"الدوحة – 2" عرض جدّي أم مجرّد "جسّ نبض"؟ | أخبار اليوم

"الدوحة – 2" عرض جدّي أم مجرّد "جسّ نبض"؟

| الجمعة 06 أكتوبر 2023

"الدوحة – 2" عرض جدّي أم مجرّد "جسّ نبض"؟

المعارضة المسيحية ترى نفسها في حال حرب ومواجهة مفتوحة مع الثنائي الشيعي


"النهار"- ابراهيم بيرم

ثمة في محافل إعلامية وسياسية من مرّر أخيراً وبخفر عبارة "دوحة ثانية" فاتح بها الموفد القطري في بيروت من التقاهم من القوى والفاعليات منذ أكثر من أسبوع، لتكون على غرار دوحة عام 2008 التي انتهت حينها بإنتاج تسوية "على الحامي والساخن" حملت كما هو معلوم قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان من اليرزة إلى قصر بعبدا رئيساً، ولتضع استطراداً حينها حدّاً لأزمة فراغ رئاسي بدأت مع نهاية الولاية الممددة للرئيس إميل لحود. ومن باب التذكير فإن تلك التسوية أنهت على عجل مفاعيل أحداث ٧ أيار التي كانت بروفة لحرب أهلية.
ولكن اللافت أنه في طرفة عين بدا كأن الجميع يتبرأ من هذه الدعوة المزعومة إلى الدوحة-2. فالجانب القطري ما لبث، عبر أكثر من وسيلة، أن غسل يديه من هذه الدعوة وأنكر أن يكون روّج لها أو فاتح بها أحداً ممن التقاهم، واستكمل الموفد القطري جولته بصمت وكأن شيئاً لم يكن.

ومن جهته ما لبث الثنائي الشيعي أيضاً أن أنكر علمه بالأمر، وأبلغت مصادره "النهار" أن أحداً لم يعرض على أي من طرفيه الفكرة على نحو جدّي لكي يبني على الشيء مقتضاه. أما المعارضة المسيحية، فكانت السباقة إلى رفض هذا العرض ودعت إلى دفنه في مهده. ومن الضفة السنية انبرى من يبدي رفضاً مبكراً وحاسماً ولكن بطريقة غير مباشرة، إذ سرعان ما جددت مكوّنات هذه الضفة تصميمها على مواجهة ضارية لأي فعل أو عرض من شأنه أن يقود إلى المساس بمضامين اتفاق الطائف ومندرجاته.

وعلى رغم هذا التقاطع العاجل على رفض مسبق وقاطع لدعوة بقيت سرابية، ثمة من وجد في رمي هذه الدعوة في دائرة التداول ثم سحبها بعجلة من هذه الدائرة وطيّ صفحتها عملاً "غير بريء"، بل إنه عمل متعمَّد خصوصاً أنه أتى في ظل أزمة الاستعصاء السياسي المحتدمة بفعل الشغور الرئاسي المتوالي فصولاً منذ ما يقرب من عام، واستطراداً في ظل مناخات من التوتر والاحتقان السياسي المتفجر سجالات حادة واشتباكات كلامية يومية.

وبمعنى آخر، ثمة من وجد في دفع هذا الطرح تحت الأضواء الإعلامية على نحو مصاحب لتحركات الموفد القطري والجهود الاستثنائية التي يبذلها لإنجاز تقدّم أمراً مدبَّراً سارع الكل إلى نفي علاقته به، لكن هذا "الكل" وجد نفسه مستفيداً من سريانه وتداوله كلٌّ بقدر.

فهذا العرض كان بمثابة فرصة ذهبية للجهات والمكوّنات التي نصّبت نفسها منذ زمن مدافعة بشراسة عن صيغة الحكم الحالية ولا سيما "حرّاس هيكل" اتفاق الطائف الذين أعربوا منذ زمن غير بعيد أنهم نذروا أنفسهم للسهر عليه، فسارعوا إلى المجاهرة برفض العرض منطلقين في رفضهم من الوقائع الآتية:

- إن الدعوة إلى لقاء حواري وطني ستكون مبرّراً للثنائي الشيعي لكي يستعيد مبرّرات دعوته الكامنة إلى ضرورة البحث عن طروحات تطويرية لصيغة الطائف، باعتباره أنه متظلّم منها ومتضرّر ومغبون، وبالتالي فإن أي نقاش يتعين أن يدفع إلى صيغة جديدة تزيل هذه المظلومية، وعليه يُعاد الاعتبار تلقائياً إلى صيغة "المثالثة" التي وإن بدا الثنائي ساكتاً عنها لكنها حاضرة عند الضرورة.

- إن أي شكل من أشكال الحوار سيكون عند هذا الفريق استتباعاً أو بديلاً للدعوة التي يرفع رئيس مجلس النواب نبيه بري لواءها عالياً منذ بداية الشغور الرئاسي ويراها ممرّاً إجبارياً لأيّ حل. والمعلوم أن الفريق نفسه قد رفض التجاوب مع هذه الدعوة التي أعاد بري صياغتها وقدّمها على صورة جديدة في مهرجان 31 آب الماضي.

ولم يعد خافياً أن المعارضة المسيحية، وتحديداً حزبَي القوات اللبنانية والكتائب، ترى نفسها في حال حرب ومواجهة مفتوحة مع الثنائي ولا سيما "حزب الله" انطلاقاً من اعتبارات وحسابات عدة، لذا فهي ترفض حتماً أي دعوات تفضي إلى الجلوس مع هذا الثنائي إلى مائدة واحدة، لأن من شأن ذلك أن ينهي مفاعيل العداوة والقطيعة إزاء هذا الثنائي وهو ما سيصبّ في مصلحته السياسية.

وفي المقابل، وعلى رغم أن الثنائي الشيعي تجاهل حديث الدعوة المحتملة إلى "دوحة ثانية" ولم يكلّف نفسه عناء التعليق تلميحاً أو تصريحاً، لم يكن في دوائره الداخلية يضمر دفعاً لإثارة هذا الموضوع السجالي بطبيعة الحال.

فـ"حزب الله" لن يكون إلا مسروراً وهو يرى بعض خصومه وقد أصيبوا بحال من الخوف بمجرد أن يستشعروا أنّ هناك من يريد أخذ الأطراف اللبنانية المتصارعين إلى طاولة حوار ويفترض تلقائياً أنها ستكون مكاناً يطرح فيه كل طرف من هذه الأطراف هواجسه ومطالبه للجنوح نحو التسوية المحتملة. فهؤلاء الخصوم يرون في قرارة أنفسهم أنهم يتعاملون مع الثنائي وكأنه يصلت على رؤوسهم سيفاً ويجرّده عندما يجد الفرصة مؤاتية. وليس خافياً أن الحزب سبق له أن لوّح بهذا السيف أكثر من مرة خصوصاً عندما تحدث أمينه العام السيد حسن نصرالله في أكثر من إطلالة إعلامية عن أزمة بنيوية تعصف بالنظام وتؤدي إلى هذه الانسدادات الدورية والاستعصاءات المتتالية، وأن الحل والعلاج يكونان بالبحث الجدي عن صيغ تطويرية وتحديثية لهذا النظام تفضي إلى أن يكون الثنائي شريكاً طبيعياً في الدولة العميقة وفي القرار الوطني، لا أن يكون واقفاً على الحافات.

وبناءً على ذلك، فإن المعارضة المسيحية باتت تتهيّب المضيّ إلى أي حوار لأنها ستكون مجبرة فيه على تقديم تنازلات وسيكون موقفها ضعيفاً. وعلى ذلك أيضاً، كان الثنائي يحرص دوماً على التلميح بأن أي لقاء حواري جديد يحتاج إلى شروط وظروف معيّنة لا أن يكون على شاكلة مؤتمر الدوحة الأول الذي انعقد برأيها على عجل على وقع أحداث ٧ أيار وأفضى إلى تفاهمات ترقيعية، بدليل أن مفعولها بدأ بالتراجع بعد أقل من ثلاثة أعوام.

وإلى جانب ذلك، فإن الثنائي لا تضيره إطلاقاً حركة الاعتراض التي يبديها خصومه على بعض المبادرة القطرية، لأنه لم يكن من الأصل مستبشراً بها أو مراهناً على نجاحها، خصوصاً أنها لم تأخذ يوماً مرشحها الحصري للرئاسة مأخذ الجد.

وفي كل الأحوال، سواء كان عرض "الدوحة-2" عرضاً جدياً أو مجرد "جس نبض" أو عبارة عن قنبلة دخانية يُراد عبرها إمرار عرض آخر، فهي بالنتيجة أظهرت الكثير من الخبايا علاوة على أنها استهلكت وقتاً مستقطعاً أصلاً.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار