محنة لبنان المستمرة ومأزق فرنسا المتسع: من فشل الى آخر | أخبار اليوم

محنة لبنان المستمرة ومأزق فرنسا المتسع: من فشل الى آخر

| السبت 01 يوليو 2023

أزاح الحاج محمد رعد آليات الدستور اللبناني جانباً وتوجه مخاطباً الخصوم والرأي العام

عارف العبد - المدن
بمجرد أن غادر الموفد الرئاسي الفرنسي، وزير الخارجية السابق، جان-إيف لودريان لبنان، من دون نتائج إيجابية معلنة، مع وعود باستكمال الاتصالات فرنسياً ودولياً وعربياً، قبل وعد العودة ما بعد منتصف تموز، حتى تأكد للشعب اللبناني والكثير من المراقبين والمتابعين أن المحنة اللبنانية طويلة ومستمرة وقاسية.

الاستحقاقات الصعبة والحساسة مقبلة، وهي لا تبدأ من نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولا تنتهي بعجز الحكومة الحالية عن تعيين بديل له، واحتمال تمدد الفراغ إلى الأشهر المقبلة لتطال مؤسسة الجيش ومؤسسات أخرى مهمة وحساسة.

المعلومات والمواقف الصادرة عن ركني الثنائي حزب الله وحركة أمل، لا توحي باحتمال تراجع عن التمسك بمرشحهما زعيم تيار المردة سليمان بك فرنجية. وقد أكد الاجتماع المطول بين الموفد الفرنسي وحزب الله، كما مع الرئيس نبيه برّي، أن التمسك بترشيح فرنجية مستمر وما يزال المشروع على حاله، من دون أي احتمال للتفكير برديف أو بديل أو حل وسط.

في المقابل، فإن الأطراف المقابلة يبدو انها استطابت طعم ونتائج التقاطع في وجه مرشح خط الممانعة.

إضافة إلى هذا التشدد الموصد من الطرفين بوجه لودريان، فإن فرنسا تجد نفسها اليوم أمام مأزق متسع في لبنان.

يجب أن لا ننسى، أن فرنسا قد تلقت وللمرة الثالثة نكسات دبلوماسية بشكل متوال ومتتابع، وبظرف ثلاث سنوات، في لبنان. لتنتقل من فشل دبلوماسي إلى آخر بشكل متواصل ومتصل.

النكسة الأولى التي تلقتها فرنسا، كانت بعد الزيارة والمبادرة المشهودة والمميزة الأولى لرئيسها إلى بيروت بعد يومين من الانفجار المدمر الذي ضرب العاصمة اللبنانية، والتي اتبعها باللقاء في قصر الصنوبر مع إطلاقه رؤيته في مرحلتها الحماسية الأولى، حين تحدث عن ضرورة التوصل إلى عقد اجتماعي جديد في لبنان، ليكتشف بعد ذلك أنه أصاب بهذا الكلام والاندفاع الكثير من الأطراف المحلية والإقليمية، التي لم توافقه على هذه المقاربة أو تتفق معه.

بطبيعة الحال، سرعان ما تحطمت المبادرة الماكرونية بطبعتها الأولى، وعلى وجه الخصوص نتيجة النفور والرفض من بعض الأطراف الداخلية والعربية والدولية، كمثل العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

في المرحلة الثانية من المبادرة الفرنسية، والتي تخللتها أغنية "بحبك يا لبنان" الفيروزية، والتي تحدثت عن برنامج إصلاحي وحكومة حيادية من المستقلين.. تكفل بالإجهاز عليها الثنائي المتصلب والمتطلب عون- باسيل، عبر تحطيم طموح سعد الحريري الذي اعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً يومها لتشكيل حكومة تنقذ ما تبقى من عهد عون. لكن الصهر المتوثب سرعان ما عاجل عمه والحريري بضربة رفض وتصلب محكمة، أفشل فيها آخر محاولة للحصول على ما تبقى من شرعية تمثيلية كان يمثلها الحريري، وأفقد عهد عمه آخر محاولة من شخصية إسلامية وازنة شعبياً ومعتبرة لإنقاذ ما تبقى من ولاية أصبحت في عمق جهنم.

كانت تجربة إفشال وتقويض جهود الحريري، أبلغ درس سياسي لبقية الساسة المسلمين للإحجام عن التعاون المخلص والإيجابي مع عون وصهره. وإذا كان نجيب ميقاتي قد تقدم الصفوف لتشكيل حكومة بالتعاون مع الجنرال وربعه، فإن تجربته دلت على تيقظ وتنبه عالي الوتيرة تجاه تصرفات الثنائي النكد عون وباسيل، في مقابل تجنب إغضاب أو مواجهة الثنائي الحاكم والمتحكم، حزب الله وحركة امل.

مع انتهاء ولاية العماد عون وغياب أفق انتخاب الخلف، وتجنب ميقاتي بشكل حاذق وواع الوقوع في فخ حكومة جديدة يسيطر عليها ويحكمها الثلث المعطل، والواقعة بين يدي الرئيس وصهره، بدأت المبادرة الفرنسية بمرحلتها الثالثة، والتي ارتكزت على دعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، مع إضافة علامات تفاضلية بربط الصفقة باختيار رئيس الحكومة في الوقت عينه. وهو ما عرف بمبادرة "فرنجية- نواف سلام".

قد تكون المرة الأولى في التاريخ التي يظهر فيها هذا التعارض العميق الصلب والجاف بين فرنسا، الأم الحنون، والجماعة المسيحية بشكل عام والمارونية بشكل خاص.

هنا بدأت مرحلة الأزمة الثالثة التي تواجه الدبلوماسية الفرنسية إزاء لبنان. فبعد فشل مبادرتين سابقتين أصيبت المبادرة الثالثة بشكل مباشر وقاتل، وتعطلت بفعل رفض مسيحي تمدد إلى تقاطع مع آخرين من غير المسيحيين، والتي تمثلت بتبني فرنسا فرنجية. عندها كُلف إيف لودريان بقيادة مبادرة إنقاذ رابعة بدأها بعد جلسة الانتخاب الثانية عشرة، والتي خرجت بأرقام ووقائع سياسية جديدة وصلبة، واصطفاف مستجد بين معسكرين واضحين. الأول يمثله الثنائي أمل وحزب الله، والثاني القوى المتقاطعة في مواجهته حول الدكتور جهاد أزعور.

في مطالعته الأخيرة بخصوص محنة الرئاسة أزاح الحاج محمد رعد آليات الدستور اللبناني جانباً، وتوجه مخاطباً الخصوم والرأي العام، حول ضرورة الجلوس والتفاهم على الحل والمرشح المطلوب إنجاحه أو اختياره، وتبعه على المنوال نفسه نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم وثلة من قادة ومسؤولي حزب الله. والجوهر هو الدعوة للحوار الذي بات لازمة مترددة مع كل "طلعة شمس".

لم يخطر على بال قائد كتلة الوفاء للمقاومة ورفاقه، أن هناك نصوصاً دستورية يجب الاحتكام إليها، بل اختار دعوة الجلوس إلى الطاولة الموعودة هنا أو في الخارج للتفاهم مع الآخرين، متناسياً أنه يضع على هذه الطاولة أو تحتها، مسدساً محشوا بالرصاص، سبق أن أفشل مبادرات حوار كثيرة. إذ لا يحمل باقي الرواد والأطراف المشمولين بالدعوة للنقاش والتفاهم أي سلاح مقابل، مما يعطل ويحبط أي عملية حوار وقبل أن تنطلق.  

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار