هل تكفي إطلالة فضل الله لتبرير احتجاب نصرالله؟ | أخبار اليوم

هل تكفي إطلالة فضل الله لتبرير احتجاب نصرالله؟

| الثلاثاء 24 أكتوبر 2023

هل تكفي إطلالة فضل الله لتبرير احتجاب نصرالله؟
 جرعة تسكين وتهدئة لخواطر القلقين وأن مفعولها لن يدوم طويلاً

"النهار"- ابراهيم بيرم

كان أمراً أكثر من ضروري وملحّ أن يخرج أحد أعضاء كتلة نواب "حزب الله" حسن فضل الله السبت الماضي على شاشات التلفزة في مهمّة تبرير الغياب الطويل نسبياً والصمت المدوّي للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن واجهة الحدث المحوري وصدارة المشهد الساخن في لبنان والإقليم عموماً.

فقاعدة الحزب اعتادت أن تراه حاضراً في المحطات المفصلية التي على غرار محطة 7 تشرين الأول الجاري، لكي يطلق خطابه المفصّل الذي ترتاح إليه هذه القاعدة وتجد فيه ما يقنع ويشفي الغليل ويجذب ويؤثر ومن ثم يعزز الآمال.

لذا كان النائب فضل الله مضطراً لأن يثبت أمرين عاجلين أساسيين هما:
أن السيد نصرالله وإن احتجب بالصورة عن الأنظار فهو في الظل يتولى قيادة المواجهة على الحدود الجنوبية ويتابعها لحظة بلحظة فضلاً عن أنه يشارك من موقعه في زعامة "محور المقاومة" في صنع قرار هذا المحور حيث امتدّت أطرافه وبعدت مسافاته من دون أن يحدّد ميقاتاً معيّناً لإطلالة نصرالله.

وكان أمراً ملحّاً ومدروساً أن تكون إطلالة فضل الله من بنت جبيل بما ترمز إليه هذه المدينة في وجدان جمهور الحزب، لكونها تقع على خط المواجهة مباشرة وخط الدفاع عن الجنوب في حرب تموز عندما منعت الإسرائيليين من ولوج عتبتها رغم شراسة هجمتهم عليها وتدميرها تماماً فضلاً عن أنها سُمّيت في حزيران عام 2000 "عاصمة التحرير" ولا سيما بعدما أطلّ السيد نصرالله من ساحتها بعد أقل من أسبوع على يوم التحرير ليعلن "بشرى النصر"، فضلاً عن أن المدينة تقع تماماً على خط المواجهة فهي لا تبعد عن الحدود إلا أقل من كيلومتر واحد (خط نار).

واستطراداً كان فضل الله ينفذ أمر مهمّة من قيادته بأن يستخدم رصيد الحزب ليبرّر حدثاً بحجم صمت سيده وغيابه في وقت تعلو فيه طبول الحرب لتطغى على كل ما عداها.

والثابت أن جمهور الحزب لم يألف مثل هذا الاحتجاب سابقاً، إذ كان لا يلبث أن يجد نصرالله يطل من الشاشة عندما كانت الإطلالة موقفاً وقراراً حازمين. والمعلوم على سبيل المثال أن نصرالله ظهر بعد أقل من 36 ساعة على بدء حرب تموز عام 2006 وكانت إطلالته تلك وما تلاها من إطلالات متعاقبة بمثابة شحنة تطمين وجرعات لجمهور الحزب يتزوّد بها ليصمد أمام النار الإسرائيلية المدمرة.

وليس نسياً منسيّاً أن إطلالات نصرالله وخطاباته المثقلة بالتعبئة والتبرير كانت بمثابة الجسر الذي عبر من خلاله مقاتلو الحزب للانخراط تدريجاً في ميادين المعركة الشرسة في الساحة السورية بعد نحو عامين على اشتعال فتيل الأحداث هناك وبعد تحوّل سوريا الى ملعب كبير تتصارع فيه إرادات الدول والمحاور. وكلما كانت تكبر حدود هذا الانخراط ويزداد عدد الجثامين العائدة من هناك الى قرى البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية كانت إطلالات نصرالله تعدّ من أنصاره "جرعة الصبر على المكاره".

وبناءً على هذا السياق كان احتجاب نصرالله في الأسبوعين الأولين من انطلاق "طوفان الأقصى" أمراً ليس بالعادي لاعتبارات عدة أبرزها أن من يخوض معركة المنازلة الكبرى على أرض غزة وقطاعها هو ركن أساسي من أركان "محور الممانعة" وقد انطلق لتوّه في فعل هجومي غير مسبوق إلا بالنادر في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. ولم يعد خافياً أن نصرالله هو المطلق الأول لشعار "ترابط ساحات المواجهة" وقد اعتبرها "فرض عين" داعياً كل أطراف المحور الى الالتزام بموجباته ومقتضياته العملانية.

ومن البديهي أن حاجة جمهور "حزب الله" الى رؤية نصرالله يظهر على الملأ ويشرع كعادته في إطلاق خطاب يكون مكتمل العناصر لتحديد أهدافه قد ازدادت مع دخول الجهاز العسكري للحزب في خضم المعركة على الحدود الجنوبية بعد أقل من 24 ساعة على انطلاق حركة #حماس في عمليتها من غزة في اتجاه غلافها.

فمنذ أن اختار الحزب مزارع شبعا الحدودية لتكون شاهداً على إطلاق أول قذيفة مدفعية على المواقع الإسرائيلية الخمسة المتمركزة في تلك البقعة القصيّة إيذاناً بانخراطه في المواجهة، دخل جمهور الحزب في حال من عدم اليقين والضبابية إذ لم يعد في مقدوره تحديد اتجاهات البوصلة وهل انخراط الحزب أمر مرحلي عابر وعاجل وعبارة عن "تحيّة بالنار" للمقاتلين في غزة والضفة الغربية المحتلة أم الأمر أبعد وأعمق، وهل ساعة المنازلة الفاصلة والموعودة مع إسرائيل أتت أم لا؟

وكان لافتاً أن هذا الجمهور لم يجد إجابة شافية عند قيادات الحزب التي ظهرت بالجملة إذ إن المختصر المفيد في خطابها اقتصر على "أننا لسنا على الحياد في الآتي من الأيام" ولاحقاً اتسع المدى ليرتكز على شعار عام فضفاض فحواه: "إن مشاركتنا المفتوحة في المعركة يحدّدها مسار التطوّرات في غزة".

وعلى ما يبدو، لم يكن هذا الشعار كافياً ومقنعاً وسط تطوّرين اثنين:
الأول تصاعد مستوى الهجمة الإسرائيلية على غزة والتهديد بإبادة حماس وسحقها.
الثاني كان أشدّ إيلاماً وأكثر تعقيداً خصوصاً بعد أن فقد الحزب في الأسبوعين الأولين من المواجهات على الحدود الجنوبية ما لا يقل عن 26 عنصراً، وهو رقم عُدّ كبيراً، فضلاً عن أن إسرائيل بدت كأنها سيدة الميدان والمبادرة على الحدود خصوصاً أن مسيّراتها قد تحكمت بالحركة في تلك البقعة الحدودية.

وكان واضحاً أيضاً أن الإسرائيليين نجحوا خلال وقت قصير في سد كل المنافذ والثغر التي كان مقاتلو الحزب يستفيدون منها لكي ينزلوا بالجيش الإسرائيلي ومواقعه وثكنه خسائر مادية ومعنوية على غرار ما حدث في الأسبوع الأول.

وبمعنى آخر، لم تكن تجربة الأيام العشرة الأولى موفقة عسكرياً، إذ فيما جمهور الحزب ينتظر تحقيق "وعود" بأن الهدف سيكون دخول مستوطنات الجليل الأعلى بدا الحزب في موضع المرتبك عسكرياً والمثخن بالجراحات والخسائر الى درجة سمحت للبعض بالقول إن الحزب مرتبك فعلاً، فلا هو قادر على الإقدام ولا هو قادر على إدارة الظهر وترك غزة وحدها وهو الواعد إياها بالإسناد والدعم عند الحاجة والاقتضاء فبدا كأنه بطة عرجاء أو شخص مكبّل اليدين.

والمعلوم أن الحزب سعى جاهداً الى الرد فتحدث جمهوره عن فوائد متراكمة لدخوله الميدان أبرزها أنه يشاغل ما يقرب من نصف الجيش الإسرائيلي ويمنع تل أبيب من حشد كل قوتها النارية والعسكرية قبالة غزة ما يحدّ من مساعي الإسرائيليين الى اقتحامها برياً.

فهل إطلالة فضل الله كافية لتبرير غياب سيد الحزب وتبديد ما أحيط بهذا الغياب من ملابسات؟ يرى الراصدون أنها جرعة تسكين وتهدئة لخواطر القلقين وأن مفعولها لن يدوم طويلاً وبالتالي سيرتفع منسوب المطالبة بظهور نصرالله ليسمع منه الخطاب الفصل.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار