضغطاً على زرّ «إعادة ضبْط» المبادرة الفرنسية التي كانت قامت على تسويق مقايضةٍ بين فرنجية، بوصْفه مرشح فريق الممانعة (بقيادة حزب الله) لرئاسة الجمهورية وبين نواف سلام لرئاسة الحكومة (باعتباره قريباً مما كان يُعرف بقوى 14 مارس)، وذلك في سياق ديبلوماسية الواقعية التي انتهجتْها باريس ولكنها باتت تصطدم بوقائع لا يمكن القفز فوقها عبّرت عنها جلسة الانتخاب الرئاسية في 14 الجاري والتي فاز فيها مرشح تقاطُع غالبية المعارضة والتيار الوطني الحر جهاد أزعور على فرنجية بثمانية أصوات (59 مقابل 51) مع تسجيل ما مجموعه 77 لا لانتخاب زعيم «المردة».

فلودريان قطع الشك باليقين وأكد المؤكد لجهة «أنني لا أحمل أي طرح لكنني سأستمع الى الجميع والحل في الدرجة الأولى يأتي من اللبنانيين، ولن أفوّت أي فرصة وسأستمع الى الجميع في هذه الزيارة التي ستتبعها زيارات أخرى لمرافقة اللبنانيين للخروج من هذا الطريق المسدود».

واضاف «زرت لبنان مرات عدة وعلاقتي به قديمة، وبسبب هذه المشاعر التي أحملها تجاه هذا البلد، طلب مني الرئيس ماكرون أن أقوم بمهمة التشاور والاستماع الى المعنيين بطريقة تساعد هذا البلد على الخروج من أزمته السياسية. والرئيس ماكرون يحب لبنان كثيراً ومتعلق به وهذا ما أظهره في مناسبات عدة، وهو مصر على تحريك كل ما هو ضروري لحل هذه الأزمة، ومشاعره الاستثنائية حيال هذا البلد هي سبب اختياره لي للقيام بهذه المهمة مع كل المعنيين للخروج فوراً من الأزمة السياسية ووضع تصور لأجندة إصلاحات كي يستعيد البلد حيويته وأمله بالخروج من محنته».

وبدا واضحاً من كلام موفد ماكرون أنه يضطلع بما هو أقرب إلى وساطة بين اللبنانيين يحاول تَلَمُّس مرتكزاتها الداخلية وقواعدها التي تَرَدَّدَ أن باريس تراها في الحوار بينما تعتبر قوى وازنة في المعارضة أن المَخْرج كان وسيبقى داخل البرلمان وبيد الـ 128 نائباً عبر جلسات متتالية حتى انتخاب الرئيس وفق الدستور.

وتعاطت مصادر مطلعة مع مواقف لودريان وما رشح عن لقاءاته على أنها مؤشر إلى أن فرنسا اقتربت من المقاربة السعودية التي قامت على أن الانتخابات شأن سيادي لبناني ولا فيتو على أي مرشح ولا دعم لآخر محدّداً، معتبرة أن باريس باتت تتعاطى مع فرنجية على أنه مرشّح «متساوٍ» مع آخرين وليس متفوّقاً لا بقوة الأمر الواقع الذي تفرضه وضعية «حزب الله» داخلياً ولا بفعل تشكيل الاليزيه رافعة خارجية له، وهو ما يعني تراجعاً فرنسياً أمْلتْه الدينامية الداخلية التي لا يمكن تخطيها ومراجعةً من باريس لحساباتها.

وتوقفت المصادر عند تَعَمُّد لودريان أن يلتقي كل الأسماء التي أُسقطت أسماؤها في صندوقة الاقتراع في جلسة الانتخاب في 14 الجاري، بمن فيهم قائد الجيش العماد جوزف عون وأزعور (رُجح أن يجتمع به عن بُعد ما لم يكن عاد إلى بيروت من الولايات المتحدة)، في مؤشر واضح إلى أن لا مفضّلين رئاسياً لدى باريس، وفق ما أكد جعجع.

وشدد على أن «لودريان لم يأتِ لإقناعنا بفرنجية أو غيره ولم يطرح أي اسم للرئاسة»، موضحاً ان «جولة الموفد الفرنسي استطلاعية وقد طرح الأخير أسئلة عن مختلف الأمور وليس لديه أي مقترح لطرحه».

وأضاف ان «لودريان يسعى لإيجاد الحلول وهو مُرحّب به مثل أي موفدٍ أجنبي آخر لكنّ المسألة الرئاسية مرتبطة بالداخل والنواب والكتل في البرلمان».

وإذ اكد جعجع ان «الحوار ضروري وأمرٌ جيّد ونحن على جهوزية للاتفاق على مرشح ولكن ليس وفق الطريقة القائمة حالياً خصوصاً وسط تمسك محور الممانعة بترشيح فرنجية»، مشيراً إلى أنّ «لودريان يسعى إلى استطلاع كل آراء الأفرقاء للخروج بخلاصةٍ تمكنه من إحداث طريقٍ يبدأ منه الحل»، نُقل عن أوساط مشاركة في اجتماع رئيس «القوات» مع الموفد الفرنسي أن «لا أفضليات لفرنسا في الملف الرئاسي وهي مستعدة للقيام بوساطة بين الأفرقاء اللبنانيين لكن الحل يجب أن يكون لبنانياً والموفد الفرنسي مدرك لصعوبة المهمة».

«الجو إيجابي»

وفيما نُقل عن لقاء فرنجية مع لودريان «أن الجو إيجابي والفرنسيون يبحثون عن حل متكامل للأزمة يشارك فيه جميع الأفرقاء انطلاقاً من المبادرة الفرنسية» وسط تغريدة لزعيم المردة أكد فيها «ان اللقاء كان إيجابياً والحوار بنّاءً للمرحلة المقبلة»، افاد تلفزيون «ال بي سي آي» «ان لقاء الموفد الفرنسي وباسيل دام اكثر من ساعة والاجواء وصفت بالايجابية»، وأنّ رئيس التيار «تبلّغ من لودريان أن المرحلة السابقة طويت وأن مرحلة جديدة بدأت من خلال جولته وان الاساس يبقى الحوار اللبناني ـ اللبناني»، وأن باسيل شرح أن انتاج رئيس لا يمكن ان يكون إلا نتيجة توافق بين جميع اللبنانيين حول الشخص والبرنامج، على أن يتم لاحقاً طلب الدعم الدولي لتنفيذ البرنامج».

وفيما يُنْهي لودريان زيارته لبيروت اليوم حيث سيستكمل لقاءاته مع رؤساء كتل ونواب مستقلين وتغييريين وبعضهم يستضيفهم الى مائدة غداء، كما يجتمع بسفراء«مجموعة الخمس»حول لبنان (تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) على أن يضع بعدها تقريراً يرفعه الى الاليزيه حول حصيلة ما سمعه في لبنان، بدا من الصعوبة استشراف كيف سيكون متاحاً نزْع صواعق الأزمة على أيدي اللبنانيين الذين أمضوا نحو 8 أشهر من عمر الفراغ يدورون في حلقة مفرغة شهدت تبدلاً وتبادلاً في الأفضليات بين المسار الداخلي والخارجي للمأزق الرئاسي الذي أعطى لودريان بنفسه إشارة إلى أن حله ليس وشيكاً بدليل ما كُشف عن أن محطته المقبلة في العاصمة اللبنانية قد تكون بعد شهر.

«الديبلوماسية المستدامة»

في موازاة ذلك، أشارت تقارير إلى أن لقاء لودريان مع سفراء«مجموعة الخمس»كان يمكن أن يحصل أمس ولكنه أرجئ إلى اليوم نظراً الى العشاء الذي أقامه مساء أمس السفير السعودي في بيروت وليد بخاري تحت عنوان«الديبلوماسية المستدامة»، ودعا إليه العديد من سفراء الدول العربية والإسلامية، وبينهم السفير الايراني مجتبى أماني والقائم باعمال السفارة السورية علي دغمان، علماً أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا، غابت كونها موجودة في واشنطن حيث تستكمل إجراءات مثولها امام الكونغرس قبيل تسلمها منصب مندوبة بلادها في الأمم المتحدة.

وكانت شيا أعادت خلال كلمة مسجلة لها بُثت في احتفال أقامته السفارة الأميركية في البيال لمناسبة العيد الوطني«إن التغيير الحقيقي في لبنان لن يأتي من خارج حدود بلدكم، فالمستقبل بين أيديكم أيها اللبنانيون».

وتابعت«على البرلمان أداء واجبه السيادي من خلال التوصل إلى توافق، والحفاظ على النصاب القانوني وانتخاب الرئيس. رئيس يمكنه العمل مع حكومة ذات صلاحيات لتنفيذ إصلاحات تعيد اقتصاد البلاد إلى مساره لصالح جميع اللبنانيين. نتطلع إلى الشراكة مع الرئيس المستقبلي، وهو شخص نعتمد عليه في وضع مصالح البلد أولاً، شخص غير فاسد أو خاضع للنفوذ الخارجي».

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار