لبنان... "بلاد ما بين النارين" | أخبار اليوم

لبنان... "بلاد ما بين النارين"

| الجمعة 27 أكتوبر 2023

الراي- من خلف أعمدة الحرائق التي تَعَمَّدَ الجيشُ الإسرائيلي إضرامَها في أحراج وأراض زراعية في الجنوب باستخدامه القنابل الفوسوفورية المحظّرة دولياً، تشابَكتْ المَخاوفُ المستمرّة من انزلاق لبنان إلى أتون الحرب التي اشتعلت غداة «طوفان الأقصى» مع خشيةٍ من تشظياتٍ بالغة تصيب البلاد جراء أي مساراتٍ سياسية تأتي على حسابه في سياق المساعي لوقف النار وإنهاء أزمة الرهائن وتجنيب المنطقة الانفجارَ الشامل.
ولم يكن عابراً أن لبنان بدا في الساعات الماضية وكأنه «بلاد ما بين الناريْن»: التي تحرق الأخضر واليابس في غزة وتفتك بناسها الذين يُنفَّذ بحقهم إعدامٌ جَماعي وكأنه بـ «البث الحيّ» ويلاعب الوطنُ الصغير «ألسنتَها» على ضفاف توازن ردع ورعب قابل للانكسار عند أي سوء تقدير، والنار التي بدأ دخانها يتصاعد من كواليس «غرف العمليات» السياسية – الديبلوماسية التي تعدّ «مخرج طوارئ» من حربٍ لا يَظهر أن أحداً يريد اتساعها ولكن الجميع جاهزون لانفلاشها.
وجاءت تسريباتٌ من مصادر عدة عن أن المفاوضاتِ الرامية لاحتواء النزاع الدموي وقطْع الطريق على خروجه بالكامل عن السيطرة على المستوى الإقليمي تشتمل على مقترحاتٍ بنقل قادة «حماس» إلى لبنان (وربما أحد المخيمات)، لتشكّل إنذاراً مبكّراً حيال «زنار الخطر» الذي بات يلف «بلاد الأرز» من الجبهة العسكرية كما من مسرح مساعي إخمادها.
ورغم أن مثل هذا الطرح يرتبط أساساً بمجريات الميدان الذي مازال يتحرك على مدار الساعة ولا أحد يملك القدرة على استشراف مآلاته ولا حدود «عصْفه»، فإن المسارَ السياسي للصراع والذي سيشكّل بطبيعة الحال وفي نهاية المطاف السلّم «لإنزال جميع الأطراف عن الشجرة» يستوجب وفق أوساط لبنانية تنبُّهاً عالياً من أن تدفع البلاد إن لم يكن ثمن اقتيادٍ مباشر لها إلى الحرب فثمن حلولٍ قد تفرضها مقايضات وموازين قوى يَجْري «بناؤها» في الميدان المتفجّر، كما في المسحر الخلفي وحركة الأساطيل والمدمرات ولغة «المقبرة للغزاة وسندفنكم» ووضْع الإصبع على زنادِ «تَلاحُم الساحات».
4 عناوين
وفي الوقت الذي يبدو لبنان الرسمي بعيداً جداً عن المستوى الذي أظهرته مصر والأردن في إحباط سيناريو «ترانسفير» لأهل غزة وأعْجَز عن مواكبةِ المرحلة المصيرية على مستوى المنطقة، هو الذي يمضي في فراغ رئاسي يدخل بعد 4 أيام سنته الثانية واستعادَ مشهد الانقسام الكبير في الساعات الأخيرة على خلفية كيفية التصدي لخطر انتقال الفراغ الى قيادة الجيش مع انتهاء ولاية العماد جوزف عون بعد نحو شهرين، فإن أنظارَه شخصتْ أمس على 4 عناوين:
- ما يَشهده العالم من تَمَدُّدٍ لحال التضامن مع غزة وفلسطين في مَلاعب كرة القدم وعلى منابر الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والإعلام وفي عرائض موقّعة من نخب عربية وغربية (من جامعات مرموقة ومنظمات دولية ومراكز دراسات وأبحاث) تَعتبر ما تقوم به إسرائيل تجاه القطاع المحاصَر بعد «نزْع الصفة الإنسانية» عن سكانه عقاباً جَماعياً ترافقه جرائم حرب «توازي ما حصل في 7 أكتوبر»، وتدعو لحفظ القيِم الإنسانية والحضارية ورفْض معاداة السامية وكراهية العرب والمسلمين والعودة إلى المسار السياسي لحلّ النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وسط انطباعٍ بأن هذه الدينامية التي تتوسع يوماً بعد آخر من شأنها أن تشكل رادعاً لإسرائيل التي كلما زاد تَوحُشها خسرت نقاطاً في معركة «الرأي العام» ستجعل حتى أشدّ داعميها محرَجين وفي موقع حرِج، وهو ما يراهن عليه المتخوّفون في لبنان من أن إطالة أمد النزاع ستزيد من مخاطر جر البلاد إلى فوهة المدفع.
- تهديد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي من أنه «إذا أقدم الصهاينة على هجوم بري في غزة فسيُدفنون فيها»، موضحاً «يجب أن تعلم إسرائيل أن استمرار مجازرها سيغيّر المعادلات وستحترق بالنار التي أشعلتْها»، ومعتبراً أنّ «الغرب في حالة عداء مع المنطقة ولا يمكن لمسؤوليه زيارتها إلا في الخفاء وفي الليل»، ولافتًا إلى أنّ «الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تلقت أيضاً هزيمة نكراء في معركة طوفان الأقصى».
- الوقائع الميدانية في غزة التي تراوح بين تعليقٍ كلامي للغزو البري لمصلحة أولوية ملف الرهائن واستعادتهم، وهو ما تضغط في اتجاهه واشنطن، وبين عمليات «استكشاف بالنار» يقوم بها الجيش الإسرائيلي يومياً عبر توغلات برية في شمال غزة كان أكبرها ليل الأربعاء لاختبار جهوزية «حماس» وخطوط دفاعها، تمهيداً لساعة الصفر وما قد تستدرجه على صعيد رفع حزب الله منسوب انخراطه عبر الجبهة الجنوبية، وإن وسط اقتناعٍ بأنه يقيس خطواته وفق ميزان عدم الرغبة في إطلاق شرارةِ حرب يجد لبنان نفسه في عيْنها.
وكان بارزاً أن الساعات الماضية حفلت بمجموعة رسائل «غير مشفرة» حيال كون «حزب الله» و«حماس» في خندق واحد في المعركة وفق ما عبّر عنه لقاء الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد نخالة.
صاروخ أرض - جو
ولم يقلّ دلالة على المستوى العسكري استخدام «حزب الله» للمرة الأولى منذ بدء المواجهات منظومة دفاعه الجوي حيث أطلق صاروخ أرض - جو في اتجاه مسيَّرة إسرائيلية.
- المواجهات على الحدود الجنوبية التي «احترقت» معها كل معالم الخط الأزرق والقرار 1701، والتي يركّز فيها «حزب الله» الى جانب استهداف مواقع عسكرية بصواريخ موجّهة، على تدمير الأبراج والأعمدة التي ينشرها الجيش الإسرائيلي على طول الحدود مع لبنان والتي تشكل «عيونه وآذانه»، وذلك في سياق «حرب نفسية» حتى الساعة بأن الحزب يعدّ لمفاجأةِ «العدو الأعمى» والذي يحاول التعويض عبر تكثيف طلعات مسيرّاته.
«إستراتيجية الحرق» الإسرائيلية
وكان بارزاً أن الجيش الإسرائيلي انتقل الى استراتيجية «الحرق» في التعاطي مع البلدات اللبنانية وأطرافها، حيث يعمد إلى رمي قذائف حارقة على الأحراج، وهو ما أدى لاندلاع حرائق كبيرة بعضها هدّد المنازل، وكان أبرزها في اللبونة وعلما الشعب وعيتا الشعب، ما تسبب أضاً بانفجار ألغام إسرائيلية وقنابل عنقودية من مخلفات الاحتلال.
وقد واكب رئيس مجلس النواب نبيه بري التطورات الميدانية في القرى والبلدات الحدودية «في ضوء تصاعد العدوانية الإسرائيلية واستهدافها للاحياء السكنية والمدنيين اللبنانيين واستخدام الأسلحة والذخائر المحرمة دولياً وتحديداً القذائف الفوسفورية والانشطارية ضد المساحات الحرجية في خراج بلدات علما الشعب، رميش، عيتا الشعب، الضهيرة، مروحين ويارون، تلال كفرشوبا ومزارع شبعا».

ولهذه الغاية بقي بري على اتصال مع قيادة الجيش ومع أجهزة وزارة الداخلية والدفاع المدني وجهاز الإطفاء في كشافة الرسالة الاسلامية من أجل المسارعة والمؤازرة في إخماد الحرائق.
وكان بري التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وسط تنشيط محاولات إيجاد مَخرج لتفادي أي شغور في قيادة الجيش بعد انتهاء ولاية العماد جوزف عون سواء عبر إرجاء تسريحه، أو إصدار قانون برفع سنّ التقاعد لسنتين لجميع العاملين في الأسلاك العسكرية والأمنية، أو ملء الشواغر في المجلس العسكري بحيث يتم تعيين رئيس للأركان يتولى مهمات قائد الجيش بالإنابة (وفق القانون)، وهي الخيارات الثلاث التي يرفضها حتى الساعة «التيار الوطني الحر» (يقاطع جلسات مجلس الوزراء) سواء بحجة عدم جواز التعيين في غياب رئيس الجمهورية أو بهدفٍ لم يعد خافياً ويتمثل في الرغبة في تسديد ما يعتبره «ضربة قاضية» لحظوظ قائد الجيش رئاسياً ما أن يُحال على التقاعد، علماً أن رفض التمديد لعون شكل نقطة تقاطع صريحة بين رئيس التيار جبران باسيل ومرشح «الممانعة» سليمان فرنجية خلال زيارة الأول له (الأربعاء).
كما يأتي حِراك ميقاتي في إطار متابعة الأوضاع جنوباً وكيفية درء المخاطر عن لبنان، في ظل تقارير بدأت تتخوف من أن يؤدي الإفراط في القفز فوق القرار 1701 الذي «ترعى تطبيقه» قوة اليونيفيل المعزَّزة إلى مطالباتٍ دولية بسحب هذه القوة بعدما تحوّلت «متفرّجة» على مواجهات على ضفتي هذا القرار الذي كان أوقف الأعمال العدائية عقب حرب يوليو 2006 وأعلن جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار