لبنان وغزة على طاولة الأمم: هل يتكرر سيناريو سوريا؟ | أخبار اليوم

لبنان وغزة على طاولة الأمم: هل يتكرر سيناريو سوريا؟

| الأحد 05 نوفمبر 2023

لبنان وغزة على طاولة الأمم: هل يتكرر سيناريو سوريا؟
نقاش متشعب ومعقد حول أداء ومواقف حزب الله وايران وطموحهما في ظل "طوفان الأقصى"

منير الربيع - المدن 
 تفتح المواقف الإيرانية ومواقف حزب الله في ضوء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة النقاش المتشعب على أكثر من ملف ونقطة. بلا شك أن الصورة بالغة التعقيد بالمعنى السياسي، إذا ما أراد المرء الذهاب للبحث عن حقبة ما بعد الحرب، وهذا أحد أبرز الهواجس السياسية والإستراتيجية لكل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية. ومن بين التداخلات والتعقيدات التي تتصل بوضع قطاع غزة وحركة حماس تحديداً، لا بد من تسجيل ملاحظات عديدة.
سيناريو مكرر
طبعاً، وحتماً، فإن حركة حماس تناضل نيابة عن الشعب الفلسطيني ككل، ونيابة عن العرب بعد كبوات كثيرة. ومما لا شك فيه أيضاً أن عملية طوفان الأقصى أعادت إحياء القضية الفلسطينية على أساس النضال المسلح، وهو ما استدعى فوراً تجمهراً دولياً يسعى إلى شيطنة الحركة، واعتبارها كتنظيم داعش. علماً أن هذا المجتمع الدولي لم يأبه للمجازر التي ارتكبت بحق الشعب السوري، طيلة أكثر من عشر سنوات. والتحالف الدولي شهد على أكبر عمليات تهجير في العراق وسوريا، تحت عنوان محاربة داعش.

الغطاء الدولي الممنوح لإسرائيل في ارتكاب المجازر بقطاع غزة، يهدف إلى تكرار نموذج التهجير للفلسطينيين. وبالتالي، لا بد من تسجيل جملة مفارقات. الأولى، أنه في "الحرب على داعش" حصل تقاطع مصالح إيرانية أميركية، تجلت في تهجير "السنة" من مناطقهم في سوريا والعراق، وتجلت في الإتفاق النووي، وتسليم إيران لسوريا ولبنان والعراق وترك بشار الأسد يرتكب المجازر التي يريدها وتنفيذ الترانسفير الذي يشتهيه. اليوم يتكرر المشهد نفسه في غزة بناءً على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، ولكن مع صراع إيراني أميركي. اذ أن طهران تدعم حماس سياسياً، إعلامياً، وعسكرياً.
نصف بدر سني وهلال شيعي
النقطة الثانية، مع اندلاع الربيع العربي اتخذت الدول العربية موقفاً معارضاً له على قاعدة مواجهة الأخوان المسلمين. كما كانت الدول العربية من قبل قد اعترضت على المشروع الإيراني والذي وصف حينها بـ"الهلال الشيعي" وهو هلال سعت طهران إلى تحقيقه منذ اجتياح العراق في العام 2003. على وقع الثورة السورية وقع الإختلاف بين إيران وحماس، على خلفية موقف الأخيرة من النظام السوري. فيما كان العالم العربي ضد الثورات وضد الأخوان وخصوصاً في مصر بعد تونس. مع وجود حركة حماس في قطاع غزة، ولو استمر حكم الأخوان في مصر، بعد تونس، لكان تشكّل "هلال سنّي" مقابل "الهلال الشيعي". يكفي النظر إلى الخريطة لرسم معالم الهلال السني، من تونس، ليبيا، مصر فقطاع غزة. وما بين الهلالين كانت سوريا نقطة الوسط أو نقطة التقاء أو نقطة قطع، فلو نجحت الثورة السورية وتمكنت القوى الإسلامية من الوصول إلى السلطة لكان الهلال السنّي أصبح نصف بدر، أما وأن الثورة فشلت فبقي الهلال الإيراني قائماً.

استثمار في انتصار حماس
منذ سنوات، فتحت علاقات قوية بين حركة حماس وبعض الدول العربية، وفي نفس الوقت بذلت مساع وجهود في سبيل إعادة ترتيب العلاقات بين الحركة والجمهورية الإسلامية وقوى محور المقاومة. جاءت عملية طوفان الأقصى، حققت فيها حماس انتصاراً كبيراً، وهو ما يسعى الإيرانيون من جهة، والعرب من جهة أخرى إلى استثماره. وبغض النظر عن اعتبار بعض العرب أن حماس تمثل الاخوان المسلمين أو أن انتصارها سيعيد الإعتبار لهم أو للربيع العربي، إلا أن صمودها وعدم السماح لإسرائيل بتحقيق مشروعها في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، يمثل مصلحة استراتيجية عربية. وهذا بحدّ ذاته يناقض تقاطع المصالح الذي حصل بين النظام السوري، إيران وغيرهما مع قوى دولية حول تهجير السوريين من سوريا وتغيير ديمغرافيتها.

نقطتان مفصليتان لا بد من التوقف عندهما الاولى تتعلق بسوريا، والثانية تتعلق بغزة وحماس. ففي سوريا، ولدى استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في العام 2012، وتجاوز كل الخطوط الحمر التي رسمها الأميركيون وباراك أوباما بالتحديد، تفعّلت الوساطات الأميركية، الروسية والإيرانية في سبيل منع تدخل الاميركيين ضد النظام، وربما كان هناك تدخل للإسرائيليين الذين تفرجوا باستمتاع لأكبر عملية تهجير وتطهير عرقي في سوريا. كان الأميركيون ينكبون على عقد الإتفاق مع إيران، وهو ما حصل. ومنذ تلك اللحظة أصبحت طهران هي المنتصرة عسكرياً في سوريا.

 أما في قطاع غزة، وبعد عملية طوفان الأقصى، انبرى العالم ليشيطن حركة حماس وليصفها بالإرهاب وتشبيهها بتنظيم داعش، وذلك بهدف إعطاء الإسرائيليين شرعية ارتكاب المجازر وادارة التوحش في سبيل تهجير الفلسطينيين وضرب الديمغرافيا، مقابل إغراق الدول العربية بالمهجرين وضرب أمنهم القومي. أبدت ايران دعماً لحماس سياسياً وعسكرياً، فيما كانت الأساطيل الأميركية في البحر لمنع طهران من التمادي. وقد أعلن الأميركيون صراحة أنهم لا يريدون الحرب لا مع إيران ولا مع حزب الله، إنما يريدون لإسرائيل أن تسحق حماس.

تدرج الإيرانيون في تراجعهم، بغض النظر عن الضربات التي وجهوها إلى بعض القواعد الأميركية وهم يعلمون أن لا أميركا ولا إسرائيل في وارد الدخول بصراع مع إيران، او توسيع الجبهات.

معادلة نصرالله 
ضمن هذا السقف، يندرج خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي لم يكن بإمكانه عدم الظهور وعدم إطلاق موقف، لا سيما ان موقفه منتظر. ولذلك وضع معادلة أساسية تتركز على هدفين، الأول هو وقف اطلاق النار، والثاني هو ضمان انتصار حماس، لأن أي هزيمة ستتعرض لها حماس سيعتبره الحزب ومن خلفه إيران بأنه خسارة لهما. لذلك فإن التركيز حالياً على صمود حماس، إنطلاقاً من الرهان على عدم قدرة الإسرائيليين في تحقيق المزيد من التقدم برياً، بالإضافة إلى تغير في الرأي العام العالمي وعدم الإستمرار بمنحها الدعم الكامل لتنفيذ عملياتها، وهو ما سيحتم الذهاب إلى وقف إطلاق نار.

 تأتي مواقف الحزب والإيرانيين، في ظل الكثير من المساعي العربية والدولية للوصول إلى هدن إنسانية ووقف إطلاق النار.

 في هذا السياق، يبرز دور عربي أساسي، إنطلاقاً مما تقوم به دولة قطر في التنسيق مع الأميركيين والإيرانيين، ومع الدول العربية الاخرى وصولاً إلى القمة العربية التي ستعقد في الرياض. هنا أيضاً لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية، وهي أن ايران لا تعتبر أن حماس كلها خاضعة لها، والدليل هو تبرؤ طهران من أي علاقة لها بالعملية، فيما قد يلعب آخرون على وتر الإشارة إلى علاقات حركة حماس ببعض الدول العربية، لا سيما قطر ومصر بالإضافة إلى الدخول التركي على الخطّ. كما أن حماس تحظى بعطف شعبي عربي كبير، وسنّي أيضاً، إن صح التعبير. يأتي ذلك في وقت يصر فيه الإسرائيليون والأميركيون على إنهاء حماس او إخراجها من القطاع أو اضعاف قدراتها العسكرية. بينما طرح الإيرانيون ونصر الله معادلة مقابلة وهي انتصار حماس.

على طاولة الأمم 
تحاول إسرائيل مع الولايات المتحدة وضع أهداف للعملية العسكرية ولما بعدها سياسياً. الفكرة الأساسية تتركز على تكرار تجربة اجتياح لبنان في العام 1982 وصولاً إلى بيروت وحصارها وتطويقها لإخراج منظمة التحرير منها. مع فارق أساسي وجوهري أن حماس فلسطينية، وتقاتل على أرضها، فيما هناك محاولات للتبرؤ منها في ظل التحشيد العسكري الأميركي، وبالتالي بحال كان القرار الأميركي يعطي اسرائيل كل الفرص لضرب حماس عسكرياً وإخراج قياداتها العسكرية من القطاع أو تصفيتهم وحصرها بالسياسة فقط، فإن ذلك يدفع الكثيرين إلى الإعتبار بأنه على المدى البعيد، وبحال استمر الضغط الأميركي والإسرائيلي على الحركة وعلى طهران، فيمكن لإيران أن تتخلى عنها على طاولة الأمم، بالمعنى العسكري، وهو ما تراهن عليه اسرائيل التي تسعى إلى الإستفراد بغزة وحماس بعد وضع معادلات واضحة من قبل الإيرانيين وحزب الله، فيما يدفع العجز العسكري الإسرائيلي إلى ارتكاب أكبر قدر من المجازر وتكبيد المدنيين الخسائر.


هل يتكرر سيناريو سوريا؟
هنا يمكن تسجيل جملة استنتاجات واحتمالات. أولها، أن ايران ستبقى في حالة تحريك لحلفائها في المنطقة دعماً لغزة وللوصول إلى وقف لإطلاق النار، والتفاوض مع الاميركيين وغيرهم لإرساء معادلة وقف العمليات العسكرية والحفاظ على حماس وبذلك لا تكون طهران قد خسرت لا العلاقة مع حماس، ولا موقفها المبدأي الداعم لها أمام بيئتها وجمهورها وأمام الآخرين. ثانيها، أن لا تنجح طهران في ذلك فيبقى الإصرار الإسرائيلي على سحق حماس، بدون تدخل من ايران ومن حزب الله في ظل الموقف الأميركي، وهذا سيقود في النهاية إلى التضحية بحماس مقابل السعي للبحث عن مكاسب في ساحات أخرى، وبذلك يتكرر في غزة ما سبق وحصل في سوريا.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار